الرئيسية / المقالات / فتيا اللحيدان بملاك الفضائيات

فتيا اللحيدان بملاك الفضائيات

بسم الله الرحمن الرحيم

عذراً سماحة الشيخ

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد :

فقد أفتى سماحة الشيخ صالح اللحيدان – حفظه الله تعالى – ، بجواز قتل المفسدين قضائياً ،

ويقصد بهم من يفسدون أخلاق الناس وأفكارهم .

وسماحته لمّا أفتى بهذا – قيّده بقيد قد لا يدركه إلا أهل العلم ، وهو أن المسألة قضائية وليست مجرد فتيا فقهية ، والفارق أن القضاء – كما هو معلوم – يُجري تحقيقاً في إثبات الجريمة وقصد صاحبها ، وملابسات ذلك ، حتى إذا ثبت الأمر ، عرض على المذنب الرجوع عما هو فيه من غيّ وفساد ، ثم – في النهاية إن لم يتب – يصدر الحكم ويصادق عليه إن سلم من الطعون فيه ، فهو ما يعبر عنه الفقهاء : بثبوت الشروط وانتفاء الموانع ، ولذا قلت أنا في مقدماتي لتهذيب العقيدة الطحاوية : ” … والتكفير حكم قضائي ، وليس حقاً لكل أحد يتصرف فيه كيف يشاء ، ثم يرتب على صاحبه أحكام الردة ، فهذا خطأ محض ، بتجنبه نسلم من فوضى جرائم القتل المتكررة هنا وهناك بدعوى أن الشخص مرتد وهذا حكمه …” .

وسماحة الشيخ من أعرف الناس بذلك ؛ إذ أنه رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية – حماها الله وبلاد المسلمين من الأشرار والمفسدين .

لكن لي مع سماحة الشيخ وقفات تذكير فأقول :

 

1 – قول الله تبارك وتعالى:” إنَما جزاءُ الذينَ يحاربونَ اللهَ ورسولَهُ ويسعَونَ في الأرضِ فساداً … ” لا يصلح للشيخ دليلاً ؛ لأن الفساد المقصود نوع منه مخصوص ، وليس عاماً ، وإلا لشمل أدنى فساد وأعظمه ، والتطبيق العملي لذلك قديماً وحديثاً قد بيّنه الفقهاء بأنه الحرابة ، ولذا سمي حدّه بحد الحرابة ، والحرابة مأخوذة من الحرب ؛ وهي الاعتداء على جميع أو أفراد أو فرد مسلم من عصابة خارجة إما على ماله أو نفسه أو كليهما، ولذا تنوعت عقوبة المحارب حسب تنوع جريمته.

والممارسة القديمة – وقد عاصرها إفساد فكري – لم تتجاوز في الإفساد الفكري أكثر من المناظرة والتعزير أحياناً ، كما فعل عمر – رضي اله عنه – عندما ضرب القدري بالدرة على رأسه ، والخوارج لم يقاتَلوا حتى باشروا قتال المسلمين وقتلهم ، وجرى على ذلك عامة حكام وأمراء المسلمين وعلماؤهم .

2 – على المفتي – حتى وإن كانت فتياه صحيحة وحقاً- أن يتريث أحياناً حتى يحين الوقت المناسب لذلك ، خصوصاً إذا كان هناك متربصون من طرفين ؛ طرف يشمت ويهزأ وينكل ، وطرف يستغل مثل هذه الفتاوى ؛ وهم طرفان أيضاً : الأول : من يريد إلصاق تهمة خروج التكفير والإرهاب من السعودية – ليدمرها أو يزيد في تكالب الأعداء ضدها ، والثاني: من يريد أن يتذرع بقتل الناس – ليشبع نفسه النهمة لشرب الدم ، وهذا أصل نبوي صحيح ، وفيه : ” لا تخبرهم فيتكلوا ” ، فأجل ذلك الخبر، ومن مثل هذا أخذ الفقهاء مقولتهم : يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة ، أقول : هذا لو قلنا بصحة الفتوى ، فيجب طرحها في مناخها السليم ، لكن أنا لست معها أصلاً – لا أولاً ولا آخراً – ؛ لعدم صحة القياس فيها ، أقول : ولهذا التعجل وغيره – وهو نوع ظلم عظيم – الأمر الذي كان من الأسباب القوية في تعجيل الله تعالى عقوبة سقوط دولة طالبان ؛ حيث أرادوا أن يفرضوا أحكاماً قضائية لا مكان لها وقتها .

3 – أقول تبكيتاً لأولئك : مهلاً فإن الله حافظ دينه ، وحافظ من يحفظ دينه ، وليست لمجرد جرة قلم عالم – وإن أخطأ فهو مأجور لاجتهاده – ليس لمجرد ذلك يهوي المجتمع المسلم في الحضيض ، فأن العلم ليس موقوفاً على أحد ، ولا على أناس معينين ، فالعلم مقسوم على الخلق لتتم سنة الله – عز وجل- في خلقه : ” ولولا دفْعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضٍ لفسدتِ الأرضُ … ” ، وهذا من دفع القول بالقول ؛ ليتم صلاح الأمم ، وأما من أراد أن ينال من الشيخ ، أو من الدين ، أو من البلاد التي تحتضن الدين ، وتدافع عنه ، ليهدّ ويقوّض أركانها ، فهذا بعيد مناله منه ، فإن لله رجالاً يحمون الدين والوطن ، وإنني لأعجب أشد العجب ، من شدة نكاية أعداء الله تعالى بدول السنة العظيمة ، التي لازالت تنافح عن سماحة الإسلام وعدله وسلطانه ، وهذه الزمرة لا زالت توغر صدور أهل وحكام هذه الدول على بعضها ، لكن الله لهم بالمرصاد ، ونحن نعلم ونسلم أن أشد البلاد دفاعاً ودفعاً عن الإسلام ، المملكتان السعودية والأردنية ، ثم مصر، ولذا فإن من الناس من لا يزال يلصق بهذه الدول تهماً شتى لصد الناس عنها وعن سياستها وفكرها نحو الإسلام والمسلمين ، لكن الله حافظ عباده وبلاده ودينه .

وأنا دوماً أكرر وأنبه – حتى في أشرطتي كشريط المسألة اليهودية وغيره – على أهمية سياسة هذه الثلاث دول على وجه الخصوص ، لأنها سياسات معتدلة يراد بها الخروج عن حد الاعتدال لهدمها – لا قدر الله .

والحفاظ عليها هو من باب تحصيل المصالح التي ما عاد يدركها إلا القليل ، وهنا أنبه – بل أحذر – من اتباع بعض المتحدثين باسم الإسلام في القنوات الفضائية ، فإن كثيرين قد تشربوا فكر الثوريين من حيث لا يشعرون ، فالحذر الحذر ؛ إذ ليس كل داعية أو خطيب يمكنه أن يقول الحق في السياسات الكبيرة ، بل ولا حتى الصغيرة ، فلا نغتر بصلاح رجل فنقلده في كل ما يقول ، بل ندع ذلك لأربابه .

4 – أقول : عذراً سماحة الشيخ ؛ فإن بعض الناس قد يقلب لك ظهر المجن ، فيقول : إن هذه الفتوى تحدث قلقاً كبيراً ينتج عنه فساد عظيم من قتل الأنفس وإزهاق الأرواح ، وطالما أنه نتج عنها فساد – وبقولك حد المفسد في الأرض القتل –  فإذاً حد من أفتى بمثل هذا أيضاً القتل ، وحاشاك من ذلك سماحة الشيخ المبجل ، لكني أذكرك بعواقب لعلها غابت عنك – حفظك الله تعالى.

5 – ألا فلا تهنأ قلوب المغرضين ؛ فإنك – يا سماحة الشيخ – وإن زلت بك القدم ، أو تلعثم منك الكلم ، فأنت أنت ، عافاك الله من كل شر وسوء ، وحفظك وحفظ علماء الأمة ذخراً لها ، وكلامي هذا لا ينقص من قدرك في قلوبنا شيئاً ، ولكنها النصيحة لدين الله تعالى ، فلا تجدْ علي – رفع الله قدرك ، ومحى كل ذنبك ، وأغطش أعداءك وأعداء الدين.

والحمد لله رب العالمين.

شاهد أيضاً

إيران الصفوية والمقاومة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Şirkət iPhone və en este momento Android ötrü uyğunlaşdırılmış cihazlarla ikitərəfli əlaqəni dəstəkləyir. hesabınıza daxil Onlayn Pin number Up casino online rubl, manat, money və avro ilə mərc sezmək imkanı verir. bukmeker kontorunda İstifadəçi rəyləri Pin Up casino nadir göstərilən xidmətlərin keyfiyyətini təsdiqləyir. pin up Mostbet Azərbaycanın istifadəçisi olmağa qərar versəniz, yadda saxlamalı olduğunuz məlumatlar bunlardır. pin-up