الرئيسية / المقالات / موادة الكفر

موادة الكفر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى وبعد:
فإن من الآيات التي رسم التكفيريون لها رسما خاصا بفكرهم ومنهجهم، بعيدين عن الصواب الذي عليه أهل العلم والسنة، ضاربين بالمعاني والتفاسير اللغوية والشرعية عرض الحائط، والأدهى أنهم رتبوا على فهمهم هذا تفسيرات باطلة، وكأن كل تفسير منها يستلزم ما بعده، حتى بلغوا بذلك استنتاج جواز أو وجوب سفك الدم الحرام، وهذه الآية وهي قوله سبحانه وتعالى: ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله )، إلى آخر الآية، فتصوروا أن الآية تتكلم عن أصل الإيمان، وأن المودة هي الميل الديني لدين الكافرين، فقالوا:
مودة، ميل، مداهنة، ينتج ردة يترتب عليها سفك الدم واستحلال المال واستحلال العرض عياذا بالله تبارك وتعالى، وحقيقة تفسير الآية هو كالتالي:
( لا تجد قوما )، دليل على أن الأمر متعلق بالجماعة لا بالفرد، لأن كلمة قوم لا تدل على الفرد بوجه قط، وفي هذا إشارة إلى أن الأمر قائم على علاقات وأعمال متبادلة، وهي من أعمال الخير الإنساني، أو كما يقول علماء النفس:
خلق اجتماعي أصله التعاون على الخير، قالوه في معنى المودة، وهذا ما يشعر به لفظ القوم، وكأن هناك حركة إنسانية من خلال مساحة من الزمان والمكان، تنتج عمارة ومصلحة لهؤلاء المشتركين في العمل، نعم قد يشذ البعض فيمارس أعمالا غير مشروعة، بسبب تأثير الخلطة، فقد يتأثر الصالح بالطالح أو العكس، فجاء التحذير الشديد من الله تعالى في سياق الخبر فقال:
( لا تجد قوما يؤمنون بالله )، إلى آخر الآية، ولا يلزم من ممارسة البعض الخطأ منع أصل الخلطة والمعاملة، فضلا عن الإلزام بالردة والتكفير بسبب هذه الخلطة والمعاملة، كما سأبينه
وأما قوله تعالى: ( يؤمنون بالله واليوم الآخر )، فحين نقرأ كلام المفسرين، نجد أن محور كلامهم يدور حول الإيمان الحقيقي او الايمان الكامل الذي يعتريه النقص والضعف، ويشوبه الخلل غير المردي إلى الردة والكفر، لأن مبنى ذلك على المعاملة الظاهرة، أعني في الموادة التي لا تستلزم المداهنة في الدين الجالبة للكفر بعد الإيمان، وكأن الله تعالى يقول:
من آمن الإيمان الكامل، لا يركن إلى الذين كفروا بعمل المعصية بسبب مخالطتهم، لا يفعل ذلك إلا من نقص إيمانه، ونقصان الإيمان ليس كفرا إلا عند التكفيريين والخوارج عياذا بالله تبارك وتعالى
وأما قوله سبحانه وتعالى: ( يوادون من حاد الله ورسوله )، فالموادة التي أصلها المودة، تعود في مثل مقالنا إلى أحد معنيين:
الأول: المعاملة الحسنة الناتجهدة عن المحبة، مثل: ( ودوا لو تدهن فيدهنون )، ومثل: ( وودوا لو تكفرون )، ومنها: ( وجعل بينكم مودة ورحمة )، وكذلك: ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة )، وذلك أيضا مثل قصة حاطب بن أبي بلتعة، لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد فتح مكة، أرسل إلى قريش يعلمهم بذلك، خوفا منه على أهله وماله وأقاربه، خصوصا أنه لا قبيلة له تحميه لو حصل خلاف مراد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلما كشف أمره وعلم حاله، اتهمه عمر بن الخطاب بالنفاق، فنفى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله لعمر رضي الله عنه:
“وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم إني قد غفرت لكم”، وذلك بعد أن سأله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قائلا له: “ما حملك على ذلك”، قال خوفا على مال وضيعة وأهل، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفى عنه الكفر، بل وجعل عمله ذلك مع كونه معصية كبيرة جعله في ضمن المغفور لهم من العصاة، لأن حاطبا من أهل بدر المغفور لهم، فسقطت معصيته وكأنها لم تقع، ولو كان ذلك كفرا لما صلح أن يعامل حاطب بمثل ما عامله النبي صلى الله عليه وسلم
قلت: والموادة أو المداهنة المكفرة، هي موادة الدين، أي أن نحب الكافرين لدينهم أو أن نحب شيئا من دينهم، مما هو مخالف لدين الله سبحانه وتعالى وتوحيده من الكفر، قال تعالى: ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين )، بعد قوله تعالى: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين )، فالأمر كله منصب على ولاية الدين ومودة الدين التي هي المداهنة المحرمة المكفرة، وأما ما وراء ذلك فليس كذلك، فهي إما حلال وإما حرام فقط، لا أنها كفر لمجرد أنها معاملة أو محبة أو موادة، ولو كان ذلك صوابا لترتب عليه أمر خطير، من اعتقده كفر لا محالة، ألا وهو قوله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )، فرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أحب عمه أبا طالب وبنص القران الكريم مع أن أبا طالب كافر، والله تعالى أثبت المحبة العادية الدنيوية، لأجل حماية أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من شرور كفار قريش، فأحبه النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ولا نعلم أن الله تعالى عاب على رسوله تلك المحبة، فضلا عن أن تكون هذه المحبة ردة وكفرا عياذا بالله تبارك وتعالى
وعليه فالمودة نوعان:
الأول: مودة الدنيا ومصالحها، وهي نوعان:
ما لم يخالف الشرع فهي حلال
ما خالف الشرع فهي حرام
الثانية: مودة الدين وهي حرام وقد يكفر صاحبها بالشروط المعروفة عند العلماء، من العلم والقصد والاختيار

هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله واصحابه أجمعين.

بقلم/الدكتور سمير مراد

شاهد أيضاً

إيران الصفوية والمقاومة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Şirkət iPhone və en este momento Android ötrü uyğunlaşdırılmış cihazlarla ikitərəfli əlaqəni dəstəkləyir. hesabınıza daxil Onlayn Pin number Up casino online rubl, manat, money və avro ilə mərc sezmək imkanı verir. bukmeker kontorunda İstifadəçi rəyləri Pin Up casino nadir göstərilən xidmətlərin keyfiyyətini təsdiqləyir. pin up Mostbet Azərbaycanın istifadəçisi olmağa qərar versəniz, yadda saxlamalı olduğunuz məlumatlar bunlardır. pin-up