الرئيسية / المقالات / مناهج التعليم بين الوسطية والتمييع

مناهج التعليم بين الوسطية والتمييع

بسم الله الرحمن الرحيم

مناهج التعليم بين الوسطية والتمييع

الحمد لله رب العالمين وبعد:

فقد أرسل إلي أحد الأخوة مقالاً من المملكة المغربية فحواه: أنه لا بد من مراجعة المناهج لتنخيلها وتنقيحها، لأن فيها ما يربي الطلاب على التطرف، سواء في المواد الدينية، أو الثقافية أو غير ذلك، وأن هذا الأمر تنبهوا له في المملكمة المغربية، فأمر جلالة الملك بتغيير المناهج، ووضع مناهج جديدة تحوي مبادئ الإسلام والسلام والتعايش، وعندنا في المملكة الأردنية كتب بعضهم مثل ذلك، بل وصرح بأنها داعشية، فردت عليه وزارة التربية والتعليم بما يكفي، ورداً على هذا وهذا أقول والله المستعان ومنه التوفيق والسداد:

توصيف المحدثات لا بد أن يكون صحيحاً وعادلاً، ولا يمكن ذلك من غير أدراك لمعطيات تلك المحدثات، أو عدم قدرة على إدراك النتائج المناطة بها، خصوصاً إذا كانت النتائج مقصودة أو غير مقصودة للواضع للمناهج هذه، ذلك أن النتائج مربوطة بمحددات وضوابط معينة، يجري القياس من خلالها، لا من خلال رغبات أو محددات لغير الواضع، ولأن المعطيات الموضوعة، تخص بها شريحة معينة يراد لها الوصول إلى أمر ما، فأن خرجت النتائج أو نحوها مما هو مقصود لواضع المناهج عن محددات غير الواضع، أو أهداف ونتائج مرادة أو غير مرادة، أو أنها نتائج يتبناها غير صاحب المشروع، لا يعني ذلك وجود خطأ في المعطيات – من الثقافات والتربية – بل قد يكون ذلك – أي إن خرجت النتائج غير ما يراد – بسبب الوسائل أو المقدم للمشروع. أو أن الوقت ليس مناسباً، أو – وهو الأكثر – أن الحاكم على خطأ المعطيات، أن له أهدافاً خاصة يريد بثها، هي بحد ذاتها – إن قيست بالتطور المقصود – ليست مقصودة للواضع، لأن بها خروجاً إما عن المألوف، أو المقصود، أو أنها تخالف حتى الثوابت الدينية والأخلاقية والتاريخية بل والثقافة العربية الأصيلة.

ونحن – للأسف – نعيش في مجتمعات، تريد كلها ممارسة السلطة، فتفرض من الأفكار ما تريد، وحتى يتسنى لها تمشية ما تريد، من الطبيعي حينها الطعن في الموروث، لكن هذا يصعب، فيصار إلى الطعن في المناهج، وأنها هي السبب – ولو بعد حين – في خروج الدواعش والتطرف والإرهاب وأفراخ الخوارج.

في حين أن استقراءاً نظرياً لو أجري على المساحة العربية، وعلى مساحة لا تقل عن خمسين عاماً، لوجدنا أن هذه الحقبة التاريخية ترد مقالة هؤلاء جميعاً، فأننا لم نر هذا التطرف المشين إلا من جديد، ما يدل على أن هناك أمراً آخر هو السبب في حصول هذا التطرف، وألا فكل مناهجنا فيها الحديث عن الجهاد والسبي وأهل الكتاب والذمة، وفيهاالحديث عن الكفار وعن ……… وعن، ولم يسبق لنا أن مورس في مجتمعاتنا ما بتنا نراه، ما يدل على أن المثبوت في الكتب، قد غلف بغلاف السلامة والرعاية التامة من وزارات التعليم، حتى لا نقع في محذورقط، ولذا فأن مساحة الحديث مما جعلوه سبب التطرف، قد حوصر بالحديث عن الأخلاق والسماحة والتعايش، بما لا يدع له مجالاً أن يكون تطرف أو شذوذ نخشاه.

لكن وللأسف، بعض هؤلاء المتحدثين، يريد أن ننحى بأنفسنا نحو غير المسلمين، من العلمانية أو الشيوعية أو غيرهما، لنقع فريسة –حينها- في أحضان الضياع والتطرف الحقيقي.

وعليه: فنحن لسنا بحاجة إلى تجارب ناقصة وضعيفة، ولسنا بحاجة إلى توجيه من غيرنا، فأرباب الشأن في وزاراتنا متنبهون لكل غائلة تريد أن تغتال ثقافتنا، ولو كانت باسم ثقافتنا وديننا، لكن هناك مشاغبون، لا يرضون من الأمور إلا بما يريدون.

وعليه: فنحن نكل الأمور للمتخصصين في وزاراتنا لثقتنا بهم، ونقبل منهم التطوير – والتطوير الأخلاقي المنبثق من عقيدتنا وثوابتنا قبل كل شيء- وأقصد بالتطوير الأخلاقي السلوك لا الأخلاق نفسها، حتى يرتقي طلابنا في جميع مستوياتهم، وبجميع شرائحهم لأحسن مستوى أخلاقي.

وكل احترامي لكل ناقد يريد الإصلاح، وأدعوا لكل واحد بالهداية ممن ينظر إلى إشباع رغباته الذاتية، وأقول له:

أربع على نفسك، فصقور البلاد واعية للتنمية السياسية، القائمة على التوازن بين الغلو والتقصير، ومجرد الحديث عن الجهاد وأحكامه لا يخيف، إلا من كان يخشى رفعة الإسلام، ونحن نتحدث عن الجهاد، في حين أننا من أشد الناس في مواجهة التطرف والخروج والتكفير، فدعوتنا كلها قائمة على العدل بأذن الله تعالى، وليس الخور مدعاة لرفض الحق في ثوبه الجميل، الخالي من التنطع والغطرسة، والخالي من الجبن والركون، ولكن مع التسديد والمقاربة، وليعلم هؤلاء أن معاولهم تعود بالهدم عليهم، ونصاعة دين الله تعالى، لا يشوبها ولا يغبش عليها بخار أفواههم الزافرة بالعلقم والزقوم، ولكن: (والله غالب على أمره).

والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد.

د. سمير مراد

من يوم الثلاثاء

30/4/1437 – 9/2/2016

شاهد أيضاً

حكم الصور (الفوتوغرافية) وتعليقها على الجدران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *