الرئيسية / المقالات / عقد الذمة لغير أهل الكتاب

عقد الذمة لغير أهل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين , وبعد :

فإن من أعظم الأمور بعد تحقيق التوحيد في الناس بيان ما يحتاجونه من مسائل تنير لهم الطريق , ويتجلى قدر المسألة بقدر ما تتعلق به من أمور وأحكام فيما يتعلق بذات الرب جل جلاله , وهي أعظم المسائل ؛ لأنها تتعلق بأداء الحقوق التي أوجبها الله علينا , ثم ما يتعلق برسوله عليه الصلاة والسلام .

قلت : ومن المسائل ما لها أكثر من متعلق ؛ فهي متعلقه بالله من باب بيانها , ومتعلقة بالدين من باب الدفاع والذب عنه , ومتعلقة بالمسلمين لأن حقهم واجب الصيانه والرعاية ..
هذا ولما كانت جماعة الإرهابيين غلاة الخوارج يسمّون زورا وبهتانا ب ( داعش ) , يمارسون من الأحقاد ما يجعلهم يقتلون الناس بلا رحمة ولا تبصر , بحجة أنهم كفار مع أنهم مسلمون , كما أنهم يقتلون غير المسلمين ممن ليسوا أهل كتاب بحجة ألّا عهد لهم ولا ذمة , مع أن هذه الفرقة الضاله ليسوا من أهل العلم في شيء حتى يحكموا على الناس .. هذا مع أن فعلهم خطأ وجريمة من وجهين :
خطأ .. لأن الصحيح أن الذمة تثبت ولو لغير كتابي .
وخطأ .. لأن الأصل – حتى عند من يقول بقتلهم – الدعوة إلى الإسلام والإنذار .
فجاء هؤلاء بالباطل من هذين الوجهين , ولكي يتجلى الأمر فلا بد من نقل كلام أهل العلم في هذه القضية , حتى يعلم الناس بأن هذه الفرقة على ضلال وباطل , ولا تصح مناصرتها ولو بشق كلمة , فأقول : ..
يقول ابن القيّم رحمه الله تعالى في كتاب : أحكام أهل الذمة 1/89 :

” ومنها : أي – من أنواع الفقه المستفاد من حديث البخاري في الجزية – 6/260,257 :
ومنها : أن الجزية تؤخذ من كل كافر ؛ هذا ظاهر هذا الحديث , ولم يستثن منه كافرا من كافر .
ولا يقال : هذا مخصوص بأهل الكتاب خاصة , فإن اللفظ يأبى اختصاصهم بأهل الكتاب ؛ وأيضا فسرايا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجيوشه أكثر ما كانت تقاتل عبدة الأوثان من العرب .

1.

ولا يقال : إن القرآن يدل على اختصاصها بأهل الكتاب , فإن الله سبحانه أمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية , والنبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بقتال المشركين حتى يعطوا الجزية , فيؤخذ من أهل الكتاب بالقرآن ومن عموم الكفار بالسنّة , وقد أخذها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من المجوس وهم عبّاد النار , لا فرق بينهم وبين عبدة الأوثان , ولا يصح أنهم من أهل الكتاب , ولا كان لهم كتاب ؛ ولو كانوا أهل كتاب عند الصحابة – رضي الله عنهم – لم يتوقف عمر – رضي الله عنه – في أمرهم , ولم يقل النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ” , بل هذا يدل على أنهم ليسوا أهل كتاب , وقد ذكر الله سبحانه أهل الكتاب في القرآن في غير موضع , وذكر الأنبياء الذين أنزل عليهم الكتب والشرائع العظام , ولم يذكر للمجوس –مع أنها أمة عظيمة من أعظم الأمم شوكة وعددا وبأسا – كتابا ولا نبيا , ولا أشار إلى ذلك , بل القرآن يدل على خلافه كما تقدّم , فإذا أخذت من عبّاد النيران , فأي فرق بينهم وبين عبّاد الأوثان ؟!

فإن قيل : فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأخذها من أحد من عبّاد الأوثان مع كثرة قتاله لهم !

قيل : أجل , وذلك لأن آية الجزية إنما نزلت عام ” تبوك ” في السنة التاسعة من الهجرة بعد أن أسلمت جزيرة العرب , ولم يبق بها أحد من عبّاد الأوثان , فلما نزلت آية الجزية أخذها النبي – صلى الله عليه وسلم – ممن بقي على كفره من النصارى والمجوس , ولهذا لم يأخذها من يهود المدينة , حين قدم المدينة , ولا من يهود خيبر لأنه صالحهم قبل نزول آية الجزية .

قال المخصِصون بالجزية لأهل الكتاب : المراد من إرسال الرسل وإنزال الكتب إعدام الكفر والشرك في الأرض , وأن يكون الدين كله لله كما قال تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله ) . وفي الآية الأخرى ( ويكون الدّين كلّه لله ) . ومقتضى هذا ألّا  يُقَر كافر  على كفره , ولكن جاء النص بإقرار أهل الكتاب إذا أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون , فاقتصرنا بها عليهم , وأخذنا في عموم الكفار بالنصوص الدالة على قتالهم إلى أن يكون الدين لله .

قالوا : ولا يصح إلحاق عبدة الأوثان بأهل الكتاب , لأن كفر المشركين أغلظ من كفر أهل الكتاب , فإن أهل الكتاب معهم من التوحيد وبعض آثار الأنبياء ما ليس مع عبدة الأصنام .

وعبدة الأصنام حرب لجميع الرسل والأمم , من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء والمرسلين ؛ ولهذا أثّر هذا التفاوت الذي بين الفريقين في حل الذبائح وجواز المناكحة من أهل الكتاب دون عبّاد الأصنام , ولا ينتقض هذا بالمجوس , فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر أن يسن بهم سنّة أهل الكتاب ؛ وهذا يدل على أن الجزية إنما تؤخذ من أهل الكتاب , وأنها إنما وضعت لأجلهم خاصة ؛ وإلا لو كانت الجزية تعم جميع الكفار لم يكن أهل الكتب أولى بها من غيرهم , ولقال : لهم حكم أمثالهم من الكفار , يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية .

وأما تحريم ذبائحهم ومناكحتهم فاتفاق من الصحابة – رضي الله عنهم – ؛ ولهذا أنكر الإمام أحمد وغيره على أبي ثور طرده القياس وإفتاءه بحل ذبائحهم وجواز مناكحتهم , ودعا عليه أحمد حيث أقدم على مخالفة أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؛ والصحابة كانوا أفقه وأعلم وأّسدّ قياسا ورأيا , فإنهم أخذوا في الدماء بحقنها , موافقة لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفعله , حيث أخذها منهم وأخذوا في الأبضاع والذبائح بتحريمها إحتياطا وإبقاءً لها على الأصل , وإلحاقا لهم بعبّاد الاوثان , إذ لا فرق في ذلك بين عبّاد الأوثان وعبّاد النيران , فالأصل في الدماء حقنها وفي الأبضاع والذبائح تحريمها , فأبقوا كل شيء على أصله : وهذاغاية الفقه وأسدّ ما يكون من النظر .

} سبب وضع الجزية : {
والمسألة مبنية على حرف : وهو أن الجزية هل وضعت عاصمة للدم , أو مظهرا لصغار الكفر وإذلال أهله ؛ فهي عقوبة ؟

فمن راعى فيها المعنى الأول قال : لا يلزم من عصمها لدم من خف كفره بالنسبة إلى غيره –وهم أهل الكتاب – أن تكون عاصمة لدم من يغلظ كفره .

ومن راعى فيها المعنى الثاني قال : المقصود إظهار صغار الكفر وأهله وقهرهم ؛ وهذا أمر لا يختص أهل الكتاب بل يعم كل كافر .

قالوا : وقد أشار النص إلى هذا المعنى بعينه في قوله ( حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . فالجزية صغار وإذلال , ولهذا كانت بمنزلة ضرب الرّق .

قالوا : وإذا جاز إقرارهم بالرّق على كفرهم جاز إقرارهم عليه بالجزية بالأولى , لأن عقوبة الجزية أعظم من عقوبة الرّق ؛ ولهذا يسترق من لا تجب عليه الجزية من النساء والصبيان وغيرهم .

فإن قلتم : لا يسترق عين الكتابي – كما هي إحدى الروايتين عن أحمد – كنتم محجوجين بالسنّة واتفاق الصحابه , فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يسترق سبايا عبدة الأوثان , ويجوز لساداتهن وطأهن بعد انقضاء عدتهن , كما في حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه – في قصة سبايا ” أوطاس ” , وكانت في آخر غزوات العرب بعد فتح مكة , أنه قال : ” لا توطأ حامل حتى تضع , ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ” .

فجوز وطأهن بعد الاستبراء ولم يشترط الإسلام , وأكثر ما كانت سبايا الصحابة في عصر النبي – صلى الله عليه وسلم – من عبدة الأوثان , ورسول الله – صلى الله عليه وسلم –يقرهم على تملك السبي .
وقد دفع أبو بكر الصدّيق إلى سلمة بن الأكوع – رضي الله عنهما – امرأة من السبي نفلها إيّاه , وكانت من عبدة الأصنام .

وأخذ عمر وابنه – رضي الله عنهما – من سبي ” هوازن ” , وكذلك غيرهما من الصحابة .

وهذه الحنفية أم محمد بن علي من سبي بني حنيفة !

وفي الحديث : ” من قال كذا وكذا فكأنما أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل ” ولم يكونوا أهل كتاب , بل أكثرهم من عبدة الأوثان .

قالوا : وإذا جاز المنّ على الأسير وإطلاقه بغير مال ولا استرقاق فلأن يجوز إطلاقه بجزية توضع على رقبته , تكون قوة للمسلمين , أولى وأحرى , فضرب الجزية عليه إن كان عقوبة فهو أولى بالجواز من عقوبة الاسترقاق , وإن كان عصمة فهو أولى بالجواز من عصمته بالمن عليه مجانا , فإذا جاز إقامته بين المسلمين بغير جزية , فإقامته بينهم بالجزية أجوز وأحوز , وإلا فيكون أحسن حالا من الكتابي الذي لا يقيم بين أظهر المسلمين إلا بالجزية .

فإن قلتم : إذ مننا عليه ألحقناه بمأمنه , ولم نمكنه من الإقامة بين المسلمين .

قيل : إذا جاز إلحاقه بمأمنه , حيث يكون قوة للكفار وعونا لهم , وبصدد المحاربة لنا مجانا , فلأن يجوز هذا في مقابلة مال يؤخذ منه يكون قوة للمسلمين وإذلالا وصغارا للكفر أولى وأولى .

يوضحه أنه إذا جازت مهادنتهم للمصلحة بغير مال ولا منفعة تحصل للمسلمين , فلأن يجوز أخذ المال منهم على وجه الذل واالصغار وقوة المسلمين أولى , وهذا لا خفاء به .

يوضحه أن عبدة الأوثان إذا كانوا أمة كبيرة لا تحصى , كأهل الهند وغيرهم حيث لا يمكن استئصالهم بالسيف , فإذلالهم وقهرهم بالجزية أقرب إلى عز الإسلام وأهله وقوته من إبقائهم بغير جزية فيكونون أحسن حالا من أهل الكتاب .

وسر المسألة أن الجزية من باب العقوبات , لا أنها كرامة لأهل الكتاب فلا يستحقها سواهم .

وأما من قال : إن الجزية عوض عن سكني الدار – كما يقوله أصحاب الشافعي – فهذا القول ضعيف .

قالوا : ولأن القتل إنما وجب في مقابلة الحراب , لا في مقابلة الكفر ؛ ولذلك لا يقتل النساء ولا الصبيان ولا الزمني والعميان ولا الرهبان الذين لا يقاتلون , بل نقاتل من حاربنا .

وهذه كانت سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أهل الارض ؛ كان يقاتل من حاربه إلى أن يدخل في دينه , أو يهادنه , أو يدخل تحت قهره بالجزية , وبهذا كان يأمر سراياه وجيوشه إذا حاربوا أعداءهم كما تقدم من حديث بريدة , فإذا ترك الكفار محاربة أهل الإسلام وسالموهم وبذلوا لهم الجزية عن يد وهم صاغرون كان في ذلك مصلحة لأهل الإسلام وللمشركين .

أما مصلحة أهل الإسلام فما يأخذونه من المال الذي يكون قوة للإسلام مع صغار الكفر وإذلاله , وذلك أنفع لهم من ترك الكفار بلا جزية .

وأما مصلحة أهل الشرك فما في بقائهم من رجاء إسلامهم إذا شاهدوا أعلام الإسلام وبراهينه , أو بلغتهم أخباره , فلا بد أن يدخل في الإسلام بعضهم : وهذا أحب إلى الله من قتلهم .

والمقصود إنما هو أن تكون كلمة الله هي العليا , ويكون الدين كله لله , وليس في إبقائهم بالجزية ما يناقض هذا المعنى , كما أن إبقاء أهل الكتاب بالجزية بين ظهور المسلمين لا ينافي كون كلمة الله هي العليا , وكون الدين كله لله , فإن من كون الدين كله لله إذلال الكفر وأهله وصغاره وضرب الجزية على رؤوس أهله , والرّق على رقابهم , فهذا من دين الله , ولا يناقض هذا إلا ترك الكفار على عزهم وإقامة دينهم كما يحبون , بحيث تكون لهم الشوكة والكلمة والله أعلم .

 

قلت : وعليه فحق المواطنة ثابت لكل مقيم في بلاد المسلمين مهما كان دينه , ما دام سلطان الإسلام يُقِره على ذلك , وعليه فتصرفات دولة الإرهاب في العراق والشام , لا تمثّل ممارساتها أحكام الإسلام و بل هي مفتأتة عليه في ذلك , والله أعلم .

 

 

كتبه : د . سمير مراد الشوابكة

بتاريخ : 7 / 12 / 1435هـ

الموافق :1 / 10 / 2014 م

شاهد أيضاً

إيران الصفوية والمقاومة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Şirkət iPhone və en este momento Android ötrü uyğunlaşdırılmış cihazlarla ikitərəfli əlaqəni dəstəkləyir. hesabınıza daxil Onlayn Pin number Up casino online rubl, manat, money və avro ilə mərc sezmək imkanı verir. bukmeker kontorunda İstifadəçi rəyləri Pin Up casino nadir göstərilən xidmətlərin keyfiyyətini təsdiqləyir. pin up Mostbet Azərbaycanın istifadəçisi olmağa qərar versəniz, yadda saxlamalı olduğunuz məlumatlar bunlardır. pin-up