الرئيسية / المقالات / هل الحرام أصل التشريع؟ (ويضع عنهم إصرهم)

هل الحرام أصل التشريع؟ (ويضع عنهم إصرهم)

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله تعالى الذي خلقنا وبالعلم المحتف بالرحمة خصنا، وجعل لنا الحياة ميدان عمرانها وعمران الآخرة معها، فكان ما يعلق بالدنيا لا حرام فيه إلا ما حرمه الشرع، وما يعلق بالآخرة (الدين) لا طلب فيه إلا ما طلبه الشرع، والحمد لله تعالى أن باب الحرام ضيق، وباب الحلال واسع، قال تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعا منه) أي: تمننا وتفضلا وتعطفا، وقال: (كلوا من طيبات ما رزقناكم)، والحمد لله تعالى أن الطيب النافع هو الغالب من طعام وشراب ولباس ومال ومسكن وحيوان ونبات وغير ذلك، والخبيث الضار هو القليل، قال تعالى: (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)، إذا صار عندنا أصلان؛ الأول: ما يطلب على وجه الدين والعبادة ولا يتلقى أصالة إلا من الشرع نصا أو معنى، الثاني: ما يطلب تركه من الدنيا ولا يثبت أيضا إلا من الشرع نصا أو معنى، أقول: وهذان الإطاران- الدين والدنيا- ليسا على مقاس واحد كما صوره البعض ممن لا يحسن علما، الأمر الذي أوصلهم إلى تصنيف يشمل الإطارين معا، فاشتبه عليهم أمر المطالب الدينية بالمناهي الدنيوية وصارت القرينة: منع تخطي الإطارين بلا ضوابط لكل واحد، حتى صار الأمر أن المنع؛ أي التحريم أصل التشريع عند هؤلاء، وهذا المشرب وإن سبق بعض هؤلاء المعاصرين بعض السابقين بع، هو أصل باطل يخالف ما أوردناه من آيات تبين أن إطار التشريع (الدين)، قائم على طلب الإيجاد، وإطار الدنيا قائم على أصل الجواز والحلال والإباحة، والمنع منه استثناء، فالأول؛ أي الدين، أصل كلي ثابت أصالة، والثاني إنما هو أصل بالتبع لا غير، أي أننا متعبدون بجزء الحظر الشرعي منه لا غير، ومن هنا ندرك أن مسالك المنع والحظر والتحريم والتبديع ومخالفة السنة إلى آخر هذه المصطلحات، أكثر من وقع فيها واقع من هذا الخلط الذي جعل فهمه هو؛ هو السياج للشرع وليس العكس، ولو أن هؤلاء جميعا تدبروا حقيقة الفرق بين الإطارين لأدركوا أن ما وقعوا فيه إنما هو: تشنج أقرب إلى تشنج الخوارج والتكفيريين، ولو ترك الأمر لأهله؛ كما قال تعالى: (لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، هذا وإن من أخطر ما يكون؛ حمل البعض الكليات -أعني أحكامها- على الجزئيات أو العكس، وهذا فيه إغفال للفرق بين حكم القضية والحمل عليه، ولذا بتنا نسمع إطلاق الأحكام الجزافية على الأقوال، الأفعال، الطعام، الشراب، اللباس، الزينة،.. إلى آخر هذه المصطلحات؛ بأنها: حرام، بدعة، ضلالة، كفر، زندقة، نفاق،… وحدث عن هذه المصطلحات ولا حرج، بل عن السيل منها، وما ذاك ألا لجهل في الأصل والتصور، أو خطأ في التطبيق.
نسأل الله تعالى الهداية للجميع
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آه وأصحابه أجمعين..

 

بقلم الشيخ / الدكتور سمير مراد

الإثنين: ٥/٩/٢٠٢٢

شاهد أيضاً

حكم الصور (الفوتوغرافية) وتعليقها على الجدران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *