الرئيسية / المقالات / أمة تهيأ للدجال

أمة تهيأ للدجال

بسم الله الرحمن الرحيم

أمة تهيأ للدجال 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى الصحابة والصحابيات الغر الميامين وبعد:
1- السنن الكونية:
فبين الحين والآخر، تتعرض الأمة لفتنة عظيمة، حتى إذا انقضت وظن الناس أنها لا فتنة بعدها، تأتي فتنة هي أكبر منها، تصور ما قبلها أصغر منها، كما في الحديث:
“……..، وتجيء فتن يرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه …..”.
ومن هنا ينبغي الانتباه لأمرين:
الأول: مراعاة السنن الكونية، وجريانها على الأمم، وأنه لا يرد أمر الله، وأنه غالب على أمره، ومن المعلوم أن الانتكاس والضعف كما يعتري الأفراد، يعتري الجماعات والأمم، الأمر الذي يجعلنا نعطي الواقع حكمه الذي يستحقه، من غير غلو ولا شطط ولا انحراف ولا تقصير، وكما يقولون: الحكم فرع عن تصوره، فمن تصور الكمال في أمر حكم عليه بحكم يناسبه، ومن تصور النقص أو غيره حكم بحكم يخالفه، وكل تصور ناتج عن معطيات توصل إليه تؤدي بعده للحكم، ومن هنا من نظر إلى الفتن الواقعة أنها أعظم الفتن ينفي الفتنة بعدها، وهلم جرا.
أقول: يقول عليه الصلاة والسلام: “إن الإيمان ليبلى في جوف أحدكم كما يبلى الثوب، فجددوا إيمانكم بلا إله إلا الله” ولذا كان مذهب جمهور أهل السنة والجماعة، أن: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وقال تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا).
قلت: فهذه سنة كونية تعتري الخلق، اليوم قوة، وغدا ضعف، والعكس، حتى لا تغتر الأمم أو الأفراد فيتكبروا على الله، ولذا لما جاء أعرابي على قعود، فسابق القصواء -ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكانت لا تسبق، فسبقها، فقال صلى الله عليه وسلم: “أبى الله إذا رفع شيئا إلا أن يضعه”.
ومن نكص أو نكث أو تقهقر، فسنة الله عزوجل باقية في تربيته ولو كان محسنا، ما دام مقتضي التربية قد وجد، قال تعالى: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا)، وقال: (فلما رأوه عارضاً مسقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم).
وحديث تعذيب أهل القرية بدءا بالصالح مشهور معلوم.
بل إن من الذنوب ما يسبب وجود سنن شرعية ثقيلة، قال تعالى: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأكلهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل).
والنجاة بغلبة الصلاح، قال تعالى: (فلولا قرية آمنت فنفعها إيمانها…….. الخ) فسنن الله جارية في تحقيق مراده، وما ذلك إلا لدفع قوم بقوم، أو قوة بقوة، ولا مرد لأمر الله.
الثاني: ضرورة الانسجام مع هذا القدر لتحقيق أمر الله تعالى كونا وشرعا، لأن من حاول الخروج عنه فلا يمكنه ذلك، لأن أمر الله نافذ، وذلك يورث شرودا عن الحق إلى الباطل، وهذا –أعني الانسجام مع القدر الكوني- لا يختلف فيه مسلم عن كافر، لكن من رضي فله الرضا، والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.
2- الحكم للقيَم:
في كل شخصية متكونة، سواء أكانت حقيقية أم اعتبارية، مكونات متفاوتة من حيث الاعتداد بالشخصية أو تصرفاتها، أو الحكم عليها، وما يمثل هذه الشخصية إما قيم كلية وإما أمور فرعية، ولكل حجمه من الكليات والفرعيات، ومن المعلوم لدى كل أحد أن مفهوم الكلي هو الثابت الذي لا يتغير، لأنه حينها، سيتغير الحكم على هذه الشخصية، فمن ثوابت المؤمن -مثلا- التوحيد، فأن تغير صار إلى غير الإيمان –بشروطه- وهكذا في حق كل شخصية كائنة ما كانت، ومن عظيم الخطأ عدم تقييم هذه الشخصية من خلال ما هو عندها بل من خلال ما نتصوره حسب فهمنا المجرد.
هذا والكليات قيم كبيرة –دستور- تتبناه الشخصية بحسبها، ومن الظلم الخلط في الحكم، بين ما هو قيمة كلية، وبين ما هو من الفروع، ومن تجشم هذا الخطر، حكمنا عليه بسوء القصد.
ومما ما لا بد من بيانه، بيان أن القيم مقاصد كبيرة، والفروع وسائل جزئية، ومن المعلوم أن الوسائل تتبدل، والمقاصد لا تتبدل، وكل شخصية لوحظ فيها مراعاة قيمها ومقاصدها وجب احترامها، ومن فرطت احترمت بقدرها، على خلاف من يحاولون الخلط في الموازين، فيشوهون صورة شخصية ما، فيقلبون الحقائق من قيم كلية ومقاصد، إلى فروع ووسائل، والعكس بالعكس، حتى يصل المغرضون إلى تشويه أو إضعاف أو إسقاط هذه الشخصية، ولذا قلت: مثل هذا المخلط وجب إساءة الظن فيه لأنه متبع هواه.
ودوما كنت أقول: لا تدافعوا عن الفروع والجزئيات، كدفاعكم عن القيم والثوابت، فأن لكل حجمها وقدرها من الثبات والتغير.

3- التضخيم خطأ:
كل منا محسن ومسيء، أو محسن أو مسيء، والأحوال تتفاوت من شخص لشخص، ومن حال لحال، ومن زمن لزمن، والحسنة الأصل فيها التقدير والنشر، والسيئة الأصل فيها العفو والستر، لكن هناك أمر ضروري وهو:
لا يحسن ولا يصلح تضخيم الصلاح بحيث يصل إلى حد الإعذار المطلق ولا يصلح تضخيم السيئة بحيث يصل الأمر إلى حد التعظيم المطلق –العصمة-، لكن: يعطى كل شيء قدره المناسب، فالحسنة لا تقلب لسيئة ولا العكس، سواء أأحببنا الفاعل أم لا، يقول تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
هذا ومن التضخيم المذموم، أن نجعل خطأ أو سيئة تلغي حسنات الشخصية، بحجة ما ولو كانت حجة معتبرة، لأن السيئة –ما لم تكن تغيير القيم والثوابت- لا يمكن أن تلغي الحسنات، بل العكس هو الصواب، فالحسنة الكبيرة هي التي تلغي السيئات، وهذا قانون مطرد بشروطه.
4- الفضل يظهر بالمقارنة:
قال:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ** من لم يعرف الشر من الخير يقع فيه.
وفي حديث حذيفة: “…. وكنت أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركني”.
ومن المعلوم أن من أراد أن يعرف نفسه عرض نفسه على مثال آخر يصلح أن يقارن به، لأن الشيء بضده وبغيره يعرف، فأذا أردنا معرفة حجم شخصية ما، قارناها بمثلها أو غيرها، لأن تسليط النظر لشيء محدد، يسبب حصر النظر فيه وحده، مما يجعل الحكم ناقصا مشينا.
وما دمنا بصدد التحدث عن الموازنة، -وهو مبدأ ديني- فقد ثبت وزن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمة، وكذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، لمعرفة قدره في الناس، وكذلك حينما نزن أو نقارن، فالأصل حصول المقارنة بالعدل، وذلك باعتبار القيم والثوابت قبل الفروع والجزئيات، فأن قارنا شخصا بشخص نظرنا للدين والقيم والأخلاق والنَسَب والواقع، وانظر: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم” وقال تعالى: (إن خير من استأجرت القوي الأمين) وقال عليه الصلاة والسلام: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير” وقال: “نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل” وقال: “واليد العليا خير من اليد السفلى” وقال: “والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم” وقال: “وإني لأعطي أقواما وغيرهم أحب إلى؛ أكلهم لدينهم” وهلم جرا.
ومن وازن إقامة للفروع مقام القيم والكليات والثوابت فقط أجرم وحكمنا عليه بسوء القصد وبالهوى.

5- التوحيد والطاعة:
قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) وقال عزوجل: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) وقال: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) وقال: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله).
وقال عليه الصلاة والسلام: “نحن معاشر الأنبياء أبناء علات –أي: شرائع مختلفة- وديننا واحد –أي: التوحيد”، وقال صلى الله عليه وسلم: “أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا” في حديث جبريل وكذا في حديث ابن عباس في حق الله على العبيد.
ولذا وجبت التفرقة بين ركائز وأركان الدين، وبين شعبه ودرجاته: فهناك:
الإحسان والإيمان والإسلام.
وشعبه لها أعلى ولها أدنى.
وهناك أصل وضده:
• فالتوحيد ضده الشرك.
• والإصلاح ضده الإفساد.
• والعبادة ضدها المعصية.
ولذا كان الخلط وعدم الميز، ينتج عنه ضرر كبير في إصدار وإطلاق الأحكام.
ومن هنا فمن أراد المقارنة والحكم؛ فليبن على ما ذكرنا مما لا خلاف فيه، ولا يبني على ما يريد ويفهم ويشتهي ويتمنى، وكما سبق: سيئة ما لا تلغي القيم إلا إذا أتت عليها كلها.
6- لا نؤمن بالقيصرية:
كل شخصية لها وعليها، وإحقاق ذلك لا يلغيها، لكن عدم إثبات الذنب لغير معصوم مؤدٍ إلى فساد كبير، ولا أعلم شخصية نأت بنفسها عن ذلك إلا بعض الغلاة ممن ينتسب لدين الله ممن يزعمون الولاية المطلقة التي ترفعهم لحد النبوة أو الإلهية، وهذا غير موجود إلا فيمن ندر ممن يقيمون قاعدة:
– دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ولا نقول بهذا، بل الله وحده الذي له الكمال المطلق فقط دون غيره من الخلق.
– أو يقيمون قاعدة ولاية الفقيه التي معناها هو آخذ عن الله فهو معصوم.
– أو يقيمون قاعدة الكشف الإلهي لا بمعنى الإلهام، والتي معناها: أنهم آخذون من اللوح المحفوظ مباشرة.
فكل من هؤلاء ضلوا الطريق، وما نجا منها إلا من وقاه الله شرها.
لكن أظل أعيد لا بد من تقييم الخطأ حسب متعلقه لا حسب أهوائنا، خصوصا الخطأ المتعلق بالإفساد، ففرق بين شخصية تشرع بقانونها ودستورها الإفساد وتمارسه بنفسها أو من خلال غيرها، وفرق بين شخصية ليس لها من قانونها ولا دستورها ذلك، وإن مورس الخطأ من خلال بعض من ينتسبون إليها، أو قل: (فرق بين الخطأ المؤسسي، وبين الخطأ الشخصي)، بغض النظر عمن مثله أو قام به، ولا يغيب عن ذهنك:
“قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله”.
7- عودا: المثلث السني: وقيادة الشباب:
وأختصر لكثير ما تحدثت حول هذا.
• لماذا يراد لأهل السنة بقاء التحوصل؟!
• لماذا يراد لخاصة أهل السنة البقاء ضمن دائرة:
الاتهام: العمالة، الظلم، الاستبداد، الاستحواذ، الدكتاتورية…. الخ؟!
• لماذا يصد الخلق عنهم، ويتهمون بأقذع التهم؟!
• لماذا بتنا نرى التثوير ينالهم أكثر من غيرهم؟!
• لماذا نريد لهؤلاء التمزق والتشرذم؟!
• لماذا الإسقاطات لآيات محددة هي في أهل الضلال، تنالهم دون غيرهم؟!
• لماذا ………. ولماذا ……….. ولماذا …………؟!
• لماذا صرنا نسمع حين تقول عن إحدى أو بعض دول المثلث: بلد الرباط، بلد التوحيد، بلد النصرة؟! يقال: كان زمانا؟! لأننا نحضر للدجال؛ وهُمْ العصمة منه بأذن الله تعالى.
فهل نجح التكتل الثوري في تغيير المصطلح، ويكاد يقلب الطاولة على الغير، أم أن الأمة لا تزال منتبهة لذلك ولديها القدرة –قيادة وشعبا- على صد هذه الهجمة الشرسة؟!
والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

د. سمير مراد

من يوم الإثنين
13/2/1440-22/10/2018

شاهد أيضاً

حكم قراءة القرآن أو مسه للحائض والنفساء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *