الرئيسية / الكتب / الكلمات الوافيات في شرح نظم الورقات

الكلمات الوافيات في شرح نظم الورقات

شرحُ نَظمِ الوَرَقاتِ

المُسمى بالكلِماتِ الوافياتِ

للإِمامِ شَرفِ الدِّينِ يَحيَى

العِمرِيطِي الشَّافِعِي

رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

شرح سمير مراد

 
تحميل الكتاب

مُقَدِّمَةٌ

مُقَدِّمَةٌ

 

قَالَ الْفَقيرُ الشَّرفُ الْعِمريطِي
الْحَمدُ للهِ الَّذي قَد أَظهَرَا
عَلَى لِسانِ الشَّافِعِي وَهَوَّنَا
وَتابَعَتْهُ النَّاسُ حَتَّى صَارَا
وَخَيرُ كُتْبِهِ الصِّغَارِ ما سُمِي ([1])
وَقَد سُئِلتُ مُدَّةً([2]) فِي نَظمِهِ
فَلَم أَجِدْ مِمَّا سُئِلتُ بُدَّا
مِنْ رَبِّنَا التَّوفيقَ لِلصَّوَابِ
  ذُو العَجزِ وَالتَّقصِيرِ وَالتَّفريطِ
عِلمَ الأُصُولِ لِلْوَرَى وَأَشهَرَا
فَهْوَ الَّذِي لَهُ اِبْتِداءً دَوَّنَا
كُتْباً صِغَارَ الْحَجمِ أَو كِبارَا
بِالوَرَقاتِ لِلإِمامِ الْحَرَمِي
مُسَهِّلاً لِحِفظِهِ وَفَهمِهِ
وَقَد شَرَعتُ فِيهِ مُستَمِدَّا
وَالنَّفعَ فِي الدَّارَينِ بِالْكِتابِ

([1]) وَفِي بَعضِ الطَّبَعاتِ (سُمِّيْ) بِدَلاً مِنْ (ما سُمِيْ) .

([2]) وروي : مرة بالراء .

 

بابُ أُصولِ الفِقهِ

بابُ أُصولِ الفِقهِ

 

هَاكَ أُصُولَ الْفِقهِ لَفظاً لَقَبَا
الأَوَّلُ الأُصولُ ثُمَّ الثَّانِي
فَالأَصلُ مَا عَلَيهِ غَيرُهُ بُنِي
وَالفِقهُ عِلمُ كُلِّ حُكمٍ شَرعِيْ
وَالْحُكمُ : وَاجبٌ ومَندوبٌ وَمَا
مَعَ الصَّحيحِ مُطلَقاً وَالفاسِدِ
فَالواجِبُ : الْمَحكومُ بِالثَّوابِ
وَالنَّدبُ : مَا فِي فِعلِهِ الثَّوابُ
ولَيسَ فِي الْمُباحِ مِنْ ثَوابِ
وَضابِطُ الْمَكروهِ : عَكسُ ما نُدِبْ
وَضابِطُ الَصحيحِ : ما تَعلَّقَا
وَالفَاسِدُ : الَّذِي بِهِ لَم تَعتَدِدْ
وَالعِلمُ لَفظٌ للعُمومِ لَم يُخَصْ
وَعِلمُنَا مَعرِفَةُ الْمَعلومِ
وَالجَهلُ قُلْ : تَصَوُّرُ الشَّيءِ عَلَى
وَقِيلَ : حَدُّ الْجَهلِ فَقدُ العِلمِ
بَسيطُهُ : فِي كُلِّ ما تَحتَ الثَّرَى
وَالعِلمُ إِمَّا بِاضطِرارٍ يَحصُلُ
كَالْمُستَفادِ بِالحَواسِ الخَمسِ
وَالسَّمعِ والإِبصَارِ ثُمَّ التَّالِي
وَحَدُّ لاِستِدلالِ : قُلْ ما يَجتَلِبْ
وَالظَّنُّ : تَجْويِزُ اِمرِئٍ أَمرَينِ
فَالرَّاجِحُ الْمَذكورُ ظَنّاً يُسْمَى
وَالشَّكُّ : تَحريرٌ بِلا رُجحانِ
أَمَّا أُصُولُ الفِقهِ مَعنًى بِالنَّظَرْ
فِي ذَاكَ طُرقُ الفِقهِ أَعْنِي الْمُجمَلَهْ
وَكَيفَ يُسْتَدلُّ بِالأُصولِ
  لِلفَنِّ مِن جُزأَينِ قَد تَرَكَّبَا
الْفِقهُ والجُزءَانِ مُفرَدانِ
وَالفَرعُ مَا عَلَى سِواهُ يَنبَنِي
جَاءَ اِجتِهاداً دُونَ حُكمٍ قَطعِيْ
أُبِيحَ وَالْمَكروهُ مَعْ ما حُرِّمَا
مِن قَاعِدٍ هَذانِ أَو مِن عَابِدِ
فِي فِعلِهِ وَالتَّركِ بِالعِقابِ
وَلَم يَكُنْ فِي تَركِهِ عِقابُ
فِعلاً وَتَركاً بَلْ وَلا عِقابِ
كَذَلِكَ الْحَرامُ عَكسُ مَا يَجِبْ
بِهِ نُفُوذٌ وَاِعتِدادٌ مُطلَقاَ
وَلَم يَكُنْ بِنافِذٍ إِذا عُقِدْ
لِلفِقهِ مَفهُوماً بَلِ الفِقهُ أَخَصْ
إِنْ طَابَقَت لِوَصفِهِ الْمَحتومِ
خِلافِ وَصفِهِ الَّذِي بِهِ عَلاَ
بَسيطاً اَوْ مُرَكَّباً قَدْ سُمِّيْ
تَركِيبُهُ فِي كُلِّ ما تُصُوِّرَا
أَو بِاكْتِسابٍ حَاصِلٌ فَالأَوَّلُ
بِالشَّمِّ أَو بِالذَّوقِ أَو بِالَّلمسِ
مَا كانَ مَوقُوفاً عَلَى اِستِدلالِ
لَنَا دَلِيلاً مُرشِداً لِمَا طُلِبْ
مُرَجِّحاً لأَحَدِ الأَمرَينِ
وَالطَّرَفُ الْمَرجوحُ يُسمَى وَهْمَا
لِواحِدٍ حَيثُ اِستَوى الأَمرانِ
لِلْفَنِّ فِي تَعرِيفِهِ فَالْمُعتَبَرْ
كَالأَمرِ أَو كَالنَّهْيِ لا الْمُفَصَّلَهْ
وَالعَالِمُ الَّذِي هُوَ الأُصُولِي

 

أَبوابُ أُصولِ الفِقهِ

أَبوابُ أُصولِ الفِقهِ

 

 

أَبوابُها عِشرونَ بَاباً تُسرَدُ
وَتِلكَ أَقسامُ الكَلامِ ثَُمَّ
أَو خُصَّ أَوْ مُبَيَّنٌ أَو مُجمَلُ
وَمُطلَقُ الأَفْعَالِ ثُمَّ مَا نَسَِخْ
كَذَلِِكَ الإِجماعُ وَالأَخْبارُ مَعْ
كَذَا القِياسُ مُطلَقاً لِعِلَّهْ
وَالوَصفُ فِي مُفتٍ وَمُسْتَفْتٍ عُهِدْ
  وَفِي الْكِتابِ كُلُّهَا سَتُورَدُ
أَمرٌ وَنَهْيٌ ثُمَّ لَفظٌ عَمَّا
أَو ظَاهرٌ مَعْناهُ أَوْ مُؤَوَّلُ
حُكْماً سِواهُ مَا بِهِ قَدْ اِنتَسَخْ
حَظْرٍ وَمَعْ إِبَاحَةٍ كُلٌّ وَقَعْ
فِي الأَصْلِ وَالتَّرْتِيبُ لِلأَدِلَّهْ
وَهَكَذَا أَحْكَامُ كُلِّ مُجتَهِدْ

 

 

بَابُ أَقْسَامِ الكَلام

بَابُ أَقْسَامِ الكَلام

ِ

أَقَلُّ مَا مِنْهُ الْكَلامَ رَكَّبُوا
كَذَاكَ مِنْ فِعلٍ وَحَرفٍ وُجِدَاْ
وَقُسِّمَ الْكَلامُ لِلأَخْبَارِ
ثُمَّ الْكَلامُ ثَانِياً قَدِ اِنْقَسَمْ
وَثَالِثاً إِلَى مَجازٍ وَإِلَى
مِن ذَاكَ فِي مَوضُوعِهِ ، وَقِيلَ : مَا
أَقْسَامُهَا ثَلاثَةٌ : شَرْعِيُّ
ثُمَّ الْمَجَازُ مَا بِهِ تُجُوِّزَاْ
بِنَقْصٍ اَوْ زِيادَةٍ أَو نَقْلِ
وَهْوَ الْمُرادُ فِي سُؤَالِ الْقَرْيَةِ
وَكَازْدِيادِ الْكافِ فِي كَمِثلِهِ
رَابِعُهَا كَقَولِهِ تَعَالَى
  إِسْمَانِ أَوْ اِسمٌ وفِعْلٌ كَاْرْكَبُوا
وَجَاءَ مِنْ إسمٍ وَحَرفٍ فِي النِّدَا
وَالأَمرِ وَالنَّهيِ وَالاِسْتِخْبَارِ
إِلَى تَمَنٍّ وَلِعَرْضٍ وَقَسَمْ
حَقِيقَةٍ وَحَدُّهَا مَا استُعْمِلاَ
يَجرِي خِطَاباً فِي اِصْطِلاحٍ قُدِّمَا
وَالُّلغَوِيُّ الْوَضْعُ وَالْعُرْفِيُّ
فِي الَّلفْظِ عَنْ مَوضُوعِهِ تَجَوُّزَا
أَوِ اِستِعَارَةٍ كَنَقْصِ أَهْلِ
كَمَا أَتَى فِي الذِّكرِ دُونَ مِرْيَةِ
وَالغائِطُ الْمَنقُولُ عَنْ مَحَلِّهِ
يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ يَعْنِي مَالاَ

 

بَابُ الأَمْرِ

بَابُ الأَمْرِ

 

وَحَدُّهُ : اِسْتِدعاءُ فِعلٍ وَاجِبِ
بِصِيغَةِ اِفْعَل فَالْوُجُوبُ حُقِّقَا
لاَ مَعْ دَلِيلٍ دَلَّنَا شَرْعاً عَلَى
بَلْ صَرْفُهُ عَنِ الْوُجوبِ حُتِّمَا
وَلَم يُفِدْ فَوراً وَلاَ تَكْرَارَا
وَالأَمرُ بِالفِعلِ الْمُهِمِّ الْمُنْحَتِمْ
كَالأَمرِ بِالصَّلاةِ أَمْرٌ بِالْوُضُوْ
وَحَيثُمَا إِنْ جِيءَ بِالْمَطْلُوبِ
  بِالْقَولِ مِمَّنْ كَانَ دُونَ الطَّالِبِ
حَيثُ الْقَرِينَةُ اِنتَفَت وَأُطْلِقَا
إِبَاحَةٍ فِي الْفِعلِ أَو نَدْبٍ فَلاَ
بِحَملِهِ عَلَى الْمُرادِ مِنهُمَا
إِنْ لَمْ يَرِدْ مَا يَقتَضِي التِّكْرَارَا
أَمرٌ بِهِ وَبِالَّذِي بِهِ يَتِمْ
وَكُلُّ شَيءٍ لِلصَّلاةِ يُفْرَضُ
يُخْرَجُ بِهْ ([3]) عَنْ عُهْدَةِ الوُجُوبِ

([3]) فِ بَعضِ الطَّبَعاتِ : (يُخْرَجْ بِهِ) .

 

بَاْبُ النَّهْيُ

بَاْبُ النَّهْيُ

 

تَعْرِيفُهُ : اِسْتِدعَاءُ تَركٍ قَدْ وَجَبْ
وَأَمرُنَا بِالشَّيءِ نَهْيٌ مَانِعُ
وَصِيغَةُ الأَمرِ الَّتِي مَضَتْ تَرِدْ
كَمَا أَتَتْ وَالقَصْدُ مِنهَا الْتَّسْوِيَهْ
  بِالقَولِ مِمَّنْ كَانَ دُونَ مَن طَلَبْ
مِنْ ضِدِّهِ وَالعَكسُ أَيضاً وَاقِعُ
وَالْقَصدُ مِنْهَا أَنْ يُبَاحَ مَا وُجِدْ
كَذَا لِتَهْدِيدٍ وتَكْوِينٍ هِيَهْ

 

 

فَصْلٌ فِيمَن يَتَنَاوَلهُ خِطَابُ التَّكلِيفِ

فَصْلٌ فِيمَن يَتَنَاوَلهُ خِطَابُ التَّكلِيفِ

 

وَالْمُؤمِنُونَ فِي خِطابِ اللهِ
وَذُا الْجُنُونِ كُلُّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا
فِي سَائِرِ الفُرُوعِ للشَّرِيعَهْ
وَذَلِكَ الإِسْلامُ فَالْفُرُوعُ
  قَدْ دَخَلُوا إِلاَّ الصَّبِي وَالسَّاهِي
وَالْكَافِرُونَ فِي الْخِطابِ دَخَلُوا
وَفِي الَّذِي بِدُونِهِ مَمْنُوعَهْ
تَصْحِيحُهَا بِدُونِهِ مَمْنُوعُ

 

 

بَابُ العَامِّ

بَابُ العَامِّ

 

وَحَدُّهُ : لَفْظٌ يَعُمُّ أَكْثَرَا
مِنْ قَوْلِهِمْ عَمَّمْتُهُمْ بِمَا مَعِي
الْجَمْعُ وَالْفَرْدُ الْمُعَرَّفَاْنِ
وَكُلُّ مُبْهَمٍ مِنَ الأَسْمَاءِ
وَلَفظُ (مَنْ) فِي عَاقِلٍ ، وَلَفظُ (مَا)
وَلَفظُ (أَيْنَ) وَ(هْوَ) لِلْمَكانِ
وَلَفْظُ (لاَ) فِي النِّكِراتِ ثُمَّ مََا
ثُمَّ الْعُمُومُ أُبْطِلَتْ دَعْوَاهُ
  مِنْ وَاحِدٍ مِنْ غَيرِ مَا حَصْرٍ يُرَى
وَلْتَنحَصِر أَلْفَاظُهُ فِي أَرْبَعِ
بِالَّلامِ كَالْكَافِرِ وَالإِنْسَانِ
مِنْ ذَاكَ مَا لِلْشَّرْطِ مِِنْ جَزَاءِ
فِي غَيْرِهِ وَلَفظُ (أَيٍّ) فِيهِمَا
كَذَا (مَتَى) الْمَوضُوعُ لِلزَّمَانِ
فِي لَفظِ (مَنْ) أَتَى بِهَا مُسْتَفْهِمَا
فِي الْفِعْلِ بَلْ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ

 

 

بَابُ الْخَاصِّ

بَابُ الْخَاصِّ

 

وَالْخَاصُّ : لَفظٌ لا يَعُمُّ أَكْثَرَا
وَالقَصدُ بِالتَّخصيصِ حَيثُمَا حَصَلْ
وَمَا بِهِ الْتَّخْصِيصُ إِمَّا مُتَّصِلْ
فَالشَّرطُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَصفِ اِتَّصَلْ
وَحَدُّ الاِسْتِثْنَاءِ : مَا بِهِ خَرَجْ
وَشَرْطُهُ أَنْ لاَ يُرَى مُنْفَصِلاَ
وَالنُّطْقُ مَعْ إِسْمَاعِ مَنْ بِقُرْبِهِ
وَالأَصلُ فِيهِ أَنَّ مُسْتَثْنَاهُ
وَجَازَ أَنْ يُقَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى
وَيُحْمَلُ الْمُطلَقُ مَهْمَا وُجِدَا
فَمُطلَقُ التَّحْرِيرِ فِي الأَيْمَانِ
فَيُحمَلُ الْمُطلَقُ فِي التَّحْرِيرِ
ثُمَّ الْكِتابَ بِالكِتابِ خَصَّصُوا
وَخَصَّصُوا بِالسُّنَّةِ الْكِتَابَا
وَالْذِّكرُ بِالإِجْمَاعِ مَخْصُوصٌ كَمَا
  مِنْ وَاحِدٍ أَوْ عَمَّ مَعْ حَصْرٍ جَرَى
تَمْيِيزُ بَعضِ جُملَةٍ فِيْهَا دَخَلْ
كَمَا سَيَأْتِي آنِفاً أَو مُنْفَصِلْ
كَذَاكَ الاسْتِثْنَا وَغَيْرُهَا انْفَصَلْ
مِنَ الكَلامِ بَعْضُ مَا فيهِ اِنْدَرَجْ
وَلَم يَكُن مُسْتَغْرِقاً لِما خَلاَ
وَقَصدُهُ مِنْ قَبلِ نُطقِهِ بِهِ
مِن جِنسِهِ وَجَازَ مِن سِوَاهُ
وَالشَّرطُ أَيْضاً لِظُهُورِ الْمَعنَى
عَلَى الَّذِي بِالوَصفِ مِنهُ قُيِّدَا
مُقَيَّدٌ فِي القَتلِ بِالإِيمانِ
عَلَى الَّذِي قُيِّدَ فِي التَّكفِيرِ
وَسُنَّةٌ بِسُنَّةٍ تُخَصَّصُ
وَعَكسَهُ اِسْتَعْمِلْ يَكُنْ صَوَاباً
قَدْ خُصَّ بِالقِيَاسِ كُلٌّ مِنهُمَا

 

 

بَابُ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ

بَابُ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ

 

مَا كَانَ مُحتَاجاً إِلَى بَيانِ
إِخراجُهُ مِن حالَةِ الإِشْكَالِ
كَالْقُرْءِ وَهْوَ وَاحِدُ الأَقْرَاءِ
وَالنَّصُّ عُرْفاً كُلُّ لَفظٍ وَارِدِ
كَقَدْ رَأَيتُ جَعفَراً وَقِيلَ مَا
وَالظَّاهِرُ الَّذِي يُفيدُ ما سُمِعْ
كَالأَسَدِ اِسمُ وَاحِدِ الْسِّبَاعِ
وَالظَّاهِرُ الْمَذْكُورُ حَيثُ أَشْكَلاَ
وَصَارَ بَعدَ ذَلِكَ التَّأويلِ
  فَمُجمَلٌ ، وَضابِطُ البَيَانِ
إِلَى التَّجَلِّي وَاتِّضَاحِ الْحَالِ
فِي الْحَيضِ وَالطُّهْرِ مِنَ الْنِّساءِ
لَمْ يَحتَمِلْ إِلاَّ لِمَعنًى وَاحِدِ
تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ فَلْيُعْلَمَا
مَعْنًى سِوَى الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ وُضِعْ
وَقَدْ يُرَى لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ
مَفْهُومُهُ فَبِالدَّلِيلِ أُوِّلاَ
مُقَيَّداً فِي الاِسْمِ بِالدَّلِيلِ

 

 

بَاْبُ الأَفْعَالِ

بَاْبُ الأَفْعَالِ

 

أَفْعَالُ طَهَ صَاحِبِ الشَّرِيعَهْ
وَكُلُّهَا إِمَّا تُسَمَّى قُرْبَهْ
مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ حَيثُ قَامَا
وَحَيثُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلُهَا وَجَبْ
فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا وَأَمَّا
فَإِنَّهُ فِي حَقِّهِ مُبَاحُ
وَإِنْ أَقَرَّ قَولَ غَيرِهِ جُعِلْ
وَمَا جَرَى فِي عَصرِهِ ثُمَّ اِطَّلَعْ
  جَمِيعُهَا مَرْضِيَّةٌ بَدِيعَهْ
فَطَاعَةٌ أَوْ لا فَفِعلُ المقُرْبَهْ
دَلِيلُهَا كَوَصلِهِ الصِّيَامَا
وَقِيلَ : مَوقُوفٌ ، وَقِيلَ : مُستَحبْ
مَا لَمْ يَكُنْ بِقُرْبَةٍ يُسَمَّى
وفِعلُهُ أَيْضاً لَنَا يُبَاحُ
كَقَولِهِ كَذَاكَ فِعلٌ قَدْ فُعِلْ
عَلَيهِ إِنْ أَقَرَّهُ فَلْيُتَّبَعْ

 

 

بَاْبُ النَّسْخِ

بَاْبُ النَّسْخِ

 

النَّسخُ : نَقلٌ أَو إِزَالَةٌ كَمَا
وَحَدُّهُ : رَفعُ الْخِطابِ الَّلاحِقِ
رَفْعاً عَلَى وَجْهٍ أَتَى لَولاهُ
إِذَا تَرَاخَى عَنهُ فِي الزَّمانِ
وَجَازَ نَسخُ الرَّسمِ دُونَ الْحُكمِ
وَنَسخُ كُلٍّ مِنهُمَا إِلَى بَدَلْ
وَجازَ أَيْضاً : كَونُ ذَلِكَ البَدَلْ
ثُمَّ الكِتابُ بِالكِتابِ يُنسَخُ
وَلَم يَجُزْ أَنْ يُنسَخَ الْكِتابُ
وَذُو تَواتُرٍ بِمِثلِهِ نُسِخْ
وَاخْتَارَ قَومٌ نَسْخَ مَا تَواتَرَا
  حَكَوْهُ عَنْ أَهلِ الِّلسانِ فِيهِمَا
ثُبُوتَ حُكمٍ بِالْخِطَابِ السَّابِقِ
لَكَانَ ذَاكَ ثَابِتاً كَمَا هُوْ
مَا بَعدَهُ مِنَ الْخِطابِ الثَّانِي
كَذَاكَ نَسخُ الْحُكمِ دُونَ الرَّسمِ
وَدُونَهُ وَذَاكَ تَخفيفٌ حَصَلْ
أَخَفَ أَوْ أَشَدَّ مِمَّا قَدْ بَطَلْ
كَسُنَّةٍ بِسُنَّةٍ فَتُنْسَخُ
بِسُنَّةٍ بَلْ عَكسُهُ صَوَابُ
وَغَيرُهُ بِغَيرِهِ فََلْيَنْتَسِخْ
بِغَيرِهِ وَعَكسُهُ حَتْماً يُرَى

 

 

بَابٌ فِي بَيَانِ مَا يُفعَلُ فِي التَّعارُضِ بَيْنَ الأَدِلَّةِ وَالتَّرجِيحِ

بَابٌ فِي بَيَانِ مَا يُفعَلُ فِي التَّعارُضِ بَيْنَ الأَدِلَّةِ وَالتَّرجِيحِ

 

تَعَارُضُ النُّطْقَيْنِ فِي الأَحْكَامِ
إِمَّا عُمُومٌ أَو خُصُوصٌ فِيهِمَا
أَوْ فِيهِ كُلٌّ مِنهُمَا وَيُعْتَبَرْ
فَالْجَمعُ بَينَ مَا تَعَارَضَا هُنَا
وَحَيثُ لا إِمْكَانَ فَالتَّوَقُّفُ
فَإِنْ عَلِمْنَا وَقْتَ كُلٍّ مِنهُمَا
وَخَصَّصُوا فِي الثَّالِثِ الْمَعلُومِ
وَفِي الأَخِيرِ شَطْرَ كُلِّ نُطْقٍ
فَاخْصُصْ عُمُومَ كُلِّ نُطْقٍ مِنْهُمَا
 

 

 

 

يَأْتِي عَلَى أَرْبَعَةٍ أَقْسَامِ
أَوْ كُلُّ نُطقٍ فِيهِ وَصْفٌ مِنهُمَا
كُلٌّ مِنَ الْوَصفَينِ فِي وَجْهٍ ظَهَرْ
فِي الأَوَّلَيْنِ وَاجِبٌ إِنْ أَمْكَنَا
مَا لَمْ يَكُنْ تَارِيخُ كُلٍّ يُعرَفُ
فَالثَّانِ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَا
بِذِي الْخُصُوصِ لَفظَ ذِي الْعُمُومِ
مِن كُلِّ شِقِّ حُكْمُ ذَاكَ النُّطْقِِ
بِالْضِّدِّ مِنْ قِسْمَيْهِ وَاعْرِفَنْهُمَا

 

 

بَاْبُ الإِجْمَاعِ

بَاْبُ الإِجْمَاعِ

 

هُوَ اِتِّفاقُ كُلِّ أَهْلِ العَصْرِ
عَلَى اِعْتِبَارِ حُكْمِ أَمْرٍ قَدْ حَدَثْ
وَاَحْتُجَّ بِالإِجْمَاعِ مِنْ ذِي الأُمَّهْ
وَكُلُّ إِجْماعٍ فَحُجَّةٌ عَلَى
ثُمَّ اِنْقِراضُ عَصْرِهِ لَمْ يُشتَرَطْ
وَلَم يَجُزْ لأَهلِهِ أَنْ يَرجِعُوا
وَلْيُعْتَبَرْ عَلَيْهِ قَولُ مَنْ وُلِدْ
وَيَحْصُلُ الإِجْماعُ بِالأَقْوالِ
وَقَولُ بَعضٍ حَيثُ بَاقِيهِم فَعَلْ
ثُمَّ الصَّحَابِي قَولُهُ عَنْ مَذْهَبِهْ
وَفِي الْقَديمِ حُجَّةٌ لِما وَرَدْ
  أَيْ عُلَمَاءِ الْفِقْهِ دُونَ نُكرِ
شَرْعاً كَحُرمَةِ الصَّلاةِ بِالْحَدَثْ
لا غَيْرُهَا إِذْ خُصِّصَتْ بِالْعِصْمَهْ
مِن بَعدَهُ فِي كُلِّ عَصْرٍ أقْبَلاَ
أَيْ فِي اِنْعِقَادِهِ ، وَقِيلَ : مُشْتَرَطْ
إِلاَّ عَلَى الثَّانِي فَلَيسَ يُمْنَعُ
وَصَارَ مِثلَهُمْ فَقِيهاً مُجْتَهِدْ
مِنْ كُلِّ أَهْلِهِ وَبِالأَفْعَالِ
وَبِانْتِشَارٍ مَعْ سُكُوتِهِمْ حَصَلْ
عَلَى الْجَديدِ فَهْوَ لا يُحْتَجُّ بِهْ
فِي حَقِّهِمْ وَضَعَّفُوهُ فَلْيُرَدْ

 

 

 

 

بَابُ بَيَانِ الأَخْبَارِ وَحُكمِهَا

بَابُ بَيَانِ الأَخْبَارِ وَحُكمِهَا

 

وَالْخَبَرُ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ الْمُحتَمِلْ
تَوَاتُراً لِلْعِلْمِ قَدْ أَفَادَا
فَأَوَّلُ الْنَّوعَينِ مَا رَواهُ
وَهَكَذَا إِلَى الَّذِي عَنهُ الْخَبَرْ
وَكُلُّ جَمْعٍ شَرطُهُ أَنْ يَسمَعُوا
ثَانِيهِمَا الآحَادُ يُوجِبُ الْعَمَلْ
لِمُرسَلٍ وَمُسنَدٍ قَدْ قُسِّمَا
فَحَيثُمَا بَعضُ الرُّواةِ يُفْقَدُ
لِلاِحْتِجاجِ صَالِحٌ لاَ الْمُرْسَلُ
كَذَا سَعِيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ اقْبَلاَ
وَأَلْحَقُوا بِالْمُسْنَدِ الْمُعَنعَنَا
وَقَالَ مَنْ عَلَيهِ شَيخُهُ قَرَا
وَلَمْ يَقُلْ فِي عَكْسِهِ حَدَّثَنِي
وَحَيثُ لَمْ يَقْرَأْ وَقَدْ أَجَازَهْ
  صِدْقاً وَكِذْباً مِنهُ نَوعٌ قَدْ نُقِلْ
وَمَا عَدَا هَذَا اعْتَبِرْ آحَادَا
جَمعٌ لَنَا عَنْ مِثْلِهِ عَزَاهُ
لا بِاجْتِهادٍ بَلْ سَمَاعٍ أَو نَظَرْ
وَالْكِذْبُ مِنْهُمْ بِالتَّوَاطِي يُمْنَعُ
لا الْعِلمَ لَكِنْ عِندَهُ الظَّنُّ حَصَلْ
وَسَوفَ يَأْتِي ذِكرُ كُلٍّ مِنهُمَا
فَمُرسَلٌ وَمَا عَدَاهُ مُسنَدُ
لَكِنْ مَرَاسِيلُ الصَّحَابِي تُقْبَلُ
فِي الاِحْتِجَاجِ مَا رَواهُ مُرْسَلاَ
فِي حُكمِهِ الَّذِي لَهُ تَبَيَّنَا
حَدَّثَنِي كَمَا تَقُولُ أَخْبَرَا
لَكِنْ يَقُولُ رَاوِياً أَخْبَرَنِي
يَقُولُ قَدْ أَخْبَرَنِي إجَازَهْ

 

 

بَابُ الْقِياسِ

بَابُ الْقِياسِ

 

أَمَّا القِياسُ فَهْوَ رَدُّ الْفَرعِ
لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ فِي الْحُكْمِ
لِعِلَّةٍ أَضِفْهُ أَو دِلالَهْ
أَوَّلُهَا مَا كَانَ فِيهِ الْعِلَّهْ
فَضَرْبُهُ لِلوَالِدَينِ مُمْتَنِعْ
وَالثَّانِ مَا لَمْ يُوجِبِ التَّعْلِيلُ
فَيُسْتَدَلُّ بِالنَّظِيرِ الْمُعْتَبَرْ
كَقَولِنَا مَالُ الصَّبِيِّ تَلْزَمُ
وَالثَّالِثُ الْفَرعُ الَّذِي تَرَدَّدَا
فَيَلتَحِقْ بِأيِّ ذَينِ أَكثَرَا
فَلْيُلْحَقِ الرَّقِيقُ فِي الإِتْلافِ
وَالشَّرطُ فِي الْقِياسِ كَونُ الْفَرْعِ
بِأَنْ يَكُونَ جَامِعَ الأَمْرَينِ
وَكَونُ ذَاكَ الأَصلِ ثَابِتاً بِمَا
وَشَرطُ كُلِّ عِلَّةٍ أَنْ تَطَّرِدْ
لَمْ يَنتَقِضْ لَفْظاً وَلا مَعنًى فَلاَ
وَالْحُكمُ مِن شُرُوطِهِ أَنْ يَتْبَعَا
فَهْيَ الَّتِي لَهُ حَقِيقاً تُجْلَبُ
  لِلأَصْلِ فِي حُكمٍ صَحِيحٍ شَرعِيْ
وَلْيُعْتَبَرْ ثَلاثَةً فِي الرَّسْمِ
أَو شَبَهٍ ثُمَّ اعْتَبِرْ أَحْوَالَهُ
مُوجِبَةً لِلْحُكمِ مُسْتَقِلَّهْ
كَقَولِ أُفٍّ وَهْوَ لِلإِيْذَا مُنِعْ
حُكْماً بِهِ لَكِنَّهُ دَلِيلُ
شَرعاً عَلَى نَظِيرِهِ فَيُعْتَبَرْ
زَكاتُهُ كَبَالِغٍ أَيْ لِلنُّمُو
مَا بَينَ أَصْلَينِ اعْتِبَاراً وُجِدَا
مِن غَيرِهِ فِي وَصْفِهِ الَّذِي يُرَى
بِالْمَالِ لا بِالْحُرِّ فِي الأَوْصَافِ
مُنَاسِباً لأَصْلِهِ فِي الْجَمعِ
مُنَاسِباً لِلْحُكمِ دُونَ مَينِ
يُوافِقُ الْخَصْمَيْنِ فِي رَأْيَيْهِمَا
فِي كُلِّ معلولاتها التي تَرِدْ
قِياسَ فِي ذَاتِ اِنتِقاضٍ مُسْجَلاَ
عِلَّتَهُ نَفْياً وَإِثْبَاتاً مَعَا
وَهْوَ الَّذِي لَهَا كَذَاكَ يُجْلَبُ

 

 

فَصلٌ : فِي الْحَظْرِ والإِبَاحَةِ

فَصلٌ : فِي الْحَظْرِ والإِبَاحَةِ

 

لا حُكمَ قَبلَ بِعثِةِ الرَّسُولِ
وَالأَصلُ فِي الأَشيَاءِ قَبلَ الشَّرْعِ
بَلْ مَا أَحَلَّ الشَّرْعُ حَلَّلْنَاهُ
وَحَيثُ لَمْ نَجِدْ دَلِيلَ حِلِّ
مُستَصحِبِينَ الأَصلَ لا سِواهُ
أَي أَصلُهَا التَّحلِيلُ إِلاَّ مَا وَرَدْ
وَقِيلَ : إِنَّ الأَصلَ فِيمَا يَنفَعُ
وَحَدُّ الاستِصحابِ : أَخْذُ الْمُجْتَهِدْ
  بَلْ بَعْدَهَا بِمُقتَضَى الدَّلِيلِ
تَحرِيمُهَا لا بَعدَ حُكْمٍ شَرعِي
وَمَا نَهَانَا عَنهُ حَرَّمْنَاهُ
شَرْعاً تَمَسَّكْنَا بِحُكمِ الأَصلِ
وَقَالَ قَومٌ : ضِدَّ مَا قُلنَاهُ
تَحْرِيمُهَا فِي شَرعِنَا فَلا يُرَدْ
جَوَازُهُ وَمَا يَضُرُّ يُمْنَعُ
بِالأَصْلِ عَنْ دَلِيلِ حُكْمٍ قَد فُقِدْ

 

بَابُ تَرتِيبِ الأَدِلَّةِ

بَابُ تَرتِيبِ الأَدِلَّةِ

 

وَقَدَّمُوا مِنَ الأَدِلَّةِ الْجَلِي
وَقَدَّمُوا مِنْهَا مُفِيدَ الْعِلمِِ
إِلاَّ مَعَ الْخُصُوِصِ وَالعُمُومِ
وَالنُّطقَ قَدِّم عَنْ قِياسِهِمْ تَفِ
وَإِنْ يَكُنْ فِي النُّطقِ مِنْ كِتابِ
فَالنُّطقُ حُجَّةٌ إِذَاً وَإِلاَّ
  عَلَى الْخَفِيِّ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ
عَلَى مُفِيدِ الظَّنِّ أَيْ لِلْحُكْمِ
فَلْيُؤتَ بِالتَّخْصِيصِ لا التَّقْدِيمِ
وَقَدَّمُوا جَلِيَّهُ عَلَى الْخَفِي
أَو سُنَّةٍ تَغْيِيْرُ الاِسْتِصحَابِ
فَكُنْ بِالاِسْتِصْحَابِ مُسْتَدِلاَّ

 

 

بَابٌ فِي الْمُفْتِي وَالْمُستَفْتِي وَالتَّقْلِيدِ

بَابٌ فِي الْمُفْتِي وَالْمُستَفْتِي وَالتَّقْلِيدِ

 

وَالشَّرطُ فِي الْمُفْتِي اِجْتِهادٌ وَهْوَ أَنْ
وَالْفِقْهِ فِي فُرُوِعِهِ الشَّوَارِدِ
مَعْ مَا بِهِ مِنَ الْمَذَاهِبِ الَّتِي
وَالنَّحوِ وَالأُصُولِ مَعْ عِلمِ الأَدَبْ
قَدْراً بِهِ يَسْتَنبِطُ الْمَسَائِلاَ
مَعْ عِلمِهِ التَّفْسِيرَ فِي الآيَاتِ
وَمَوضِعَ الإِجْمَاعِ وَالْخِلافِ
وَمِن شُرُوطِ السَّائِلِ الْمُستَفتِي
فَحَيثُ كَانَ مِثلَهُ مُجْتَهِداَ
  يَعْرِفَ مِنْ آيِ الْكِتابِ وَالسُّنَنْ
وَكُلِّ مَا لَهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ
تَقَرَّرَتْ وَمِنْ خِلافٍ مُثْبَتِ
وَالُّلغَةِ الَّتِي أَتَتْ مِنَ الْعَرَبْ
بِنَفسِهِ لِمَن يَكُونُ سَائِلاَ
وَفِي الْحَدِيثِ حَالَةَ الرُّوَاةِ
فَعِلْمُ هَذَا الْقَدرِ فِيهِ كَافِي
أَنْ لاَّ يَكُونَ عَالِماً كَالْمُفْتِي
فَلا يَجُوزُ كَونُهُ مُقَلِّدَا

 

 

 

 

 

فَرعٌ

فَرعٌ

 

تَقلِيدُنَا : قَبُولُ قَولِ الْقَائِلِ
وَقِيلَ : بَلْ قَبُولُنَا مَقَالَهْ
فِفِي قَبُولِ قَولِ طَهَ الْمُصْطَفَى
وَقِيلَ : لا لأَنَّ مَا قَدْ قَالَهُ
  مِن غَيرِ ذِكرِ حُجَّةٍ لِلْسَّائِلِ
مَعْ جَهْلِنَا مِنْ أَينَ ذاكَ قَالَهْ
بِالحُكمِ تَقْلِيدٌ لَهُ بِلا خَفَا
جَمِيعُهُ بِالْوَحْيِ قَدْ أَتى لَهُ

 

 

بَابُ الاِجْتِهاد

بَابُ الاِجْتِهاد

ِ

وَحَدُّهُ : أَنَّ يَبذُلَ الَّذِي اِجْتَهَدْ
وَلْيَنقسِمْ إِلَى : صَوابٍ وَخَطَا
وَفِي أُصُولِ الدِّينِ ذَا الْوَجهُ اِمْتَنَعْ
مِنَ النَّصَارَِى حَيثُ كُفراً ثَلَّثُوا
أَوْ لا يَرَونَ رَبَّهُم بِالْعَيْنِ
وَمَنْ أَصابَ فِي الفُرُوعِ يُعطَى
لِمَا رَوَوا عَنِ النَّبِيِّ الْهَادِي
  مَجْهُودَهُ فِي نَيلِ أَمرٍ قَدْ قَصَدْ
وَقِيلَ فِي الفُروعِ يُمنَعُ الْخَطَا
إِذْ فِيهِ تَصويبٌ لأَربَابِ الْبِدَعْ
وَالزَّاعِمِينَ أَنَّهُمْ لَم يُبعَثُوا
كَذَا الْمَجُوسُ فِي اِدِّعَا الأَصْلَينِ
أَجْرَينِ وَاجْعَلْ نِصفَهُ مَن أَخْطَاْ
فِي ذَاكَ مِن تَقْسِيمِ الاِجْتِهادِ

 

 

الخَاتِمَةُ

الخَاتِمَةُ

 

وَتَمَّ نَظمُ هَذِهِ المُقَدِّمَهْ
فِي عَامِ (طاءٍ) ثُمَّ (ظَاءٍ) ثُمَّ (فَا)
فَالْحَمدُ للهِ عَلَى إِتمَامِهِ
عَلَى النَّبِيْ وَآلِهِ وَصَحبِهِ
  أَبْياتُهَا فِي العَدِّ (دُرٌّ) مُحكَمَهْ
ثَانِي رَبِيعِ شَهرِ وَضعِ الْمُصطَفَى
ثُمَّ صَلاةُ اللهِ مَعْ سَلامِهِ
وَخِزبِهِ وَكُلِّ مُؤمِنٍ بِهِ

 

المقدمتة

 

الحمد لله واهب العقول ، لتدرك معنى كل منقول ومعقول ، سواءً منه ما كُوِّن من كلمات أو فصول .

 

أما بعد : فقد وضعت هذا الشرح مخَتصراً ، لما في ذهني وطيات الكتب معتصراً ، ليكون صياءً في الدجى ، وموقداً لذي الحجى ، وحلاً لما أشكل وكان عنه الطالب مستفسراً .

 

 

وقد حليته بعبارات سهلة ، وأمثلة جزلة ، وعذوبة تدني معانيه ، جعلته مقدمةً بين يدي هذا العلم ، لعل قارئه يكون من أهله إن أتمه ، ولله الفضل والمنه .

 

 

وأرجوا الله تعالى بمديد عمرٍ لأكمل مرحلتيه الأخريين ، وسيكونان بإذن الله تعالى شرحاً لنفس هذا النظم .

 

 

وقد أسميت هذا الشرح بـ ” الكلمات الوافيات في شرح نظم الورقات ”

 

 

 

 

كتبه أبو حمزة

سمير مراد

من يوم الخميس 24 / ربيع الآخر / 1426 هـجرية

الموافق 2 / 6 / 2005 ميلادية

 

قَالَ الْفَقيرُ الشَّرفُ الْعِمريطِي           ذُو العَجزِ وَالتَّقصِيرِ وَالتَّفريطِ

 

( الفقير ) : قالها تواضعاً ، لأن العبد لا يزال في حاجةٍ الى الله تعالى     ( الشرف ) : لقب مدح ، ( العمريطي ) : لقبه ، (ذُو العجزِ والتقصيرِ والتفريطِ) : ينعت نفسه بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى .

 

الْحَمــدُ للهِ الّــَذي قَـــد أَظهَرَ     عِلمَ الأُصُـــولِ لِلْوَرَى وَأَشهَرَ

 

(الحمدُ) : (ال) فيها : قيل للعهد ، والصحيح أنها للاستغراق ، فهي تدل على نعمة وغيرها ، فعلى النعمة يقال : “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات” وعلى غيرها يقال : “الحمد لله على كل حال” والحمد عام من هذا الوجه ، وهو خاص لأنه لا يكون إلا باللسان .

 

وأما الشكر فيكون بالقلب واللسان والجوارح ، وهو عام من هذا الوجه ﭧ ﭨ ﭽ ﯮ    ﯯ  ﯰ  ﯱﯲ  ﭼ سبأ: ١٣ و ﭧ ﭨ ﭽ ﭘ  ﭙ  ﭚ      ﭛ   ﭜ  ﭝﭞ  ﭼ لقمان: ١٢ وهو لا يكون إلا على نعمة ، وهو خاص من هذا الوجه ، ﭧ ﭨ ﭽ ﮆ  ﮇ  ﮈ   ﮉ ﭼ الزمر: ٧

 

قوله (لله) الحروف تنقسم الى قسمين :

 

حرف مبنى : وهو جزء الكلمة : مثل (حمد) فالميم جزء من الكلمة ، وكذا الحاء والدال .

 

وحرف معنى : وهي ما أُطلقت عليها الحروف ، وقد تتكون من أكثر من حرف ، ولكن سميت حرفاً لأنها آخر أقسام الكلام ، ولا يكون لها معنىً إلا مع الاسم أوالفعل ، مثل : “على” فهي بمعنى : فوق . وقد تكون بمعنى : في أي : الظرفية ، وذلك حسب السياق ، ومثلها “اللام” فإن لها معانٍ :

 

فقد تكون بمعنى “المِلك” : مثل “الدرهم لزيد” فقولنا لزيد أي : ملكه ،  ومثل “الكتاب لعلي” أي ملك علي ، ومثل “الأرض لله” أي : الأرض ملك لله     وقد تكون بمعنى “الاختصاص” مثل “الخمار للمرأة” أي : خاص بها ، ومثل “اللحية للرحل” أي : خاصةٌ به ، ومثل “المسجد للمسلمين” أي : خاص بهم

 

وقد تكون بمعنى “الاستحقاق” مثل “الكرم لحاتم” أي : يستحق نسبته إليه ،  ومثل “السيف لأبي دجانة” أي : يستحقه ، ومثل “الحمد لله” أي : فالله تعالى المستحق كل المحامد .

 

يقول المؤلف رحمه الله تعالى بعد أن وصف نفسه بالفقر والحاجة يقول :  الحمد لله المستحق لكل المحامد التي منها إظهاره تعالى لعلم الأصول للناس بعد أن كان خفياً في صدور أهل العلم .

 

ثُمَّ الصـلاةُ والسَّـلامُ سَـرْمَـدا      على زَكْيِّ الأصـلِ طَه أحمْـــدا

أصـلِ الأصـولِ أشـرفِ العُبّادِ      وآلــهِ وصحبــهِ الأمجـَــــــــادِ

 

يقول :

وبعد ذلك أي بعد الحمد لله ، أنشأ الصلاة السرمد ، أي : الباقية والدائمة دوام الحياة على زكي أي : طاهر الأصل والنسب رسول الله  ، فإنه ولد من نكاح لا سفاح فيه ، وقد اشتهر بين الناس بتسمية رسول الله  بـ “طه” وهذا وإن كان قولاً لأهل العلم إلا إنه غير صحيح ، ورسول الله  هو أشرف العباد ، بل هو خير الخلق مطلقاً على الصحيح .

 

ثم ثنّى بالصلاة على “ال” وأصل “الآل” أهل ، ودليل ذلك تصغيره على “أُهيل” والتصغير يَرُد الكلام إلى أصوله ، وقد يراد بها أقارب النبي  ، وقد يراد بها من تحرم عليه الصدقه ، وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، دون غيرهم لأنهم هم الذين ذادوا عن الرسول  ، وقد يراد بها أهل بيته وعترته ، وهذا أخص ممن قبله ، والسياق يبين المراد .

 

ثم عطف عليهم صحابته الكرام رضي الله عنهم ، الذين حموا الدين وحملوا العلم حتى أوصلوه للناس .

 

والصاحب له تعريفان :

 

الاول : ما عليه المحدِّثون ، لأن العبرة عندهم بمجرد الرواية ، فهو من لقي النبي ص مؤمناً به ومات على ذلك وإن تخلل ذلك ردة على الأصح .

 

الثاني : تعريف الفقهاء والأصولين ، لأن العبرة عندهم بفقهه للنص فهو من لقي النبي  وطالت صحبته حتى خبر أحوال رسول الله  وتصرفاته .

 

وبَعـدُ فالعـــلمُ بأصــلِ الفقــهِ      مُكَمِــلٌ قــارئَ علــمِ الفقــــــهِ

 

“وبَعـد” كلمة تقال للفصل بين الكلام أو للانتقال من وضوع إلى آخر، وتقال أيضا “أما بعد” والواو تغني عن أما .

 

بدأ الناظم رحمه الله تعالى ببيان أهمية علم الأصول ، وأنه آلةٌ مكملةٌ للفقيه ،  إذ بدونها لا يمكنه أن يكون قادراً على استنباط الحكم الشرعي من خلال النصوص بدون واسطة . أما بها فيمكنه ذلك إن تمكن من ذلك العلم .

 

فـذاكَ بالفضْـلِ الجليـلِ أحْرَى      واللهُ ذو النيلِ الجزيلِ أجـْـــرَى

عَلَى لِسانِ الشَّـافِعِي وَهَــوَّنَا        فَهْـوَ الّـــَذِي لَــهُ اِبْتِــداءً دَوَّنَـا

وتابعتْهُ الناسَُ حتى صــــارا      كتْباً صِغـارَ الحَجمِ أو كِبــــارا

 

بدأ الناظم بذكر إجراء الله تعالى فضله على الناس ، وتخصيص بعضهم بزيادة فضل ، وذلك يكون إما بنوع عبادة ، أو بنوع علم ، فخص الله تعالى بفضله الإمام الشافعي القرشي المولود بغزة فلسطين سنة مائة وخمسين (150) والمتوفي سنة مائتين وأربعة (204) هجرية ، وقد كان إماماً بارعاً في الفقه واللغة والشعر ، وهو الذي نصر السنة ضد المعتزله ، فكسر شوكة “بشر المريسي” في مناظراته إياه ، وكان سلفيَّ المعتقد ، حجة في اللغة أجمعت الأمة على جلالته وفحولته في العلم رحمه الله رحمة واسعة ، فاختصه الله تعالى بأن صنف علم الأصول في كتاب سمي “بالرسالة” جمع فيها أصول هذا العلم ، فكان له قدم السبق على الباقين ، ثم تتابع الناس في الكتابة ، حتى صنّف أصحاب كل مذهب كتاباً يشتمل على بيان طريقتهم في الاستنباط .

 

والمؤلفات في أصول أصحابنا الشافعية رحمهم الله تعالى كثيرة منها الصغير والمتوسط والكبير .

 

وَخَيــرُ كُتْبِهِ الصِّغَارِ ما سُمِي       بِالوَرَقـــاتِ لِلإِمــامِ الْحَــــرَمِي

 

 

 

بدأ الناظم بالكلام على متنٍ شافعيٍ في الأصول حوى أصول فنه بحيث لا يستغني عنه المنتهي ويحتاج إليه المبتدي .

 

وهو المتن المسمى بالورقات للإمام أبي المعالي عبد الملك الجويني الملقب بإمام الحرمين لأنه درَّس وجاور فيهما ، المولود سنة تسع عشرة وأربعمائة ، والمتوفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة هجرية ، وقد كان أشعري المعتقد رحمه الله تعالى رحمة واسعة .

 

ميزات متن الورقات

 

1-   احتواؤه على أهم مباحث أصول الفقه .

 

2-   إيجاز عباراته ووضوحها .

 

3-   عدم خروجه عن مذهب الشافعي رحمه الله تعالى .

 

4-   كونه مختصراً غير مخل .

 

5-   كثرة شروحه وحواشيه الدالة على علو كعب صاحبه في هذا الفن وقبول قوله فيه .

 

 

هذا وقد شرح الله صدري لشرح هذه المنظومة ، عسى الله تعالى أن يسلكنا في عداد أهل العلم ، ويرزقنا العمل النافع إنه جواد كريم .

 

وَقَــد سُئِــلتُ مُــدَّةً فِـي نَظمِهِ       مُسَهِّــــلاً لِحِفظِــــهِ وَفَهمِــــــهِ

فَلَم أَجِــدْ مِمَّــا سُئِلتُ بُـــــــدَّا       وَقَــد شَــرَعتُ فِيــهِ مُستَمِــــدَّا

مِــنْ رَبِّنَا التَّــوفيقَ لِلصَّــوَابِ      وَالنَّفــعَ فِــي الــدَّارَينِ بِالْكِتـابِ

 

ذكر الناظم رحمه الله تعالى أنه مسؤول في نظم ورقات الجويني فأجاب إلى ذلك مستمداً التوفيق للصواب من رب العالمين ، وأن يكون نفعه عائداً عليه في الدارين ، ونظمه هذا كباقي المنظومات “أراجيز” أي : على بحر الرجز ، لخفته في النظم والحفظ ، والعادة فيه أن تكون قوافيه على غير حرف واحد .

 

 

 

 

باب أصول الفقه

باب أصول الفقه

 

هَــاكَ أُصُـولَ الْفِقهِ لَفظاً لَقَبَا       لِلفَـنِّ مِـن جُزئَينِ قَـد تَـرَكَّبَا
الأَوَّلُ الأُصـولُ ثُـمَّ الثَّــانِي      الْفِقـهُ والجُــزءَانِ مُفــرَدانِ
فَالأَصـلُ مَـا عَلَيهِ غَيـرُهُ بُنِـي      وَالفَـرعُ مَا عَلَى سِـواهُ يَنبَنِـي
وَالفِقهُ عِلمُ كُـلِّ حُكمٍ شَـرعِيْ      جَـاءَ اِجتِهاداً دُونَ حُكمٍ قَطعِـيْ

 

تعريف الأصل

تعريف الأصل

 

بدأ الناظم رحمه الله تعالى بتعريف أصول الفقه ، وجرت العادة عند أهل العلم أن يعرِّفوا أصول الفقه باعتبارين .

 

الأول : باعتبار جزئيه ، فيعرفون كلمة “أصول” على حدة وكلمة “الفقه” على حدة ، وهي تعاريف لغوية .

 

الثاني : باعتباره لقبا أي : اسماً لهذا الفن على اعتباره كأنه كلمة واحدة . فأقول “أصول” جمع أصل ، والأصل ما بني عليه غيره ، وهذا أشهر تعريف وأيسره .

 

مثال : “القواعد أصل الدار” أي : أساسها ، و”الأب أصل الولد” أي أساسه ، وهكذا .

 

كما أنه للأصل إطلاقات باعتبارات مثل : حكم الميتة تحريم أكلها ، أصله ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭼ المائدة: ٣ فالأصل هنا بمعنى الدليل .

 

ومثل : الأصل في الأشياء الإباحة والمعنى هنا استصحاب البراءة الأصليه .

 

ومثل : تحرم الحشيشة قياسا على الأصل وهو الخمر ، فالأصل هنا المقيس عليه .

ومثل : يحرم التعدي على حقوق الغير للأصل فيه وهو “لا ضرر ولا ضرار” فالأصل هنا بمعنى القاعدة الكلية .

 

وقد جمع الأصول ليشمل الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها .

 

 

تعريف الفرع

تعريف الفرع

 

والفرع : ما ينبني ويقوم على غيره ، وأصل الفرع الشيء المرتفع ، مثل : فروع الأذنين أي : أعلاها وما ارتفع منها ، ولذا كان الولد فرع أبيه ، وكذا يقال للمذهب : فرع الأصول لأنه قائم عليها .

 

 

 

تعريف الفقه

تعريف الفقه

 

وهو في اللغه : الفهم ، ﭧ ﭨ ﭽ ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ        ﭹ  ﭺ     ﭼ هود: ٩١ وفي الحديث قال رسول الله  { إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنةٌ من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان لسحراً } رواه مسلم / الجمعة / 2046 .

 

وفي الاصطلاح : معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد .

فقوله “معرفة” ليشمل حكم الدليل الظني ، أي : حديث الآحاد . وقوله :  “الأحكام الشرعية” أي : الأحكام من حيث الحِل والحرمه ، والشرط والمانع وغيره المتعلقه بأفعال العباد المكلفين ، وتعبدهم بها الشرع .

 

وقوله “التي طريقها الاجتهاد” أي : الأحكام التي تتعلق باحكام المكلفين مما لايتعلق بالأحكام الضرورية .

 

مثل : معرفة أن الصلاة فرض ، وأن الحج فرض ، فمثل هذه ليست هي المقصودة بالتعريف ، لأن كل مكلف يعرف حكمها ، ولا يسمى عارفها فقهيا ولا مجتهدا  ، لكن معرفة أحكام الصلاة والحج مما هو ركن فيها أو واجب أو مندوب أو حرام أو غير ذلك فإن صاحبه يسمى فقيها ومجتهدا ،  وهي ومثلها التي يتعلق بها التعريف .

 

ويمكننا أن نضيف قيدا احترازيا على التعريف لا يخالف المذهب فنقول : “الفقه” هو : معرفة الأحكام الشرعيه العمليه من أدلتها التفصيلية .

 

  • فالأدلة تنقسم إلى قسمين :

 

1- أدلة إجمالية : وهي طرق الاستنباط وغيرها مما هو معروف في كتب اصول الفقه ، مثل : الأمر للوجوب ، والنهي للتحريم ، يحمل المطلق على المقيد ، وهكذا .

 

2- أدلة تفصيلية : وهي الأدلة التي يبني الفقيه عليها الحكم ، من الكتاب والسنة والاجتهاد وغيرها . مثل : الصلاة واجبة لقوله   ﭨ ﭽ ﮛ  ﮜ  ﭼ البقرة: ٤٣ ، بر الوالدين واجب لقوله ﭨﭽ ﯠ   ﯡ ﭼ البقرة: ٨٣ والسرقة حرام لقوله ﭨ ﭽ ﭟ  ﭠ ﭼ المائدة: ٣٨ والخمر حرام ، لقول النبي  { كل مسكر خمر وكل خمر حرام …. } رواه مسلم في الأشربة رقم 5336 والحشيشة حرام لأنها في حكم الخمر .

 

 

 

الحكم الشرعي

الحكم الشرعي

 

* ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين :

 

الأول : الحكم التكليفي : وهو ما تعلق بأفعال العباد من كونها واجبة أو محرمة أو غير ذلك .

 

الثاني : الحكم الوضعي : وهو ما كان علامة على كون الفعل سبباً في ثبوت الحكم أو شرطاً له أو مانعاً منه .

 

وسيأتي بيان ذلك كله إن شاء الله تعالى .

 

 

 

الحكم التكليفي

الحكم التكليفي

 

وَالْحُكمُ : وَاجبٌ ومَنـدوبٌ وَمَا      أُبِيحَ وَالْمَكـروهُ مَعْ مـا حُـرِّمَا
مَعَ الصَّحيحِ مُطلَقـاً وَالفـاسِـدِ     مِن قَاعِـدٍ هَـذانِ أَو مِن عَـابِدِ

تحدث الناظم عن الحكم التكليفي حسبما قسمه الجويني رحمه الله تعالى حيث جعله سبعة : الواجب ، المندوب ، المباح ، المكروه ، الحرام ، الصحيح ، الفاسد ، وقوله “من قاعد” القاعد : المعذور من المكلفين .

قلت : والحكم كلام الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاءً أو وضعاً أو تخييراً .

 

قلت : وهذا التقسيم _ أعني تقسيم الجويني _ على غير المألوف عند الأصولين من الشافعية وغيرهم ممن نحا نحوهم حيث قسموا الأحكام التكليفية إلى خمسة : الواجب ، والمندوب ، والحرام ، والمكروه ، والمباح ، وأما الصحة والفساد فأوصاف تلحق أفعال المكلفين .

 

 

الواجب

الواجب

 

فَالواجِبُ : الْمَحكـومُ بِالثّـوابِ      فِـي فِعلِـهِ وَالتَّـركِ بِالعِقـابِ

 

“الواجب” هو : أول الأحكام التكليفية ، وهو في اللغة السقوط واللزوم ﭧ ﭨ ﭽ ﯖ  ﯗ   ﯘ ﭼ الحج: ٣٦ أي سقطت ولزمت الأرض ويقال : وجبت الشمس ، أي سقطت في الحجاب .

 

والواجب في “الاصطلاح” : ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه ،  هكذا عرفه الجويني هنا ، فقوله : هذا ينطبق على “الصلاة” فمن فعلها أجر ، ومن تركها عوقب ، ومثل : “الزكاة” ، ومثل : “الصيام” ، وهكذا ولو عُرِّفَ الواجب بقولنا : هو ما طلب الشارع فعله على وجه الحتم والإلزام لكان حسناً .

 

فائدة

 

يذكر بعض الأصوليين قيداً احترازياً فيقولون : ما يثاب فاعله “امتثالا” أقول : ولا يلزم هذا القيد لأنه شرط ضمني لا ضرورة لأن ينص عليه .

 

تتمة

 

ينقسم الواجب إلى أقسام باعتبارات :

 

الاعتبار الأول : بالنظر إلى الوقت فينقسم إلى قسمين :

 

1-  المضيَّق : وهو الذي لا يتسع وقته لعبادة أخرى من جنسه ، مثل : فعل الصيام فإن نهار اليوم لا يمكن أن يصام فيه غير الفرض ، ومثل  أفعال الحج في أيامه ، فلا يمكن أن يتسع وقتها لحج آخر معه .

 

2-  الموسع : وهو ما يتسع وقته لغيره من جنسه ، مثل : وقت الصلوات فإنه يمكن فعل الصلاة ثم فعل غيرها معها أو قبلها من النوافل مثلا ومثل : أشهر الحج فإنه يمكن فيها الاعتمار ولو أكثر من مرة .

 

 

الاعتبار الثاني : من حيث الفاعل فينقسم الواجب إلى :

 

1-  الواجب العيني : وهو ما لا يصلح فعله ابتداء إلا ممن طلب منه كالصلاة والحج والصوم وغير ذلك .

 

2-  الواجب الكفائي : وهو ما طلب فعله من مجموع الأمة ، ويجزئ فعله من بعضها ، مثل : صلاة الجماعة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك .

 

 

الاعتبار الثالث : من حيث ذات الفعل وتعينه أو عدم تعينه :

وينقسم إلى قسمين :

 

1-  الواجب المعيَّن : وهو ما لا يصلح فعل غيره ، مثل : تعين غسل القدمين عند عدم وجود الخف في الرجل ، وتعين ستر ما غلظ من العورة عند عدم وجود الكفاية .

 

2-  الواجب المخيَّر : وهو سقوط الواجب بفعل واحد من متعدد ، مثل الكفارة في حنث اليمين ، والكفارة في صيد المحرم .

 

 

الاعتبار الرابع : من حيث توقيت العبادة وعدم توقيتها ، فتنقسم إلى :

 

أ‌-   عبادة مؤقته بوقت محدد : كالصلوات والصيام وغيرها ، وهذه لها ثلاث أوصاف إن كان وقتها موسعا ، ووصفان إن كان وقتها مضيقا وهذه الأوصاف هي :

 

أ‌-           الأداء : وهو فعل العبادة في وقتها .

 

ب‌-                القضاء : وهو فعل العبادة بعد خروج وقتها .

 

ت‌-       الإعادة : وهو فعل العباة ثانية في وقتها لخلل في الفعل الأول مثل : رجل صلى ثم تذكر في الوقت أنه غير متوضئ ، فيتوضأ ويصلي .

 

فهذه تسمى إعادة ، وهذاالوصف خاص بالعبادة ذات الوقت الوسع دون المضيق .

 

ب‌-  عبادة غر موقتة بوقت محدد : مثل صلاة النافلة المطلقة والصدقة المطلقة وهكذا . وهناك أحكام أخرى تطلب في المطولات .

 

 

 

المندوب

المندوب

 

وَالنَّـدبُ : مَا فِي فِعلِهِ الثَّـوابُ      وَلَـم يَكُـنْ فِي تَـركِهِ عِقـابُ

هذا هو الحكم الثاني من الأحكام التكليفية وقد عرفه بقوله : ما يؤجر فاعله ولا يأثم تاركه ، ولو عرف بقولنا : ما طلب الشارع فعله لكن على غير وجه الحتم والإلزام لكان حسناً ، مثل : التسوك مع الوضوء والصلاة ، وصلاة ركعتين عند دخول البيت وعند الرجوع من السفر .

 

أسماء المندوب

 

يسمى المندوب سنة ونافلة ومستحباً وتطوعاً ؛ وهي ألفاظ مترادفة بمعنى واحد .

 

تتمة

 

هل الشروع والبدء بالعمل المندوب يجعله واجباً ؟

 

مذهبنا نحن الشافعية أن ما كان أصله مندوبا فلا يقلبه الشروع فيه واجبا إلا بدليل مستقل ، فمثلا : من بدأ بصلاة تحية المسجد – وهي عندنا مندوبة – لا يجب عليه إتمامها ، بل له قطعها ، كذا باقي المندوبات ، سوى الحج المندوب والعمرة المندوبة ، فإن إتمامها واجب لقوله ﭨ ﭽ ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕﯖ   ﭼ البقرة: ١٩٦

 

 

 

 

المباح

المباح

 

ولَيسَ فِـي الْمُبـاحِ مِنْ ثَوابِ      فِعـلاً وَتَـركاً بَـلْ وَلا عِقـابِ

 

هذا هو الحكم الثالث من الأحكام التكليفية وهو المباح ،

 

وهو لغة : الإذن والظهور .

 

واصطلاحا : ما لم يتعلق به طلب فعل ولا طلب ترك ، وهو لا أجر في فعله كما لا عقاب في تركه ، مثل : أكل الطيبات ، التنعم باللباس ، التوسعة على العيال في المسكن ، وهكذا .

 

 

 

المكروه

المكروه

 

وَضابِطُ الْمَكروهِ:عَكسُ ما نُدِبْ     كَذَلِكَ الْحَـرامُ عَكـسُ مَا يَجِبْ

انتقل المصنف – رحمه الله تعالى – إلى ذكر القسمين اللذين فيهما طلب الترك :

 

فأولهما : “المكروه” وهو : ما يؤجر تاركه ولا يأثم فاعله . ولو قيل فيه ما طلب الشارع تركه لكن على غير وجه الحتم والإلزام لكان حسنا ، مثل : الانتعال واقفا ، والشرب واقفا عندنا ، وغير ذلك .

 

تتمة

إطلاقات المكروه

 

يطلق المكروه عندنا على ثلاث معاني :

 

الأول : المكروه تنزيها ، وهو الأصل في هذا الإطلاق ، وهو ما أشعر بأن تركه خير من فعله كما مثلنا .

 

الثاني : إطلاقه على الحرام احتياطا ، فقد  يقول الإمام الشافعي : أكره كذا ، وهو يريد التحريم مثل : الزيادة على الثلاث في الوضوء ، وكقول الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – في اللعب بالشطرنج :أكرهه ، أي أنه : حرام باطل يعني إذا كان عن عوض .

 

الثالث : إطلاق المكروه ويراد به ترك الأولى ، وهو ترك فعل لم يرد نهي عنه ومثاله عندنا : ترك صلاة الضحى ، فهو مكروه بمعنى أن فعله أولى من تركه .

 

وثانيهما : “الحرام” وهو : ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله . ولو قيل ما طلب الشارع تركه على وجه الحتم والإلزام لكان حسنا .

 

والحرام ينقسم إلى قسمين :

 

الأول : “الحرام لذاته” مثل : الشرك ، وشرب الخمر ، والزنا ، وأكل الميتة .

 

الثاني : “الحرام لوصفه” وهو : ما كان مباحا بالأصل ولكن حرم لأمر طارىء عليه .

 

وهو ينقسم إلى قسمين :

 

1-  الوصف اللازم : وهو : ما يستغرق العمل ولا ينفك عنه ، مثل : صوم يومي العيد ، وأيام التشريق ، وعقد الربا .

 

2-   الوصف غير اللازم : وهو : ما لا يستغرق العمل وينفك عنه ، مثل : الصلاة في الأرض المغصوبة ، والخِطبة على الخِطبة ، والبيع وقت النداء .

 

 

 

 

الصحيح والفاسد

الصحيح والفاسد

 

وَضـابِطُ الصحيـحِ : مـا تَعـلَّقَا     بِـهِ نُفُـوذٌ وَاِعتِـدادٌ مُطلَــقاَ
وَالفَاسِـدُ : الَّـذِي بِهِ لَم تَعتَدِدْ     وَلَـم يَكُـنْ بِنـافِـذٍ إِذا عُقِـدْ

قال الجويني رحمه الله تعالى : الصحيح ما يعتد به ويتعلق به النفوذ والباطل أو الفاسد ما لا يعتد به ولا يتعلق به النفوذ .

 

قلت : جعل الجويني الصحيح والباطل من الأحكام التكليفية وجعلها غيره من الأحكام الوضعية ، والصحيح أنها أوصاف أو ألقاب تلحق كلا الحكمين .

 

وقوله : “ويتعلق به النفوذ” تكرار لقوله : ما يعتد به . وهذان الوصفان من الاعتداد وعدمه يلحقان العبادات والعقود على حد سواء ، مثل :

 

عبادات وعقود صحيحة                  عبادات وعقود باطلة

 

– صلاة بكامل شروطها وأركانها       – صلا بغير وضوء

– بيع لسلعة حلال                      – بيع لحم الخنزير

– زواج بكامل الشروط الشرعية       – زواج من مطلقة في العدة

– صوم رمضان                         – صوم رمضان من امراة حائض

 

 

معنى ترتيب الأثر على الفعل

 

1- العبادات : ترتب أثرها هو إبراء الذمة من المطالبة بالعمل ، فمن صلّى برأت ذمته من هذا العمل ، ومن لم يصم لم تبرأ ذمته من هذا العمل .

 

2-المعاملات والعقود : ترتب أثرها يعني أمرين :

 

الأول : إن كان مثلاً بيعاً فيكون الأثر الأول الانتفاع بالثمن ، وإن كان زواجاً فيكون انتفاع المرأة بالمهر .

 

الثاني : إن كان بيعاً فيكون الأثر الثاني انتقال ملكية البيع ، وإن كان زواجاً فيكون استمتاع الرجل بالمرأة .

 

 

تتمة

الباطل والفاسد

 

لا فرق عندنا بين الباطل والفاسد .

 

فالباطل والفاسد ما لايترتب عليه أثره لكن فرق أبو حنيفة رحمه الله تعالى بينهما ، فالباطل عنده كل ما لم يشرع بأصله ووصفه معاً مثل : بيع ما في بطون الأمهات “بيع الملاقيح” لأن من أصل المبيع وجوده عند العقد وهو مفقود هنا ، ومن وصفه أن يكون مقدوراً على تسليمه وهذا غير ممكن هنا .

 

وأما الفاسد عنده فهو ما شرع بأصله ولم يشرع بوصفه مثل : عقد الربا فهو بيع سلعة بأخرى وهذا أصل جائز طرأ عليه وصف غير جائز وهو الزيادة وهذا وإن كان حراماً عنده إلا أن العقد لا يبطل فيترتب عليه بعض أثره وهو استبدال السلع ويبطل الزائد وهو الربا لكن عندنا العقد باطل من أساسه .

 

تتمة أخرى

 

لم يتعرض المصنف – رحمه الله تعالى – إلى ذكر الشق الآخر من الحكم الشرعي ، وهو الحكم الوضعي ، ونحن ذاكروه ليتم البحث مرتبا فنقول :

 

الحكم الوضعي

 

هو ما وضعه الشارع علامة على كون الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً سواء تعلق بالعبادات أو بالمعاملات .

 

1-  السبب : وهو ما كان سبباً في حصول الفعل ، مثل : دلوك الشمس سبب في وجود صلا ة الظهر ، وموت المورِّث سبب في حصول الإرث ، ووجود العدد سبب في حصول صلاة الجمعة .

 

2-  الشرط : وهو ما توقف حصول الفعل عليه ، فإن وجد فقد يوجد المشروط ، وإن لم يوجد لا يوجد المشروط ، ويقال فيه : ما لا يلزم من وجوده وجود ، ويلزم من عدمه العدم .

مثل : الوضوء للصلاة ؛ فمن توضأ فقد يصلي وقد لا يصلي ، ولكن من أراد الصلاة ولم يتوضأ لم تصح صلاته ، ومثل : من ملك سلعة للتجارة فقد بيعها وقد لايبيعها ، لكن من لا يملك السلعة فلا يصح بيعه لها .

 

3-  المانع : وهو ما كان مانعاً من وجود الفعل ، ويقال فيه : ما لا يلزم من وجوده عدم الوجود ، مثل : القتل مانع حصول الميراث للقاتل والحيض مانع من الصلاة ، والسفه مانع من التصرف المالي .

 

*   *   *

 

 

 

وَالعِلمُ لَفظٌ للعُمـومِ لَـم يُخَصْ      لِلفِقهِ مَفهُـوماً بَلِ الفِقهُ أَخَـصْ
وَعِلـمُنَا مَعـرِفَـةُ الْمَعـلـومِ      إِنْ طَـابَقَت لِـوَصفِهِ الْمَحتـومِ

انتقل المصنِّف رحمه الله تعالى إلى ذكر بعض المصطلحات التي يحتاج إليها طالب علم الأصول ، فبدأ بالكلام على العلم ، والفقه ، لشدة الحاجة إليها فقال : والفقه أخص من العلم .

 

قلت : العلم لفظ عام يستغرق كل ما يدل عليه من علم ، كالتفسير والعقائد وعلم الأخلاق والتاريخ ، والفقه واحد من هذه العلوم ، فهو- أعني الفقه –  واحد من أفراد العلم ، ولذا كان أخص منه . والعلم معرفة المعلوم على ما هو به , أي : معرفة المعلوم بمطابقة الوصف على حاله في الخارج ، فهنا أمران :

 

  1. المعرفة الذهنية لأمر ما من العلوم ، مثل : معرفة الذهن لمعنى السماء ، الحكم ، الصلاة ، البيع .

 

  1. مطابقة الشيء في الواقع للحكم الذي في الذهن ، فإن كانت السماء الحكم ، الصلاة ، البيع ، هي نفس المعرفة الذهنية فهذا يسمى علما .  ومن اهل العلم من قال : العلم لا يُعرَّف لأنه لا يُجهَل .

 

قلت : وهذا أحسن .

 

 

الجهل

الجهل

 

وَالجَهلُ قُلْ : تَصَوُّرُ الشَّيءِ عَلَى
وَقِيلَ : حَدُّ الْجَهلِ فَقدُ العِلمِ
بَسيطُهُ : فِي كُلِّ ما تَحتَ الثَّرَى
  خِلافِ وَصفِهِ الَّذِي بِهِ عَلاَ
بَسيطاً اَوْ مُرَكَّباً قَدْ سُمِّي
تَركِيبُهُ فِي كُلِّ ما تُصُوِّرَا

 

وينقسم الجهل إلى قسمين :

 

الأول : جهل بسيط : وهو عدم العلم بالشيء أصلا ، كعدم العلم بما في البحار ، والسماوات ، وما تحت الأرض ، وكعدم العلم من شخص ما بحكم معين ، وليس هذا النوع مقصود المصنف رحمه الله تعالى .

 

الثاني : الجهل المركب : وهو تصور الشيء على خلاف ما هو به أي على خلاف الواقع له ، كتصور الفيل على أن ذيله مكان خرطومه ، وكتصور مؤولة الصفات أنها تشبه صفات المخلوقين .

 

وسمي مركباً لأنه جهل من وجهين :

 

الأول : عدم العلم .

 

الثاني : اعتقاد لا يطابق الواقع .

 

ولذلك فإن الجاهل جهلاً مركباً يظن أنه يعلم وهو في الواقع يجهل ، وهو في نفس الوقت لا يدري أنه يجهل .

 

 

 

العلم

العلم

 

وَالعِلمُ إِمَّـا بِاضطِـرارٍ يَحصُـلُ      أَو بِاكْتِسـابٍ حَـاصِلٌ فـَالأَوَّلُ
كَالْمُسـتَفـــادِ بِالحَـواسِِّ الخَمـسِ      بِالشَّـمِّ أَو بِالـذَّوقِ أَو بِالَّلمسِ
وَالسّـــــَمعِ والإِبصَـارِ ثُـمَّ التّــَـالِي      مَا كـانَ مَـوقُوفاً عَلَى اِستِدلالِ

 

ينقسم العلم إلى أقسام ؛ منه ما هو اضطراري ، وضروري ، ومكتسب :

 

فالعلم الاضطراري :

 

ما يحصل من غير نظر واستدلال وطلب ، ولا يمكن دفعه ولا يمكن الإنسان دفعه عن نفسه ؛ كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس وهي : السمع ، البصر ، اللمس ، الشم ، الذوق ، وكالعلم الواقع بغيرها بل بمجرد الشعور : كعلم الإنسان بنفسه أنه جائع ، أو متعب ، أو مريض ويسمى بالوجدان .

 

العلم الضروري :

 

وهو ما حصل عن دليل متواتر قطعي ، كالعلم بوجود بلد لم نره لكن يقطع بوجوده ، وكالعلم بفرضية الصلاة وتحريم القتل .

 

 

 

وَحَدُّ لاِستِدلالِ : قـلْ ما يَُجتَلَِبْ      لَنَا دَلِيـلاً مُرشِـداً لِمَا طُلـِبْ
قال المصنف : والعلم المكتسب ما يقع عن نظر واستدلال ، والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه ، والاستدلال طلب الدليل ، والدليل هو المرشد إلي المطلوب .

 

العلم المكتسب :

 

هو العلم الذي لا تعلم الأشياء المطلوبة فيه إلا بعد البحث وبذل الجهد ، وهو العلم الذي يُسعى إلى تحصيله ؛ كالعلم بجملة الواجبات غير الضرورية كوجوب الترتيب في الوضوء ، وكوجوب تبييت النية في الصوم ، وكوجوب  الإيجاب والقبول في العقود ، وكالعلم بجملة المحرمات غير الضرورية ،  كالعلم بتحريم الغرر في البيع ، وتحريم الانتفاع الشخصي بوقف المساجد الخاص بها .

 

والنظر : هو إعمال الفكر باجتهاد في معرفة حال الشيء وحكمه ، كإعمال الفكر أو الذهن في معرفة حال وحكم النبيذ ، والدخان ، والسفتجة ، والتورق .

 

والاستدلال : وهو البحث عن دليل للحكم ليصل إلى المطلوب ، كأن يبحث الواحد عن دليل وجوب الترتيب في الوضوء مثلاً ، وعن دليل تحريم السفتجة والتورق عندنا .

 

والدليل : هو المرشد إلى المطلوب ، أي : القائد والموصل إلى الحكم ، وله معنيان :

 

الأول : الواضع له ، وهو الله سبحانه وتعالى ، أو غيره ممن ينصبون ويضعون الأدلة عموماً .

 

الثاني : ما يحصل به الإرشاد كقولك الدليل على وجود الله والعالم كذا .

 

وأما الدليل في الاصطلاح – أي عند الأصوليين – فهو : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري أو إلى العلم ، وهو ما بيّناه أولاً ،  والدليل يسمى دليلا سواء أفاد القطع أو الظن .

 

أمثلة : ﭧ ﭨ ﭽ ﮔ    ﮕ  ﮖ ﭼ النور: ٤ هذا دليل قطعي يثبت حكم القاذف ، وهو : حكم قطعي كذالك .

 

ﭧ ﭨ ﭽ ﭸ  ﭹ     ﭺ  ﭻ  ﭼ ﭼ البقرة: ٢٢٨ فهذا دليل قطعي يثبت حكماً ظنياً وهو حكم المطلقة مع غير حمل ، هل عدتها ثلاثة أطهار أم ثلاث حيضات .

 

وقوله  { من كذب علي متعمداً } البخاري / باب العلم / برقم 110 ومسلم / باب الزهد والرقائق / برقم 7702  دليل قطعي ، وقوله { إنما الماء من الماء } رواه مسلم / باب الطهارة / برقم  773 دليل ظني .

 

 

 

الظن

الظن

 

وَالظَّنُّ : تَجْويِزُ اِمرِئٍ أَمرَينِ
فَالرَّاجِحُ الْمَذكورُ ظَنّاً يُسْمَى
وَالشَّكُّ : تَحريرٌ بِلا رُجحانِ
  مُرَجِّحاً لأَحَدِ الأَمرَينِ
وَالطَّرَفُ الْمَرجوحُ يُسمَى وَهْمَا
لِواحِدٍ حَيثُ اِستَوى الأَمرانِ

 

 

 

الظن : هو تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر ،

 

الأول : يسمى الراجح .

 

الثاني : يسمى المرجوح .

 

كمن رأى السحاب يجتمع ، والهواء يحركه ، فيقع في نفسه احتمال نزول المطر وعدم نزوله ، لكن إمكان نزوله أكبر في نفسه ، فيسمى هذا الأمر ظناً ،  لكن نزول المطر راجح وعدم نزوله مرجوح .

 

ومثاله من الشرع : مسألة الغسل من الجماع مع عدم الإنزال ، فدليل ينص على الغسل ، وآخر يدل على عدمه ، لكن الأقوى والأرجح الدليل الذي ينص على الغسل .

 

ومثل مسألة قرء المطلقة : مع غير الحمل فهل عدتها حيضات أم أطهار فجانب راجح وجانب مرجوح ، سواء قلنا القرء هو الحيض أم الطهر .

 

والشك : هو تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر . أي أن الطرفين من المسألة متساويان في الحكم بحيث لا يوجد فيهما راجح أو مرجوح ، هذا مع أنه في اللغة لا فرق بين الظن والشك .

 

أَمَّا أُصُولُ الفِقهِ مَعنًى بِالنَّظَرْ
فِي ذَاكَ طُرقُ الفِقهِ أَعْنِي الْمُجمَلَهْ
وَكَيفَ يُسْتَدلُّ بِالأُصولِ
  لِلْفَنِّ فِي تَعرِيفِهِ فَالْمُعتَبَرْ
كَالأَمرِ أَو كَالنَّهْيِ لا الْمُفَصَّلَهْ
وَالعَالِمُ الَّذِي هُوَ الأُصُولِي

 

كان المصنف – رحمه الله – قد ذكر في تعريف أصول الفقه مجملاً ، – مع أننا قد فصلناه في الشرح – كررذلك مشيراً إلى معناه الاصطلاحي حيث إنه عنده : طرقه على سبيل الإجمال وهي : دلائله مجملة كالكتاب والسنة والإجماع والقياس . وكيفية الاستدلال بها : وهي عمل المجتهد مثل حمل المطلق على المقيد ، وتقديم الخاص على العام وغير ذلك مما سيأتي بيانه بالتفصيل .

 

أبواب أصول الفقه

أبواب أصول الفقه

 

أَبوابُها عِشرونَ بَاباً تُسرَدُ
وَتِلكَ أَقسامُ الكَلامِ ثَُمَّ
أَو خُصَّ أَوْ مُبَيَّنٌ أَو مُجمَلُ
وَمُطلَقُ الأَفْعَالِ ثُمَّ مَا نَسََخْ
كَذَلِِكَ الإِجماعُ وَالأَخْبارُ مَعْ
كَذَا القِياسُ مُطلَقاً لِعِلَّهْ
وَالوَصفُ فِي مُفتٍ وَمُسْتَفْتٍ عُهِدْ
  وَفِي الْكِتابِ كُلُّهَا سَتُورَدُ
أَمرٌ وَنَهْيٌ ثُمَّ لَفظٌ عَمَّا
أَو ظَاهرٌ مَعْناهُ أَوْ مُؤَوَّلُ
حُكْماً سِواهُ مَا بِهِ قَدْ اِنتَسَخْ
حَظْرٍ وَمَعْ إِبَاحَةٍ كُلٌّ وَقَعْ
فِي الأَصْلِ وَالتَّرْتِيبُ لِلأَدِلَّهْ
وَهَكَذَا أَحْكَامُ كُلِّ مُجتَهِدْ

 

ذكر المصنف – رحمه الله تعالى – هنا الأبواب الأساسية في أصول الفقه التي لا ينبغي لطالب هذا العلم  ولا للفقيه الجهل بها ، وهي أقسام الكلام  ، الامر ، النهي ، العام ، الخاص ، المبين ، المجمل ، الظاهر ، المؤول ،  الأفعال ، الناسخ المنسوخ ، الإجماع ، القياس ، الحظر ، الإباحة ، ترتيب الأدلة ، صفة المفتي والمستفتي ، أحكام المجتهدين .

 

 

باب أقسام الكلام

باب أقسام الكلام

 

أَقَــلُّ مَــا مِنْــهُ الْكَـــلامَ رَكَّبـُوا           اِسْمَـانِ أَوْ اِسـمٌ وفِعْـلٌ كَاْرْكَبُوا

كَـذَاكَ مِـنْ فِعلٍ وَحَرفٍ وُجِـدَاْ       وَجَاءَ مِنْ إِسمٍ وَحَرفٍ فِي النِّدَا

 

 

الكلام قسمان :

 

إما أن يكون ألفاظاً مفردة ، ككونه اسماً ، مثل : الله ، محمد ، رجل ، أو فعلاً مثل : يصلي ، يصوم ، كتب ، أُصدق ، أو حرفاً مثل : في ، قد ، الباء للجر .

 

والقسم الثاني : أن يكون ألفاظاً مركبة ، وتركيب الكلام يكون من :

 

1-   إسمين : مثل : الله أحد ، الإسلام جميل ، محمد رسول ، إبراهيم الخليل .

 

2-  إسم وفعل أو فعل وإسم : مثل : الله يعبد ، الاسلام يعلو ، العلم يعز ، ينتصر المجاهدون ، تحجبت المسلمات .

 

 

3-  اسم وحرف : وهذا خاص بالنداء إذ غيره لا يعطي معنى ، مثل : يا الله ، يا خليل ، يا سعد ، والصحيح في تركيب مثل هذه الجمل أنها مركبة من فعل محذوف تقديره : أدعو أو أنادي .

 

4-  فعل وحرف : وهذا التركيب لا يفيد معنى ولا يتركب منه الكلام  لذلك ، مثل : لم يقم ، ما قام ، لن يصلي ، لأنه لا بد من الفاعل .

 

 

وَقُسِــمَ الْكَــلامُ لِلأَخْبَــــــــــارِ      وَالأَمــرِ وَالنَّــهيِ وَالاِسْــــتِخْبَارِ

ثُـمَّ الْكَــلامُ ثَـانِياً قـَدِ اِنْقَسَـــمْ       إِلَـى تَمَـنٍّ وَلِعَـــــــرْضٍ وَقَسَــمْ

 

بدأ المصنف بذكر أقسام الكلام باعتبار ما يدل عليه ، فأقول :

الكلام ينقسم إلى قسمين : خبر وإنشاء :

 

فالخبر : من الكلام كل ما احتمل الصدق والكذب مثل : حضر الرجل صلت المرأة ، هزم الجيش .

 

والإنشاء : ما لا يحتمل الصدق ولا الكذب وهو أقسام :

 

1-  ما أفاد الطلب ، فإنْ تعلق بالفعل فهو الأمر ، مثل : إقرأ ، سلّم ، صل ،وإن تعلق بالترك فهو النهي ، مثل : لا تسرق ، لا تكذب ، لا تغش .

 

2-   الاستخبار أو الاستفهام ، مثل : هل تعرف فلاناً ، أأنت أبو الولد .

 

3-   التمني ، مثل : أتمنى لو كنت أطير ، ليت لي مالاً فأحج منه .

 

4-   القَسَم ، مثل : والله كذا ، ورب الكعبة كذا .

 

5-   العَرْض ، مثل : ألا أحدثك بكلام تحبه .

 

6-   التعجب ، مثل : ما أحسن الصدق ، لله درك .

 

وَثَالِثــاً إِلَــى مَجـــــازٍ وَإِلَـــى      حَقِيقَةٍ وَحَـــــدُّهَا مَــا استُــعْمِلاَ

مِن ذَاكَ فِي مَوضُوعِهِ وَقِيلَ مَا     يَجرِي خِطَاباً فِي اِصْطِلاحٍ قُدِّمَا

أَقْسَــامُهَا ثَـــلاثَــةٌ : شَـــرْعِيُّ     وَالُّلغَــوِيُّ الْــوَضْــعِ وَالْعُــرْفِــيُّ

 

 

انتقل المصنف رحمه الله تعالى إلى ذكر أنواع الكلام من حيث الاستعمال ، فأقول : الكلام يدل على المعنى إما وضعاً أو استعمالاً .

 

فالدلالة الوضعية : هي ما وضع له اللفظ أصالة وتسمى بالحقيقة .

والاستعمالية : هي ما نقل اللفظ فيه من الوضع إلى الاستعمال ليعطي معنى جديداً ، وهو المسمى بالمجاز .

 

 

الحقيقة

 

ما بقي من اللفظ على موضوعه ، أي : على أصل وضعه الأول مثل : دلالة لفظ  “الأسد” على الحيوان المفترس ، و “البحر” على الماء الكثير،

و “الدابة” على كل ما يدب على الأرض .

 

وللحقيقة تعريف ثان هو : ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطبة أي : عند التخاطب ، وعليه فالحقيقة ثلاثة أنواع .

 

1-   لغوية ، مثل : لفظ “الصلاة” فهي في اللغة الدعاء .

 

2-   شرعية ، مثل : لفظ “الصلاة” فهي في الشرع العبادة المعروفة .

 

3-  عرفية ، مثل : لفظ “الصلاة” إذا أطلقت على الصلاة المعروفة عند انحباس المطر ، وهي صلاة الاستسقاء ، ومثل : لفظ “دابة” إذ دلالة الخطاب في عرف الناس أنها ما دلت على ذوات الأربع .

 

 

 

المجاز

المجاز

 

 

المجاز : وهو ما تجوز به عن موضوعه سواء قيل : هو ما استعمل في غير موضوعه الأول ، أو ما استعمل في غير ما اصطلح عليه في المخاطبة ، إذن فالمجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له بقرينة تصرفه من المعنى الأول إلى المعنى الثاني . مثال : كلمة “أسد” الدالة على الحيوان المعروف وحين تطلق على الرجل ، فتكون القرينة جامع القوة في الإثنين ، ولهذا قال الناظم :

 

 

أنواع المجاز

 

ثُمَّ الْمَجَازُ مَا بِهِ تُجُوِّزَاْ
بِنَقْصٍ اَوْ زِيادَةٍ أَو نَقْلِ
وَهْوَ الْمُرادُ فِي سُؤَالِ الْقَرْيَهْ
وَكَازْدِيادِ الْكافِ فِي كَمِثلِهِ
رَابِعُهَا كَقَولِهِ تَعَالَى
  فِي الَّلفْظِ عَنْ مَوضُوعِهِ تَجَوُّزَا
أَوِ اِستِعَارَةٍ كَنَقْصِ أَهْلِ
كَمَا أَتَى فِي الذِّكرِ دُونَ مِرْيَهْ
وَالغائِطِ الْمَنقُولِ عَنْ مَحَلِّهِ
يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ يَعْنِي مَالاَ

 

هو في هذه الأبيات ذكر – بعد تعريف المجاز الذي ذكرناه قبل – أنواع المجاز حيث قسمه إلى اربعة أقسام :

المجاز بالزيادة ، المجاز بالنقص ، المجاز بالاستعارة ، المجاز بالنقل .

1- المجاز بالزيادة : ومثلوا له بقوله ﭨ ﭽ ﭡ  ﭢ        ﭣﭤ   ﭥ     ﭦ  ﭧ  ﭼ الشورى: ١١ فقالو هذا مجاز بزيادة الكاف ، لأنها استعملت في غير ما وضعت له .

2- المجاز بالنقصان : مثل قوله ﭨ ﭽ ﮚ  ﮛ ﭼ يوسف: ٨٢ فالنقص فيها كلمة “أهل” أي : واسئل أهل القرية ، والقرينة هنا عقلية لأن العقل يحيل مخاطبة القرية دون أهلها .

 

3-المجاز بالاستعارة : مثل قوله ﭨ ﭽ ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ الكهف: ٧٧ والإرادة في الحقيقة لمن له حياة ، فأخذت – استعيرت – وأعطيت للجماد الذي لا إرادة له والقرينة إشرافه على الانهدام وهي قرينة حالية .

 

4-المجاز بالنقل : مثل : تسمية ما يخرج من الإنسان “بالغائط” مع أن الغائط اسم للمكان المنخفض من الأرض يُقصد عند الحاجة للاستتار به ، فنقل اسم الموضع إلى ما يخرج من الإنسان .

 

 

 

باب الأمر

باب الأمر

 

وَحَدُّهُ : اِسْتِدعاءُ فِعلٍ وَاجِبِ
بِصِيغَةِ اِفْعَل فَالْوُجُوبُ حُقِّقَا
لاَ مَعْ دَلِيلٍ دَلَّنَا شَرْعاً عَلَى
بَلْ صَرْفُهُ عَنِ الْوُجوبِ حُتِّمَا
  بِالْقَولِ مِمَّنْ كَانَ دُونَ الطَّالِبِ
حَيثُ الْقَرِينَةُ انتَفَت وَأُطْلِقَا
إِبَاحَةٍ فِي الْفِعلِ أَو نَدْبٍ فَلاَ
بِحَملِهِ عَلَى الْمُرادِ مِنهُمَا

 

 

ذكر المصنف رحمه الله تعالى من أقسام – دلالة الكلام على المعنى – أن منه ما يدل على الطلب ، فإن كان طلب الفعل – وهو المقصود هنا – فهو الأمر .

 

والأمر : استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب بصيغة تدل عليه متجردة عن قرينة تصرفها عن الوجوب إلى غيره . وفي هذا بيان :

 

أولاً : شروط الأمر ، وهي :

 

1-   الآمرولابد فيه من أن يكون بأمره فوق المأمور .

 

2-   أن يدل بصيغة تحمل معنى الأمر .

 

3-   أن لا توجد قرينة تصرف الفعل عن الوجوب .

 

 

أمثلة لذلك : كأن يقول المعلم لتلميذه : “قم” أو السيد لخادمه : “نظف الحديقة” أو المسؤول لعامله : “أنجز عملك” .

 

ثانياً : صيغة الوجوب ، وهي :

 

1- صيغة فعل الأمر ، وهي : “افعل” مثل : “أوفوا بالعقود ” و “وأقيموا الصلاة” و “واعبدوا الله” .

 

2- اسم فعل الأمر ، مثل : “حي على الصلاة” فحي اسم فعل أمر يدل الطلب ، و”عليكم أنفسكم” فعليكم اسم فعل أمر يدل على الطلب .

 

3-  الفعل المضارع الذي سيق مساق الخبر ليفيد الطلب أو اتصلت به لام الأمر ، مثل : قوله ﭨ ﭽ  ﮪ  ﮫ  ﮬ ﭼ البقرة: ٢٣٣  “فيرضعن” خبر دل على الطلب بدلالة السياق . و قوله ﭨ ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ ﭼ البقرة: ٢٣٤ “فيتربصن” خبر مفاده الطلب . وقوله ﭨ ﭽ ﮟ  ﮠ ﭼ النور: ٣١ فقوله “وليضربن” يفيد الطلب لوجود لام الأمر ، قوله ﭨ ﭽ ﮈ  ﮉ ﭼ النور: ٢٢ فهما فعلان مضارعان يفيدان الطلب لوجود لام الأمر .

 

4- المصدر النائب عن فعله ، مثل : قوله ﭨ ﭽ ﮆ  ﮇ   ﭼ محمد: ٤  “فضرب” مصدر بمعنى اضربوا فهو للطلب ، ومثل : قوله ﭨ ﭽ ﭞ  ﭟ  ﭼ النساء: ٩٢  “فتحرير” مصدر بمعنى حرروا فهو للطلب .

 

 

ثالثا : المعاني التي ترد لها صيغة الأمر :

 

ترد صيغة الأمر لمعانٍ كثيرة جداً ، وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرائن تفيد الوجوب كما مثلنا آنفاً ، فإن اقترنت بالأمر قرينة حمل على غير الوجوب ، مثل :

 

1- أن يفيد الندب ، مثال : قوله ﭨ ﭽ ﯨ  ﯩ  ﯪﯫ  ﭼ البقرة: ٢٨٢  فقد ثبت بيع النبي  دون أن يشهد ، والحديث عند أحمد وأبي داود وغيرهما ، وهو حديث خزيمة المعروف .

 

وقوله ﭨ ﭽ ﭶ  ﭷ    ﭸ  ﭹ  ﭺﭻ  ﭼ النور: ٣٣  وقد ثبت أن الصحابة لم يكاتبوا في حضرة النبي  .

 

2-   أن يفيد التأدب { … كل مما يليك } رواه البخاري 5376 .

 

3-   أن يفيد الإباحة مثل { كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت } رواه البخاري 7/182 ومعناه في نفس البخاري مرفوع .

ومن صور الإباحة الأمر بعد الحضر ، مثل : قوله ﭨ ﭽ ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ     ﭼ الجمعة: ١٠  بعد قوله في المنع من التجارة  ﭽ ﭞ  ﭟﭠ  ﭼ الجمعة: ٩ . ومثل : قوله ﭨ ﭽ ﯝ  ﯞ  ﯟﯠ   ﭼ المائدة: ٢ بعد قوله تعالى ﭽ ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜﮝ  ﭼ المائدة: ١

 

4- الدعاء ، مثل : قوله ﭨ ﭽ ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ   ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﭼ البقرة: ٢٠١ وقوله ﭨ ﭽ ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ    ﭼ الأحزاب: ٦٨

وانظر باقي المعاني في المطولات .

 

 

 

مسائل الأمر

مسائل الأمر

 

وَلَم يُفِدْ فَوراً وَلاَ تَكْرَارَا     إِنْ لَمْ يَرِدْ مَا يَقتَضِي التِّكْرَارَا

 

انتقل المصنف إلى مسألتين من مسائل الأمر :

 

 

الأولى : هل الأمر يقتضي التكرار ، أقول : الأمر ينقسم إلى قسمين :

 

1- مطلق : أي غير متعلق بزمن معين ، والصحيح وهو مذهبنا نحن الشافعية – في هذا أنه لا يقتضي التكرار ، لأن مدلول صيغة الأمر طلب الفعل ولو مرة ، ولا يتعين التكرار بمجرد الصيغة بل من أمر خارجي ، مثل : قوله ﭨ ﭽ ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ    ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ ﭼ آل عمران: ٩٧  و : قوله ﭨ ﭽ ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﭼ البقرة: ٢٦٧ في الصدقات المطلقة .

 

2-  مقيد : وهو ما علق الفعل فيه بزمن متكرر ، فيتكرر الفعل بتكرره مثل : قوله ﭨ ﭽ ﭭ   ﭮ  ﭯ  ﭰ ﭼ الإسراء: ٧٨  ودلوك الشمس : أمر يومي ، وكأن الله تعالى يقول إذا دلكت الشمس كل يوم فصلوا . وقوله ﭨ ﭽ ﭦ       ﭧ  ﭨ  ﭼ البقرة: ١٨٣ . و { إذا جاء رمضان فصم } رواه الطبراني وهو حديث صحيح . فكأن الشارع قال : صوموا كلما جاء رمضان .

 

ومن المسائل الحادثة التي تصلح مثالاً على هذا النوع : كثرة المؤذنين الذين يؤذنون الواحد تلو الآخر . فعليه فمن قال بالتكرار قال بأن السامع يردد خلف كل مؤذن ، ومن قال بعدم التكرار قال : يكفيه أن يردد خلف واحد منهم . ثم ذكر المصنف المسألة الأخرى وهي : هل الأمر يقتضي الفور أو لا ؟ والصحيح في هذه المسألة أن الأمر يفيد إيجاد الفعل من غير نظر إلى تعلقه بالزمن الأول أو الثاني مثل : الأمر بفعل الصلاة فالمطلوب إيجادها سواء في أول الوقت أو في آخره ، وكذا في كل عبادة هذه صورتها .

 

تتمة

 

الأفعال إن تضيق وقتها بحيث لا يسع أكثر منها وجب فعله فوراً ، فإن تأخر بما يخرج ولو جزءاً يسيراً منها عن وقته أثم .

 

وَالأَمرُ بِالفِعلِ الْمُهِمِّ الْمُنْحَتِمْ
كَالأَمرِ بِالصَّلاةِ أَمْرٌ بِالْوُضُو
وَحَيثُمَا إِنْ جِيءَ بِالْمَطْلُوبِ
  أَمرٌ بِهِ وَبِالَّذِي بِهِ يَتِمْ
وَكُلِّ شَيءٍ لِلصَّلاةِ يُفْرَضُ
يُخْرَجْ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الوُجُوبِ

 

شرع المصنف يبين مسألة “مقدمة الوجوب” أو “ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب” ، وعليه فإن الأمر بالصلاة أمر بما يتقدمها بما لا تصح بدونه كالطهارة من الحدثين ، وكذا كل واجب تتوقف صحته على غيره ، ومثل : عقد النكاح عند إرادته حيث يجب فيه إذن الولي إذ لا يصح إلا به

 

وأما ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب ، كنصاب الزكاة ، فلا يجب تحصيله أي المال حتى تجب الزكاة على المسلم لكن إن تحصل المال وجبت الزكاة وكذا ذكر المصنف حكم من فعل المأمور به أنه يخرج عن العهدة بفعله فإن لم يفعله بقي مطالبا به ولم تبرأ ذمته .

 

 

 

باب النهي

باب النهي

 

تَعْرِيفُهُ : اِسْتِدعَاءُ تَركٍ قَدْ وَجَبْ   بِالقَولِ مِمَّنْ كَانَ دُونَ مَن طَلَبْ

 

انتقل المصنف إلى مبحث جديد من دلالات اللفظ وهو : النهي .

تعريفه : هو طلب الترك من الأدنى على سبيل الحتم والإلزام مثل : ﭽ ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﭼ آل عمران: ١٣٠ و ﭽ ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ    ﭼ المائدة: ٨٧ و ﭽ  ﮧ  ﮨ  ﮩ   ﮪ  ﭼ الإسراء: ٢٣ وكأن يقال ولا تسرقوا ولا تزنوا ، والنهي يفيد التحريم ، إلا لقرينة .

 

فائدة : سبق الكلام عن الفرق بين الباطل والفاسد فارجع إليه .

 

 

 

وَأَمـرُنَا بِالشَّــيءِ نَهْــيٌ مَــــانِعُ

   

 

مِــنْ ضـدِّهِ وَالعَكسُ أَيضـاً وَاقِــعُ

 

الأمر بالشيء نهي عن ضده أو عن أضداده إن تعددت ، كمن قيل له “قف” : فهو نهي عن ضده وهو “المشي” ، وكمن قيل له “اتكىء” فهو نهي له عن “النوم والاضطجاع” وكذا النهي أمر بضده ، كما لو قيل : “لا تقف” فكأنك تقول له “تحرك” أو “امش” وهكذا .

 

وَصِيغَةُ الأَمرِ الَّتِي مَضَتْ تَرِدْ
كَمَا أَتَتْ وَالقَصْدُ مِنهَا الْتَّسْوِيَهْ
  وَالْقَصدُ مِنْهَا أَنْ يُبَاحَ مَا وُجِدْ
كَذَا لِتَهْدِيدٍ وتَكْوِينٍ هِيَهْ

 

سبق في مبحث الأمر أن ذكرنا شيئا من معاني صيغته ، وهنا نذكر شيئا من معاني صيغة النهي ، نقول :

 

1-   للتحريم : مثال قوله تعالى : ﭽﮊ  ﮋ  ﮌﭼ الإسراء: ٣٢

2-   الكراهة : مثال قوله تعالى : ﭽ ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ   ﯔ  ﯕ  ﯖ   ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﭼ المائدة: ١٠١

3-   الدعاء : مثال قوله تعالى : ﭽ ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ   ﯱ  ﭼ آل عمران: ٨

4-   الاحتقار : مثال قوله تعالى : لا تمدنَّ عينيك إلى ما متعنا بهِ أزواجاً منهم ﭼ الحجر: ٨٨

 

فصل

فيمن تناوله خطاب التكليف

ومن لا يتناوله ومن المكلف

 

وَالْمُؤمِنُونَ فِي خِطابِ اللهِ
وَذُا الْجُنُونِ كُلُّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا
فِي سَائِرِ الفُرُوعِ للشَّرِيعَهْ
وَذَلِكَ الإِسْلامُ فَالْفُرُوعُ
  قَدْ دَخَلُوا إِلاَّ الصَّبِي وَالسَّاهِي
وَالْكَافِرُونَ فِي الْخِطابِ دَخَلُوا
وَفِي الَّذِي بِدُونِهِ مَمْنُوعَهْ
تَصْحِيحُهَا بِدُونِهِ مَمْنُوعُ

 

تعرض المصنف إلى أهليه المكلف وكونه محلاً لخطاب الشرع ، أو أنه غير محل له ، فالمخاطبون بالشرع إجمالاً قسمان : الأول : المسلمون والثاني : الكافرون . والمسلمون قسمان :

 

الأول : محل للتكليف ، والثاني : غير محل للتكليف .

 

والقسم الثاني : إما أن يكونوا غير محل للتكليف مطلقاً ، كالمجنون أبداً أو زمناً ينتهي إلى حين كالصغير ، وإما أن يكونوا غير محل للتكليف زمنا يتخلل زمن تكليفه كالنائم والناسي والحائض . أما الكافر فالصحيح أنه مكلف بالشرع أمراً ونهياً عقداً وشريعة .

 

الأدله على كل ما مضى :

 

1-   إن من شرط الخطاب قدرة المكلف على فهمه ، وهو مفقود في البعض كالساهي والمجنون .

 

2-  قوله  { رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق } رواه ابوداود \ كتاب الحدود \ برقم 4400

 

3-   إن مقتضى الخطاب الشرعي امتثال الأمر والنهي ، وهذا مفقود في الصبي والمجنون .

 

4-  ﭽ ﰛ  ﰜ     ﰝ    ﰞ   ﰟ    ﰠ  ﰡ  ﰢ  ﰣ  ﰤ  ﰥ  ﭼ المدثر: ٤٣ – ٤٤  فهذا دليل على تعذيب الكفار زيادة على تعذيبهم على ترك التوحيد ، مما يدل على تكليفهم بالصلاة وغيرها .

 

5-  من المعلوم أن أمر الله تعالى العبد بالصلاة أمر بالوضوء ، فمن صلى بغيروضوء عوقب على فعله وعلى تركه الوضوء ، فكذلك الكافر لما كان يمكنه ان ياتي بشرط العبادة وهو الإسلام فتركه عوقب على تركه وترك العبادة ، وهذا كله على الصحيح الذي هو مذهبنا .

 

 

باب العام

باب العام

 

وَحَدُّهُ : لَفْظٌ يَعُمُّ أَكْثَرَا
مِنْ قَوْلِهِمْ عَمَّمْتُهُمْ بِمَا مَعِي
  مِنْ وَاحِدٍ مِنْ غَيرِ مَا حَصْرٍ يُرَى
………………………………

 

من دلالة الألفاظ على المعاني أن تكون عامة ، والعموم أو العام هو : لفظ يدل على كل ما يصلح إطلاقه عليه ، فيشملهم بلا استثناء . مثل الألفاظ التالية : الناس : تدل هذه الكلمة على كل من يسمون ناسا دون النظر الى لون او جنس او دين ، ﭧ ﭨ ﭽ ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ ﭼ البقرة: ٢١ ومثل “المسلمات” فهي كلمة تدل على كل مسلمة بلا استثناء ، وهكذا .

 

ألفاظ العموم

 

……………………………
الْجَمْعُ وَالْفَرْدُ الْمُعَرَّفَاْنِ
وَكُلُّ مُبْهَمٍ مِنَ الأَسْمَاءِ
وَلَفظُ (مَنْ) فِي عَاقِلٍ وَلَفظُ (مَا)
وَلَفظُ (أَيْنَ) وَ(هُوَ) لِلْمَكانِ
وَلَفْظُ (لاَ) فِي النِّكِراتِ ثُمَّ مََا
ثُمَّ الْعُمُومُ أُبْطِلَتْ دَعْوَاهُ
  وَلْتَنحَصِر أَلْفَاظُهُ فِي أَرْبَعِ
بِالَّلامِ كَاللْكَافِرِ وَالإِنْسَانِ
مِنْ ذَاكَ مَا لِلْشَّرْطِ مِِنْ جَزَاءِ
فِي غَيْرِهِ وَلَفظُ (أَيٍّ) فِيهِمَا
كَذَا (مَتَى) الْمَوضُوعُ لِلزَّمَانِ
فِي لَفظِ (مَنْ) أَتَى بِهَا مُسْتَفْهِمَا
فِي الْفِعْلِ بَلْ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ

 

هذا والعموم له ألفاظ وصيغ تدل عليه فمنها :

 

1-ألفاظ الجموع المعرّفة كقولك (الرجال) (الفقهاء) ﭧ ﭨ ﭽ ﮬ  ﮭﭼ التوبة: ٥ وهكذا .

 

2- المفرد المعرف كقولنا “الرجل أفضل من المرأة” و”الدينار خير من الدرهم” ﭧ ﭨ ﭽ ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭼ العصر: ٢ و ﭧ ﭨ ﭽ ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫﭬ  ﭼ البقرة: ٢٧٥ وهكذا .

 

3-الاسم المبهم ومنه :

 

أ. مَنْ : والجمهور على اختصاصها بالعاقل : ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ   ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭼ النمل: ٨٩ وقوله  { من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة } رواه البخاري \ في الجزية \ برقم 3166 وغيره

 

ب. ما : والجمهور على انها لغير العاقل ، مثل : ﭧ ﭨ ﭽ ﭷ  ﭸ  ﭹﭺ   ﭼ النحل: ٩٦  ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗﭘ  ﭼ آل عمران: ١٠٩

 

ج. أي : وهي تعم العاقل وغيره ، مثل : “أي رجل جاء فأكرمه” و “أي شيء يأتيني منك لا أرده” .

 

د. أين : وعمومها متعلق بالمكان ، مثل : “أين تجلسْ أجلسْ” .

 

هـ. متى : وعمومها في الزمان ، مثل : “متى جئتني أكرمتك” .

 

و. ما : في الاستفهام والجزاء : ﭧ ﭨ ﭽ ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ  ﭼ طه: ١٧ .  فهذه استفهام ، وأما الجزاء ، فمثل : “ما تصنعْ أصنعْ” .

 

ز. ما : ولا : في النكرات ، فإن النكرة في مساق النفي تعم: قال تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ)، فكلمة نفقة نكرة سبقت بالنفي بما فتعم كل نفقة ، ومثل : “لا رجل في الدار” فرجل نكرة سبق بالنفي فأفاد العموم .

 

ح. ومن الألفاظ الأساس في هذا الباب كلمة “كل” ﭧ ﭨ ﭽ ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﭼ الرحمن: ٢٦ و”كل حي يموت” وكذلك كلمة “جميع” ﭧ ﭨ ﭽ ﮂ  ﮃ         ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ ﭼ يس: ٣٢  ومثل : هاتين الكلمتين الأسماء الموصولة : ﭧ ﭨ ﭽ ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﭼ البقرة: ٢٤٥  و ﭧ ﭨ ﭽ ﯛ  ﯜ    ﯝ  ﯞ ﭼ الطلاق: ٤

 

ثم ختم المصنف بحث العموم بأن بين أن دلالة العام تتعلق باللفظ ، ولا تتعلق بالفعل ، ولذا يقولون : ( والفعل لا عموم له ) .

 

مثال الفعل : كون الصحابة رضي الله عنهم رأوا رسول الله  يجمع في السفر ، فلا يصح التعميم في السفر الطويل والقصير ، ويأخذ حكم الفعل في عدم التعميم ما يجري مجرى الفعل كبعض صور القضايا ، كقضائه  بالشفعة للجار ، فلا يحمل على كل جار بل على الشريك وحده ، وكقضائه بشاهد ويمين فيحمل على بعض الاشياء دون بعض وليس على العموم .

 

تتمة

هذا ضابط يمكن من خلاله لمن يغيب عنه كون اللفظ عاما أو غير عام بأن يجري عليه عملية الاستثناء ، فإن قبل اللفظ الاستثناء فهو عام وإلا فلا .

مثال : “رجل” جاء رجل إلى المسجد . نقول : هل يصح الاستثناء ، فان صح فهو عام .

قلت : ولا يصح فليس بعام .

 

مثال : آخر “النساء” مثال : جاءت النساء الا عشر ، نقول : فهذا اللفظ عام لصحة استثنائنا منه ، ولهذا يقولون : “الاستثناء معيار العموم” .

 

 

باب الخاص

باب الخاص

 

وَالْخَاصُّ : لَفظٌ لا يَعُمُّ أَكْثَرَا
وَالقَصدُ بِالتَّخصيصِ حَيثُمَا حَصَلْ
  مِنْ وَاحِدٍ أَوْ عَمَّ مَعْ حَصْرٍ جَرَى
تَمْيِيزُ بَعضِ جُملَةٍ فِيْهَا دَخَلْ

 

الخاص : لفظ يقابل العام ، والتخصيص تمييز بعض الجملة بالإخراج من العام بعد أن كان هذا البعض داخلا فيه : ﭧ ﭨ ﭽ ﮬ  ﮭ ﭼ التوبة: ٥  فهذا عام في كل مشرك ، لكن خرج منهم المعاهد ونحوه ، وكذا :  ﭧ ﭨ ﭽ ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ   ﮩﮪ  ﭼ البقرة: ١٨٥  وهذا عام خرج منه المريض والمسافر ومثل : { نهى عن بيع المزابنة ، وأرخص في العرايا } الموطأ \ البيوع \ برقم 1347 فبيع الرطب بالتمر الجاف لا يجوز ، وهذا عام خرج منه ما يحتاجه الناس وهو العرايا ،  والخاص ما دل على الواحد أو أكثر مع الحصر كعشرة ، فالعشرة خاص لأنها عدد يدل على معين . فهذه جملة أدلة تبين معنى التخصيص وجوازه مطلقاً .

 

 

أنواع التخصيص أو أقسام التخصيص

 

التخصيص ينقسم إلى قسمين :

 

الاول : المتصل ، ويشمل الاستثناء ، الشرط ، الصفة .

 

الثاني : المنفصل ، ويشمل التخصيص بالكتاب ، والسنة ، والقياس .

 

واليك بيانها كاملا :

 

 

وَمَا بِهِ الْتَّخْصِيصُ إِمَّا مُتَّصِلْ
فَالشَّرطُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَصفِ اِتَّصَلْ
وَحَدُّ الاِسْتِثْنَاءِ : مَا بِهِ خَرَجْ
وَشَرْطُهُ أَنْ لاَ يُرَى مُنْفَصِلاَ
وَالنُّطْقُ مَعْ إِسْمَاعِ مَنْ بِقُرْبِهِ
وَالأَصلُ فِيهِ أَنَّ مُسْتَثْنَاهُ
وَجَازَ أَنْ يُقَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى
  كَمَا سَيَأْتِي آنِفاً أَو مُنْفَصِلْ
كَذَاكَ الاسْتِثْنَا وَغَيْرُهَا اِنْفَصَلْ
مِنَ الكَلامِ بَعْضُ مَا فيهِ اِنْدَرَجْ
وَلَم يَكُن مُسْتَغْرِقاً لِمَ خَلاَ
وَقَصدُهُ مِنْ قَبلِ نُطقِهِ بِهِ
مِن جِنسِهِ وَجَازَ مِن سِوَاهُ
وَالشَّرطُ أَيْضاً لِظُهُورِ الْمَعنَى

 

 

المخصص المتصل وأنواعه

 

المخصص المتصل :

هو أن ياتي النص العام ويعقبه المخصص ، وأول أقسامه حسب ترتيب المصنف :

 

الشرط :

وهو يجوز أن يتقدم على المشروط نحو : “ان جاءك السائل فلا تنهره” و: ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ   ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭼ النمل: ٨٩  و { اذا بويع لخليفتين  فاقتلو الاخر منهما } رواه مسلم \ الإمارة \ 4905  .

 

ويجوز ان يتاخر عنه مثل : “اكرم زيدا اذا جاءك” و: ﭧ ﭨ ﭽ ﭶ  ﭷ    ﭸ  ﭹ  ﭺ ﭼ النور: ٣٣ .

 

الاستثناء :

وهو أكثر المخصصات وروداً وهو : إخراج ما بعده مما قبله ، ويعبرون عنه بـ : “إخراج ما لولاه لدخل في الكلام أو في العام” وله شرطان :

 

الأول : أن يبقى من المستثنى منه “العام” شيء بعد التخصيص مثل : “له علي عشرة دنانير إلا خمسة” وكذا لو قال : “إلا تسعة عندنا” .

 

الثاني : أن يكون الاستثناء متصلا ، بحيث لا يحصل فاصل بينهما إلا أن كان العرف جاريا عليه ، كمن قال “له علي عشرة” ثم سكت ساعة ، ثم قال إلا أربعة ، فهذا الاستثناء غير صحيح ، لأنه لم يتصل بالمستثنى منه ، ونقل التجويز عن ابن عباس ، والبعض طعن في هذا النقل .

 

هذا وهناك شرط ضمني في صحة الاستثناء وهو : أن ينطق به وأن يقصده قبل نطقة ، فمجرد النية وحدها لا تكفي .

 

جواز تقديم المستثنى على المستثنى منه :

 

مثل : “ما قام إلا زيداً أحد” ومنه قول الكميت الأسدي :

 

وماليَ إلا آلَ أحمد شيعةٌ    وماليَ إلا مذهبَ الحق مذهبُ

 

جواز الاستثناء من الجنس وغيره :

 

مثل : “له علي تسعون درهماً إلا عشرة” فهذا استثناء من الجنس ، ويسمى الاستثناء المتصل ، ومثل : “رأيت الناس إلا حماراً” وهذا اسمه استثناء منقطع ، لأن الحمار ليس من جنس الناس ، وعليه ﭧ ﭨ ﭽ ﯶ  ﯷ  ﯸ   ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ       ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ   ﭼ الحجر: ٣٠ – ٣١

 

قلت : ومذهبنا جواز هذا النوع مطلقاً .

 

 

الصفة :

وهو المخصص المتصل الثالث : وهو ما يعرف بـ : حمل المطلق على المقيد ، فقد يرد الفظ مطلقاً من غير قيد في موضع ، وقد يرد مقيداً بقيد في موضع آخر ، وتكون مناسبة بين اللفظ الأول والثاني ، بحيث لا يناسب إعمال كل واحد منهما على حدة ، فيجمع بين النصين ليعمل بهما معاً .

 

مثال : ﭧ ﭨ ﭽ ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ     ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍﮎ  ﭼ المجادلة: ٣ فقوله : رقبة مطلقة عن القيد ، وهذا في كفارة الظهار ، وقوله تعالى في كفارة القتل الخطأ  ﭽ ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭼ النساء: ٩٢  فقوله : رقبة مؤمنة ، قيد اللفظ بوصف الإيمان .

 

وبين كفارة الظهار وكفارة القتل مناسبة تقتضي الجمع بين النصين والعمل بهما معاً ، فيؤخذ الوصف في اللفظ المقيد ويعطى للفظ المطلق ، فيصير الحكم في الكفارتين ان تكون الرقبتان مؤمنتين ، وهذا هو حمل المطلق على المقيد،

قال المصنف :

 

وَيُحْمَلُ الْمُطلَقُ مَهْمَا وُجِدَا
فَمُطلَقُ التَّحْرِيرِ فِي الأَيْمَانِ
فَيُحمَلُ الْمُطلَقُ فِي التَّحْرِيرِ
  عَلَى الَّذِي بِالوَصفِ مِنهُ قُيِّدَا
مُقَيَّدٌ فِي القَتلِ بِالإِيمانِ
عَلَى الَّذِي قُيِّدَ فِي التَّكفِيرِ

ومن أراد زيادة بيان حول متى يحمل المطلق على المقيد وما هي صوره فعليه بالمطولات .

 

التخصيص

 

ثُمَّ الْكِتابَ بِالكِتابِ خَصَّصُوا
وَخَصَّصُوا بِالسُّنَّةِ الْكِتَابَا
وَالْذِّكرُ بِالإِجْمَاعِ مَخْصُوصٌ كَمَا
  وَسُنَّةٌ بِسُنَّةٍ تُخَصَّصُ
وَعَكسَهُ اِسْتَعْمِلَ يَكُنْ صَوَاباً
قَدْ خُصَّ بِالقِيَاسِ كُلٌّ مِنهُمَا

 

النوع الأول : تخصيص الكتاب بالكتاب :

 

مثال : ﭧ ﭨ ﭽ ﭸ  ﭹ     ﭺ  ﭻ  ﭼﭽ  ﭼ البقرة: ٢٢٨ فهذا عام في كل مطلقة ، لكن جاء ما يخرج بعض المطلقات إلى حكم آخر وهن الحوامل اذ تختلف عدة طلاقهن ، وفي ذلك ﭧ ﭨ ﭽ ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ ﭼ الطلاق: ٤ .

ومثل : قوله ﭨ ﭽ ﮊ    ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ ﭼ النساء: ٣ فهذا عام خصصه ،  قوله ﭨ ﭽ ﮃ  ﮄ  ﮅ ﭼ النساء: ٢٣

 

النوع الثاني تخصيص الكتاب بالسنة :

 

سواء كانت متواترة أو آحاداً لجريان عمل الصحابة على ذلك من غير نكير ، مثل : تخصيص قوله ﭨ ﭽ ﮓ  ﮔ   ﮕ  ﮖ ﭼ النساء: ١١ بقوله

{ القاتل لا يورث } أخرجه الدارمي \ كتاب الفرائض \ برقم 3143 وغيره ، والصحيح انه حسن يمكن الاحتجاج به وكتخصيص قوله ﭨ ﭽ ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ ﭼ النساء: ٢٤ وقوله   { لاتنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها } البخاري \النكاح \5108 \ مسلم \ النكاح \ برقم 3506 واللفظ لمسلم.

 

النوع الثالث تخصيص الكتاب بالإجماع :

 

كتخصيص قولهﭨ ﭽ ﮌ  ﮍ  ﭼ النور: ٤ خصص بالاجماع على ان العبد لا يجلد ثمانين حد القذف بل أربعين على النصف .

 

تخصيص السنة بالكتاب :

 

كما يخصص الكتاب بالسنة ، تخصص السنة بالكتاب أيضاً ، مثل : قوله   { لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ } ابي داود \ الطهارة \ برقم 60 خصص بقوله ﭨ ﭽ ﭨ  ﭩ           ﭪ  ﭫ    ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ   ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ ﭼ المائدة: ٦

 

وكتخصيص قوله  { ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة } ، وفي لفظ { فهو ميت } الترمذي \ الصيد والذبائح \ 1555 خصص بقوله ﭨ ﭽ ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭼ النحل: ٨٠

 

تخصيص السنة بالسنة :

 

ويجوز تخصيص السنة بالسنة كتخصيص عموم { نهيه  عن بيع الرطب بالتمر } البخاري \ البيوع \ 2191 خصص بأنه  { أرخص في العرية } البخاري \ البيوع \ 2191 – وكتخصيص قوله  { فيما سقت السماء العشر} رواه البخاري \ الزكاة \ 1483 – حيث أنه عام في كل ما يخرج من الأرض ولو قل لكن خصص بقوله  { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } رواه البخاري \ الزكاة \1447

 

تخصيص الكتاب والسنة بالقياس :

 

وعلى جوازه جمهور الشافعية خصوصاً إذا كان القياس منصوصا على علته أو مجمعا عليها ، وهو المسمى بالقياس الجلي أو القطعي ، مثاله قولهﭨ ﭽ ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﭼ التوبة: ١٠٣ ، فإن الفقير لا تؤخذ منه الزكاة لعدم المال فيخص قياساً على الفقير المديون الذي يستغرق دينه ماله لأن حكمه حكم الفقير العادم للمال ، وتطلب باقي المباحث في المطولات .

 

 

 

باب المجمل والمبين

باب المجمل والمبين

 

مَا كَانَ مُحتَاجاً إِلَى بَيانِ
إِخراجُهُ مِن حالَةِ الإِشْكَالِ
كَالْقُرْءِ وَهْوَ وَاحِدُ الأَقْرَاءِ
  فَمُجمَلٌ ، وَضابِطُ البَيَانِ
إِلَى التَّجَلِّي وَاتِّضَاحِ الْحَالِ
فِي الْحَيضِ وَالطُّهْرِ مِنَ الْنِّساءِ

 

المجمل : مأخوذ من الجَمل وهو الجمع .

 

وفي الاصطلاح : ما احتاج إلى بيان ، بحيث يخرج المجمل ليصير واضحا ، وفي اصطلاح الفقهاء : وهو يمثل تفسيرا لقول الأصوليين كل لفظ لا يعلم المراد منه عند إطلاقه ، بل يتوقف على ما يبينه .

 

مثال : قوله ﭨ ﭽ ﭸ  ﭹ     ﭺ  ﭻ  ﭼﭽ  ﭼ البقرة: ٢٢٨ فالقرء كلمة تدل على معنيين وهذا إجمال يحتاج إلى بيان ، وهو اختيار أحد معنيي كلمة “قرء” ، فبينته الشافعية بقرينة من النص : بالطهر . ومثل : قوله ﭨ ﭽ ﮧ  ﮨ  ﮩﮪ  ﭼ البقرة: ٦٧  فهذا لفظ مجمل لجنس البقر ، جاءت باقي الآيات فبينت المقصود .

 

المراد بالمبين : وهو النص الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا ، بحيث لا يتطرق إليه احتمال أخر ، وقد يكون البيان كتابا ، وقد يكون سنة .

 

مثل : قوله ﭨ في بيان البقرة المراد ذبحها ﭽ ﯾ  ﯿ  ﰀ ﭼ البقرة: ٦٩  فهذا لفظ لا يحتمل غيره .

 

ومثل : قوله  حين بين المراد من قوله تعالى وهو مجمل : ﭽ ﯕ  ﯖ  ﯗ     ﯘﯙ  ﭼ الأنعام: ١٤١ فبينه بقوله  { فيما سقت السماء العشر } رواه البخاري \ الزكاة \ 1483 – فهذا بيان بالقول .

 

وقد يكون البيان بالفعل ، كما بين رسول الله  قوله ﭨ ﭽ ﮛ  ﮜ ﭼ البقرة: ٤٣ بينه بياناً لا يحتمل زيادة ولا نقص حين صلى أمام الناس ثم قال { صلّوا كما رأيتموني أصلّي } رواه البخاري \ الآذان \ 631

 

قلت : وهذا عند اهل العلم يسمى : النص ، لانه لوضوحه لا يحتاج الى بيان ، وهو مأخوذ من منصة العروس ، ولذا قال بعضهم فيه : ما تأويله تنزيله اي ان : مجرد نزول لفظه يكفي في الدلالة على معناه ، ولهذا قال الناظم رحمه الله :

 

وَالنَّصُّ عُرْفاً كُلُّ لَفظٍ وَارِدِ
كَقَدْ رَأَيتُ جَعفَراً وَقِيلَ مَا
  لَمْ يَحتَمِلْ إِلاَّ لِمَعنًى وَاحِدِ
تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ فَلْيُعْلَمَا

 

فصل

في الظاهر والمؤول

 

وَالظَّاهِرُ الَّذِي يُفيدُ ما سُمِعْ
كَالأَسَدِ اِسمُ وَاحِدِ الْسِّبَاعِ
وَالظَّاهِرُ الْمَذْكُورُ حَيثُ أَشْكَلاَ
وَصَارَ بَعدَ ذَلِكَ التَّأويلِ
  مَعْنًى سِوَى الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ وُضِعْ
وَقَدْ يُرَى لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ
مَفْهُومُهُ فَبِالدَّلِيلِ أُوِّلاَ
مُقَيَِّداً فِي الاسْمِ بِالدَّلِيلِ

 

الظاهر : ما احتمل معنيين أو أمرين أحدهما أرجح من الثاني ، فالراجح هو الظاهر ، وهو في اللغة : الواضح ، ودلالة الظاهر ظنية بخلاف النص فإن دلالته قطعية .

 

ويقال أيضا في الظاهر إنه ما لم يسبق له النص أصالة .

 

مثال : قوله ﭨ ﭽ ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ    ﮄ    ﮅ    ﮆ  ﮇ  ﭼ الأنعام: ١٢١  فالظاهر من الآية : أن متروك التسمية حرام .

 

قلت : ولو لم تختتم الآية بقوله ﭨ ﭽ ﭗ  ﭘ  ﭙ      ﭚ   ﭛ ﭼ المائدة: ٣ لصح هذا ، لكن مذهبنا أن متروك التسمية ولو عمداً غير محرم .

 

ومثل قوله ﭨ ﭽ ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ ﭼ البقرة: ٢٧٥ فإن هذه الآية نص في التفريق بين البيع والربا ، وقد سيقت أصالة لهذا الحكم وهي ظاهر في إثبات حل البيع وتحريم الربا ، لأنها لم تسق له أصالة .

 

والموؤل : هو حمل الظاهر على المعنى المرجوح بدليل .

 

مثل قوله ﭨ ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ ﭼ المائدة: ٦ المقصود فعل القيام ذاته  لكن المقصود الحقيقي هو : إرادة القيام ، وهذا هو التأويل .

 

ومثل قوله ﭨ ﭽ ﮃ  ﮄ  ﮅ    ﭼ النساء: ٢٣ فالتأويل العقد عليهنَّ .

 

قلت : وهذا النوع من التأويل هو التأويل الصحيح .

 

وهناك نوع أخر يعتبر تأويلاً فاسداً ، كتأويل الصفات التي هي محض العدل والكمال لله تبارك وتعالى ، وكتأويل رافضة المجوس والصوفية الباطنية وغيرهما . كمن أول صفة الفوقية  بالقهر أو بالعلو المطلق ويقصدون بالمطلق نفي جهة العلو ، وكتأويل البقرة التي ذكرت في القرآن  بأنها عائشة ، وكتأويل معية الله لخلقه بأن الخلق والحق عين واحدة  تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً .

 

 

باب الأفعال

باب الأفعال

 

أَفْعَالُ طَهَ صَاحِبِ الشَّرِيعَهْ
وَكُلُّهَا إِمَّا تُسَمَّى قُرْبَهْ
  جَمِيعُهَا مَرْضِيَّةٌ بَدِيعَهْ
فَطَاعَةٌ أَوْ لا فَفِعلُ القُرْبَهْ

 

أفعال النبي  أما أن تكون على وجه القربة والعبادة ، أو لا تكون كذلك وما كان على وجه القربة والعبادة ، فإما أن يكون مختصا به  أو لا ، ولكل حكمه .

 

الأفعال الخاصة بالرسول

 

مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ حَيثُ قَامَا
وَحَيثُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلُهَا وَجَبْ
فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا وَأَمَّا
فَإِنَّهُ فِي حَقِّهِ مُبَاحُ
  دَلِيلُهَا كَوَصلِهِ الصِّيَامَا
وَقِيلَ : مَوقُوفٌ ، وَقِيلَ : مُستَحبْ
مَا لَمْ يَكُنْ بِقُرْبَةٍ يُسَمَّى
وفِعلُهُ أَيْضاً لَنَا يُبَاحُ

 

الأفعال الخاصة برسول الله لا يكون الرسول أسوة لنا فيها ، وهذا مقتضى الإختصاص ، مثل : وصاله الصوم ، ونكاحه من غير مهر ، وأكثرمن أربع ، وغير ذالك .

 

وأما أفعاله التعبدية التي يشاركه فيها غيره ، فقيل إنَّ حكمها الوجوب وقيل التوقف ، فلا يقال بوجوبها ، أو ندبها ، إلا إذا دل الدليل .

 

والحاصل في هذا الباب أنه إن دل الدليل ، أو قامت قرينة ، على الوجوب فواجب كاغتساله  من التقاء الختانين ، وكزيادة الركوع في صلاة الكسوفين ، دون سائر الصلوات . وأما إن قام الدليل على الندب فمندوب كفعل السنن الراتبة ، والتهجد في الليل .

 

قلت : ويدخل في هذا ما كان بيانا لمجمل ، كبيانه  الصلوات ، والحج وغير ذلك ، وأما الافعال الجبلية ، فالنبي  ليست أفعاله هذه من الأسوة ويكون حمكه الإباحة .

 

الإقرار

 

وَإِنْ أَقَرَّ قَولَ غَيرِهِ جُعِلْ
وَمَا جَرَى فِي عَصرِهِ ثُمَّ اطَّلَعْ
  كَقَولِهِ كَذَاكَ فِعلٌ قَدْ فُعِلْ
عَلَيهِ إِنْ أَقَرَّهُ فَلْيُتَّبَعْ

 

وإقراره  إما ان يكون إقراراً لفعل، فيأخذ حكم فعله  كإقراره  خالد بن الوليد  في أكله الضب .

 

وكإقراره الصحابة  عندما أمرهم بتسوية الصفوف .

 

ومن الإقرار القولي إقراره عمر بن الخطاب  لما قال { إذاً يتكلوا } رواه البخاري \ العلم \ 128

ومن أنواع الإقرار : ما يحصل في زمن حياته ولا يشاهده ، لكن يصله خبره فيسكت عليه مقراً له ، كما سكت عمن أصيب في غزوة أحد وهو يصلي فأتم صلاته مع نزول الدم .

 

 

باب النسخ

باب النسخ

 

النَّسخُ : نَقلٌ أَو إِزَالَةٌ كَمَا
وَحَدُّهُ : رَفعُ الْخِطابِ الَّلاحِقِ
رَفْعاً عَلَى وَجْهٍ أَتَى لَولاهُ
إِذَا تَرَاخَى عَنهُ فِي الزَّمانِ
  حَكَوْهُ عَنْ أَهلِ الِّلسانِ فِيهِمَا
ثُبُوتَ حُكمٍ بِالْخِطَابِ السَّابِقِ
لَكَانَ ذَاكَ ثَابِتاً كَمَا هُوْ
مَا بَعدَهُ مِنَ الْخِطابِ الثَّانِي

 

النسخ في اللغة له معنيان :

 

الأول : الإزالة ، يقال : نسخت الشمس الظل ، أي أزالته .

 

الثاني : النقل ، يقال : نسخت الكتاب أي نقلته .

 

وأما في الإصطلاح فهو : رفع حكم ثبت بخطاب متقدم ، بآخر متأخر متراخ عنه كنسخ إباحة الحمر الأهلية ومتعة النكاح . رواه البخاري \النكاح \5115

 

وجوه النسخ

 

وَجَازَ نَسخُ الرَّسمِ دُونَ الْحُكمِ
وَنَسخُ كُلٍّ مِنهُمَا إِلَى بَدَلْ
وَجازَ أَيْضاً : كَونُ ذَلِكَ البَدَلْ
  كَذَاكَ نَسخُ الْحُكمِ دُونَ الرَّسمِ
وَدُونَهُ وَذَاكَ تَخفيفٌ حَصَلْ
أَخَفَ أَوْ أَشَدَّ مِمَّا قَدْ بَطَلْ

وينقسم النسخ إلى قسمين :

 

الأول : نسخ الرسم دون الحكم ، كنسخ آية الشيخ والشيخة في الزنا مع بقاء حكم الرجم لهما . رواه البخاري

 

الثاني : نسخ الحكم مع بقاء الرسم ، مثل : قوله ﭨ ﭽ ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ   ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶﭷ  ﭼ البقرة: ٢٤٠  أي أن عدة المتوفى عنها زوجها كانت حولا لا تخرج فيه فنسخت بقوله تعالى  ﭨ ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘ  ﭙ    ﭚ ﭼ البقرة: ٢٣٤

 

الثالث : نسخ الحكم والرسم معاً : كنسخ التحريم بالرضاعة ، فقد كان المحرم عشراً فنسخت بخمس . رواه مسلم

 

الرابع : النسخ إلى بدل وهو أقسام :

 

1-   أن يكون البدل مساوياً مثل نسخ القبلة .

 

2-   النسخ بأثقل ، مثل نسخ حد الزنا من الإيذاء إلى الجلد أو الرجم .

 

3-   النسخ إلى الأخف ، مثل نسخ عدة المتوفى عنها زوجها .

 

الخامس : النسخ إلى غير بدل مثل نسخ حكم المناجاة بين يدي الرسول  من تقديم صدقة ، فنسخت إلى غير شيء .

 

النسخ بالكتاب والسنة

 

ثُمَّ الكِتابُ بِالكِتابِ يُنسَخُ
وَلَم يَجُزْ أَنْ يُنسَخَ الْكِتابُ
وَذُو تَواتُرٍ بِمِثلِهِ نُسِخْ
وَاخْتَارَ قَومٌ نَسْخَ مَا تَواتَرَا
  كَسُنَّةٍ بِسُنَّةٍ فَتُنْسَخُ
بِسُنَّةٍ بَلْ عَكسُهُ صَوَابُ
وَغَيرُهُ بِغَيرِهِ فَليَنتَْسِخْ
بِغَيرِهِ وَعَكسُهُ حَتْماً يُرَى

 

صورالنسخ الواقعة بين الكتاب والسنة كالتالي :

 

أولاً : نسخ الكتاب بالكتاب .

 

ثانياً : نسخ السنة بالكتاب .

 

ثالثاً : نسخ السنة بالسنة .

 

رابعاً : نسخ الكتاب بالسنة .

 

خامساً : نسخ المتواتر بالآحاد وعكسه .

 

فأما نسخ الكتاب بالكتاب فجائز لا شك ولا خلاف فيه ، كنسخ عدة الوفاة ، ونسخ العدد المشروط في القتال .

 

وأما نسخ السنة بالكتاب فهو كسابقة ، كنسخ التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة .

 

وأما نسخ السنة بالسنة فجائز أيضا ، كنسخ نهيه عن ادخار لحوم الأضاحي .

 

وأما نسخ الكتاب بالسنة فالأكثرون على جوازه ، ومذهب الشافعي كما في الرسالة عدم جوازه ، لأن الشيء عنده لا ينسخ إلا بمثله ، مثل : جلد الزاني حيث نسخ برجم المحصن عندما رجم النبي  ماعزاً . رواه مسلم

 

وأما نسخ المتواتر لمثله سواء كان كتاباً أوسنة فجائز ، وكذا نسخ المتواتر للآحاد .

 

وأما نسخ المتواتر بالآحاد فالصحيح من مذهب الشافعي عدم الجواز لأن الظني لا ينسخ القطعي ، لكن جوز البعض ذلك إذا احتف الآحاد بالقرائن كنسخ التوجه .

 

 

باب التعارض

باب التعارض

 

تَعَارُضُ النُّطْقَيْنِ فِي الأَحْكَامِ
إِمَّا عُمُومٌ أَو خُصُوصٌ فِيهِمَا
أَوْ فِيهِ كُلٌّ مِنهُمَا وَيُعْتَبَرْ
 

 

 

 

يَأْتِي عَلَى أَرْبَعَةٍ أَقْسَامِ
أَوْ كُلُّ نُطقٍ فِيهِ وَصْفٌ مِنهُمَا
كُلٌّ مِنَ الْوَصفَينِ فِي وَجْهٍ ظَهَرْ

 

التعارض مأخوذ من الاعتراض ، يقال عرض الشيء إذا توسط وكان مانعاً .

وفي الاصطلاح : هو أن ياتي دليلان يحمل كل منهما حكما خلاف الحكم الذي يحمله الآخر ظاهراً ، حيث لا نسخ . والتعارض يكون في الأدلة المنطوقة إذ لا تعارض في الأفعال ,والمظنونة إذ لاتعارض في القطعيات, وله صور :

 

1-   أن يكون المتعارضان عامين .

 

2-   أن يكون المتعارضان خاصين .

 

3-   أن يكون المتعارضان أحدهما عام والآخر خاص .

 

4-   أن يكون كل منهما عاماً من وجه ، وخاصاً من وجه .

 

العمل في التعارض

 

فَالْجَمعُ بَينَ مَا تَعَارَضَا هُنَا
وَحَيثُ لا إِمْكَانَ فَالتَّوَقُّفُ
فَإِنْ عَلِمْنَا وَقْتَ كُلٍّ مِنهُمَا
 

 

 

 

فِي الأَوَّلَيْنِ وَاجِبٌ إِنْ أَمْكَنَا
مَا لَمْ يَكُنْ تَارِيخُ كُلٍّ يُعرَفُ
فَالثَّانِ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَا

 

طرق التعامل حالة التعارض واحدة من ثلاث :

 

الأولى : إمكان الجمع بين النصين ، فلا يتحول عنها إلى غيرها لأن أعمال النصين خير من أعمال واحد وترك الآخر مع الإمكان .

 

الثانية : أن لا يعلم التاريخ ولا يمكن الجمع فيصار إلى الترجيح .

 

الثالثة : أن يعلم تاريخ أحدهما بحيث يكون متأخراً عن الآخر فيحكم بالنسخ .

 

الرابعة : أن لا يمكن شيء من ذلك فيتوقف عن العمل بالدليلن وهذا الأخير لا وجود له .

 

حكم تعارض العامين

 

مثل : قوله عليه الصلاة والسلام { ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها } ، مع قوله  { ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد } رواه الترمذي \ الشهادات \ 2472

 

فظاهر النصين التعارض ، حيث يحمل الأول المدح والثاني الذم ، فنطبق قواعد التعارض والترجيح فنقول : يمكن الجمع بينهما بأن يحمل الأول على الحق ومطابقة الواقع ، والثاني على عكسه .

 

ومثال : قوله ﭨ ﭽ ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ      ﭼ النساء: ٢٣  مع قولهﭨ ﭽ ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜﮝ  ﭼ النساء: ٣

 

فظاهر الأول المنع من الجمع بين الأختين مطلقاً ، والثاني جواز ذلك في ملكة اليمين .

 

ولهذا يقال في هذه الصورة : أحلتهما آية وحرمتها آية ، ثم أجمعوا على تحريم هذا في النكاح دون الملك ، والخلاف في وطىء الرجل أمتين وهما أختان ، فهل نرجح الأولى فنقول بالتحريم أم نرجح الثانية فنقول بالإباحة فذهب علي من الصحابة  إلى التحريم ، وهو قول عامة الفقهاء وذهب عثمان  إلى الإباحة وعليه البعض .

 

حكم تعارض الخاصين

 

مثل حديث النبي  { أنه توضأ وغسل رجليه } مسلم \ الطهارة \ 582  مع حديث أنه  { توضأ ورش الماء على قدميه وهما في النعلين } رواه ابو داود . فظاهر الأول يعارض ظاهر الثاني ، لأن الأول فيه الغسل والثاني فيه الرش ، والحديثان يمكن الجمع بينهما على أن يحمل الغسل على الحدث ، وأن يحمل الرش على التجديد ، أو يقال اللفظان يدلان على الغسل ، لكن اختلف التعبير بسبب وجود الحذاء ، فيكون قد غسلهما  في حذائه بعد أن رشهما ليعم المحل .

 

ومثال الخاصين اللذين علم تاريخهما فيقال بالنسخ حديث النهي عن زيارة القبور  ثم الإذن بعد ذلك . رواه مسلم \ الجنائز \ 2305

 

ومثال ما لا يمكن فيه إلا الترجيح حديث :{ اصنعوا كل شيء إلا النكاح } رواه مسلم\ الحيض \ 720 مع حديث مباشرته  ما فوق الإزار . رواه احمد\ 24774\ ومسلم \ الحيض \ 707

 

فالأول : يدل على إباحة الاستمتاع بالزوجة ما عدا الجماع ، والثاني يدل على اجتناب ما بين السرة والركبة ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله وغيره وذهب البعض إلى منع الجماع فقط .

 

حكم تعارض العام والخاص ولو من وجه

 

وَخَصَّصُوا فِي الثَّالِثِ الْمَعلُومِ
وَفِي الأَخِيرِ شَطْرُ كُلِّ نُطْقٍ
فَاخْصُصْ عُمُومَ كُلِّ نُطْقٍ مِنْهُمَا
 

 

 

 

بِذِي الْخُصُوصِ لَفظَ ذِي الْعُمُومِ
مِن كُلِّ شِقِّ حُكْمُ ذَاكَ النُّطْقِِ
بِالْضِّدِّ مِنْ قِسْمَيْهِ وَاعْرِفَنْهُمَا

 

قلت : أما مسألة العام والخاص فقد سبق الكلام فيها ، بأن يبني العام على الخاص ، وأما مسألة العام من وجه ، والخاص من وجه ، فيحمل عموم كل واحد منهما على خاص الآخر .

 

مثال قوله عليه الصلاة والسلام { إذا كان الماءُ قلّتيّن لم يحمل الخبث } رواه ابي داود \ الطهارة \63 فظاهره انه عام من جهة التغيير . وخاص من جهة كونه مقيدا بقلتين . مع قوله{ الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما تغير طعمه أو ريحه أو لونه } رواه ابن ماجه وهو ضعيف بالزيادة

 

فهذا الحديث فيه عموم من جهة قدر الماء ، وفيه خصوص من جهة تغيره إذن : فعموم الأول يقيد بخصوص الثاني ، وعموم الأول كان في عدم التغير وخصوص الثاني في إثبات التغير ، فيحمل عام الأول على خاص الثاني وعموم الثاني كان في قدر الماء حيث لم يقدر ، وخصوص الأول كان في تقديره بقلتين ، فيحمل عام الثاني على خاص الأول ، فيخرج بالحكم التالي من مذهبنا فنقول : الماء إذا بلغ قلتين ووقعت فيه نجاسة فهو طهور ما لم يتغير ، فإن تغير فهو نجس ، وإن كان دون القلتين ووقعت فيه نجاسة تنجس سواء تغير أم لا .

 

 

 

باب الإجماع

باب الإجماع

 

هُوَ اِتِّفاقُ كُلِّ أَهْلِ العَصْرِ
عَلَى اِعْتِبَارِ حُكْمِ أَمْرٍ قَدْ حَدَثْ
  أَيْ عُلَمَاءِ الْفِقْهِ دُونَ نُكرِ
شَرْعاً كَحُرمَةِ الصَّلاةِ بِالْحَدَثْ

الإجماع في اللغة : العزم والاتفاق ، ومنه قوله ﭨ ﭽ ﭥ   ﭦ  ﭼ يونس: ٧١

 

وفي الاصطلاح : اتفاق علماء أهل العصر على حكم حادثة ما .

 

فالمعتبر في الحكم واقعة لا حكم لها سابقاً ، ولا يعتبر في ذلك إلا قول العلماء ، إذ العوام لا يعتد بهم في مثل هذا ، كما يشترط اتفاق الفقهاء بحيث لا يشذ عنهم أحد ، والحكم المعتبر هو الحكم الشرعي دون غيره كحرمة صلاة المحدث .

 

 

 

واحتج بالإجماع من ذي الأمه            لا غيرها إذ خُصصت بالعصمه

وَكُلُّ إِجْماعٍ فَحُجَّةٌ عَلَى
ثُمَّ اِنْقِراضُ عَصْرِهِ لَمْ يُشتَرَطْ
  مَِن بَعدَهُ فِي كُلِّ عَصْرٍ أقْبَلاَ
أَيْ فِي اِنْعِقَادِهِ ، وَقِيلَ : مُشْتَرَطْ

والإجماع حجة عند عامة أهل العلم بقوله  { إن أمتي لن تجتمع على ضلالة } رواه وابن ماجه \ الفتن 4085 والترمذي ، وقد احتج الشافعي بقوله ﭨ ﭽ ﭮ   ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ   ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿﮀ  ﮁ   ﮂ  ﭼ النساء: ١١٥

 

قلت : قال أهل العلم وهو استدلال قوي حسن .

 

والجمهور على أن الإجماع حجة قطعية ، ولهذا اختلف في تكفير منكر حكمه والإجماع حجة على أهل العصر ، وعلى من بعدهم .

 

هل يشترط في انعقاد العصر الثاني

انقراض أهل العصر الأول

 

قولان لأهل العلم في ذلك فمنهم من اشترط الانقراض ، والجمهور من الفقهاء والأصوليين على عدم اشتراط ذلك ، لأن النبي  شهد لاجتماع المجتهدين بالعصمة من الخطأ من غير تحديد زمان لا يتجاوز ، بل ورد ذلك مطلقاً ، ولأن الانقراض لو كان شرطاً لما وقع الإجماع لإمكان رجوع البعض ، وعدم الاشتراط يدل على أن من رجع عن قوله بعد الإجماع غير ناقض له ، بل يعد قولاً ثانياً له . وعليه قال الناظم :

 

وَلَم يَجُزْ لأَهلِهِ أَنْ يَرجِعُوا
وَلْيُعْتَبَرْ عَلَيْهِ قَولُ مَنْ وُلِدْ
   إِلَّ عَلَى الثَّانِي فَلَيسَ يُمْنَعُ
وَصَارَ مِثلَهُمْ فَقِيهاً مُجْتَهِدْ

وقد مثل من قال لاشتراط انقراض العصر لما جرى لعلي  في موافقة الصحابة في عدم بيع أمهات الأولاد ، ثم رأى بعد ذلك بيعهن ، فقال له عبيدة السلماني : “رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة” .

رواه البيهقي

 

قلت : وإن كان الإجماع المزعوم هنا يمكن أن ينازع بما روي عن جابر  قوله “بعناهن على زمن النبي  وأبي بكر ، فلما كان عمر  نهانا فانتهينا” أخرجه ابو داود فكان الانتهاء لأجل أمر عمر ، وليس للإجماع ، هذا قول ، والصحيح أنه إجماع في زمن عمر ، والله أعلم .

 

أقسام الإجماع

 

وَيَحْصُلُ الإِجْماعُ بِالأَقْوالِ
وَقَولُ بَعضٍ حَيثُ بَاقِيهِم فَعَلْ
  مِنْ كُلِّ أَهْلِهِ وَبِالأَفْعَالِ
وَبِانْتِشَارٍ مَعْ سُكُوتِهِمْ حَصَلْ

والإجماع ينقسم إلى قسمين :

 

الأول : الإجماع بالقول الصريح كأن تعرض مسألة فينطق كل واحد بحكمهاً اتفاقاً ، وهذا الإجماع حجة بلا خلاف .

 

الثاني : الإجماع السكوتي وهو نزول حادثة فيتكلم فيها أحد العلماء ، وينتشر كلامه حتى يصل إلى الباحثين فيسكتون من غير إنكار ، وهذا الإحماع ظني غير قطعي ، ومذهب الشافعي الجديد إنه غير حجة وليس إجماعاً ، وإن كان الأكثر على أنه حجة وإجماع ، وصوب النووي والرافعي من مذهب الشافعي أنه إجماع وحجة .

 

حكم قول الصحابي ومذهبه

 

ثُمَّ الصَّحَابِي قَولُهُ عَنْ مَذْهَبِهْ
وَفِي الْقَديمِ حُجَّةٌ لِما وَرَدْ
  عَلَى الْجَديدِ فَهْوَ لا يُحْتَجُّ بِهْ
فِي حَقِّهِمْ وَضَعَّفُوهُ فَلْيُرَدْ

 

قول الصحابي رضي الله عنه حجة في القديم ، وليس حجة في الجديد لجواز الخطأ عليه ، والقول بعدم حجيته يشمل الصحابة ومن بعدهم ، فليس قول زيد مثلا حجة على ابن عباس ولا على ابن جبير ، وهكذاً ، وموافقة الشافعي رحمه الله تعالى لزيد بن ثابت في المواريث ليس تقليدا له بل لدليل قام عنده .

 

 

باب الأخبار

باب الأخبار

 

وَالْخَبَرُ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ الْمُحتَمِلْ   صِدْقاً وَكِذْباً مِنهُ نَوعٌ قَدْ نُقِلْ

 

سبق أن ذكرنا أن الكلام ينقسم إلى خبر وإنشاء ، فالخبرما دل على معنى يحتمل الصدق والكذب كقولك : “قام زيد” أو “قعد عمرو” وما شابه ذلك . والإنشاء غير ذلك مما لا يحتمل صدقا ولا كذبا كقولك : “قم” و”ما اسمك” .

 

ملاحظة : احتمالية الكذب في الأخبار يخرج عنها كلام الله تعالى وكلام رسوله  في ذاته .

 

أقسام الخبر

المتواتر والآحاد

 

تَوَاتُراً لِلْعِلْمِ قَدْ أَفَادَا
فَأَوَّلُ الْنَّوعَينِ مَا رَواهُ
وَهَكَذَا إِلَى الَّذِي عَنهُ الْخَبَرْ
وَكُلُّ جَمْعٍ شَرطُهُ أَنْ يَسمَعُوا
  وَمَا عَدَا هَذَا اعْتَبِرْ آحَادَا
جَمعٌ لَنَا عَنْ مِثْلِهِ عَزَاهُ
لا بِاجْتِهادٍ بَلْ سَمَاعٍ أَو نَظَرْ
وَالْكِذْبُ مِنْهُمْ بِالتَّوَاطِي يُمْنَعُ

ينقسم الخبر من حيث القوة إلى قسمين أساسيين :

 

الأول : المتواتر : وهو الخبر الذي يفيد العلم ، وهو في اللغة بمعنى التتابع والتوارد ، ﭧ ﭨ ﭽ ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ ﭼ المؤمنون: ٤٤

 

وفي الاصطلاح : ما رواه جمع عن جمع عن جمع من أوله إلى أخره من غير اتفاق على الكذب .

 

واختلف أهل العلم في عدد التواتر فقيل خمسة وقيل اثنا عشر وقيل عشرون وقيل غير ذلك والجمهور من أهل العلم على عدم الحصر في عدد معين بل الضابط فيه : ما حصل العلم به فهو المتواتر .

 

كما اشترطوا أن تكون الرواية عن مشاهدة أو سماع .

 

تتمة

 

التواتر قسمان :

 

1-  التواتر اللفظي : وهو ما سبق الكلام عنه ، ومعناه كل حديث روي لفظه عن جمع التواتر مثل قوله  { من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار} البخاري \ العلم \110 و مسلم \ المقدمة \ 4

 

2-  المتواترالمعنوي : وهو داخل فيما سبق أيضا ، ومعناه : ما رواه جمع لكن من فعل النبي  لا من قوله مثل : رواية المسح على الخفين وبعض صفات الصلاة وغير ذلك ، او هو ماتواتر معناه دون لفظه كذلك .

 

ثَانِيهِمَا الآحَادُ يُوجِبُ الْعَمَلْ   لا الْعِلمَ لَكِنْ عِندَهُ الظَّنُّ حَصَلْ

 

النوع الثاني من أنواع ألاخبار هو خبر الآحاد :

 

والآحاد لغة : جمع أحد وهو الفرد .

 

واصطلاحاً : رواية الحديث بما لم يبلغ درجة التواتر ولو في إحدى طبقات السند ، والمعلوم عند أكثر أهل العلم أن الخبر المتواتر يفيد القطع ، لكن خبر الآحاد يفيد الظن ، لذا يعمل بالمتواتر في المسائل العلمية والعملية ، أما الآحاد فلا يجب العمل به إلا في المسائل العملية ، ما لم يحتف بقرائن ترفعه إلى مرتبة المتواتر حكماً .

 

المسند والمرسل

 

لِمُرسَلٍ وَمُسنَدٍ قَدْ قُسِمَا
فَحَيثُمَا بَعضُ الرُّواةِ يُفْقَدُ
لِلاِحْتِجاجُ صَالِحٌ لاَ الْمُرْسَلُ
كَذَا سَعِيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ اقْبَلاَ
  وَسَوفُ يَأْتِي ذِكرُ كُلٍّ مِنهُمَا
فَمُرسَلٌ وَمَا عَدَاهُ مُسنَدُ
لَكِنْ مَرَاسِيلُ الصَّحَابِي تُقْبَلُ
فِي الاِحْتِجَاجِ مَا رَواهُ مُرْسَلاَ

 

 

الخبر ينقسم إلى قسمين إجمالاً :

 

الأول : المسند : هو في اللغة : المتصل ، واصطلاحاً : ما اتصل إسناده من غير أن يتخلله انقطاع إلى من أسند إليه الخبر .

 

الثاني : المرسل : وهو لغة المتروك ، واصطلاحاً : كل سند تخلله انقطاع سواء من أول السند أو وسطه وسواء تتابع أو تفرق ، وهذا تعريف الأصوليين ، وهو بخلاف تعريف المحدثين .

 

 

حجية المرسل

 

والمراسيل غير حجة عند الشافعي إلا إذا احتفت بقرائن جملتها :

 

1- أن يسند من طريق آخر .

 

2- أن يتقوى بمرسل آخر مع اختلاف شيوخ المرسلين .

 

3- أن يقويه قول صحابي .

 

4- أن يتقوي بعمل أكثر أهل العلم .

 

5-   أن يعلم من حال المرسل أنه لا يرسل إلا عن عدل كمراسيل سعيد بن المسيب .

 

فائدة

 

مراسيل الصحابة حجة لأن الصحابة يروي بعضهم عن بعض ، وكلهم عدول .

 

العنعنة

 

وَأَلْحَقُوا بِالْمُسْنَدِ الْمُعَنعَنَا
وَقَالَ مَنْ عَلَيهِ شَيخُهُ قَرَا
وَلَمْ يَقُلْ فِي عَكْسِهِ حَدَّثَنِي
وَحَيثُ لَمْ يَقْرَأْ وَقَدْ أَجَازَهْ
  فِي حُكمِهِ الَّذِي لَهُ تَبَيَّنَا
حَدَّثَنِي كَمَا تَقُولُ أَخْبَرَا
لَكِنْ يَقُولُ رَاوِياً أَخْبَرَنِي
يَقُولُ قَدْ أَخْبَرَنِي إجَازَهْ

 

العنعنة في الإسناد هي : رواية الراوي “بعن” والعنعنة لا تخرج الحديث من الإسناد إلى الإرسال ما لم يكن الراوي مدلساً ، فالتدليس – وهو رواية الراوي عمن لم يسمع منه أو لم يلقه بلفظ يوهم السماع – يخرج الإسناد من الإتصال إلى الإنقطاع .

 

ألفاظ التحديث

 

من قرأ عليه الشيخ فله أن يقول : “حدثني” و”أخبرني” و”سمعته” ، ومن قرأ على الشيخ والشيخ يسمع فله أن يقول : “أخبرني” فقط .

 

وإن لم تحصل القراءة من الطرفين فله أن يقول : “أجازني” أو “أخبرني إجازة” ، والرواية بالإجازة جائزة عند أكثر العلماء كالشافعي وغيره .

 

 

باب القياس

باب القياس

 

أَمَّا القِياسُ فَهْوَ رَدُّ الْفَرعِ
لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ فِي الْحُكْمِ
  لِلأَصْلِ فِي حُكمٍ صَحِيحٍ شَرعِيْ
……………………………….

بعد أن تكلم المصنف عن مصادر التشريع المتفق عليها جملة وهي : الكتاب والسنة والإجماع ، شرع بذكر المصدر الرابع ، وهو مختلف فيه والعامة على اعتباره .

 

والقياس لغة : التقدير والاعتبار ، يقال : قست الثوب بالذراع ، أي قدرته واعتبرته .

وفي الاصطلاح : رد الفرع إلى الأصل في الحكم بعلة تجمعهما، وأركانه ، هي :

 

1- الأصل : ويسمى المقيس عليه .

 

2- الفرع : ويسمى المُقاس .

 

3- الحكم : وهو حكم الأصل الثابت بالدليل المراد نقله إلى الفرع .

 

4-   العلة : وهي الوصف الموجود في الفرع كالأصل وهي سبب نقل الحكم .

 

مثال : تحريم الخمر بالنص ، ثم حمل الأفيون والحشيش عليه ، فالقسمة تكون كالتالي :

 

1- الأصل : وهو الخمر .

 

2- الفرع : وهو الحشيش والأفيون .

 

3- الحكم المراد نقله من الأصل إلى الفرع : وهو التحريم .

 

4- العلة الجالبة للحكم : وهي الإسكار .

 

 

أنواع القياس

العلة ، الدلالة ، الشبه

 

قال الناظم :

 

……………………………….
لِعِلَّةٍ أَضِفْهُ أَو دِلالَهْ
أَوَّلُهَا مَا كَانَ فِيهِ الْعِلَّهْ
فَضَرْبُهُ لِلوَالِدَينِ مُمْتَنِعْ
وَالثَّانِ مَا لَمْ يُوجِبِ التَّعْلِيلُ
فَيُسْتَدَلُّ بِالنَّظِيرِ الْمُعْتَبَرْ
كَقَولِنَا مَالُ لصَّبِيِّ تَلْزَمُ
وَالثَّالِثُ الْفَرعُ الَّذِي تَرَدَّدَا
فَليَلتَحِقْ بِأيِّ ذَينِ أَكثَرَا
فَلْيُلْحَقِ الرَّقِيقُ فِي الإِتْلافِ
فَهْيَ الَّتِي لَهُ حَقِيقاً تُجْلَبُ
  وَلْيُعْتَبَرْ ثَلاثَةً فِي الرَّسْمِ
أَو شَبَهٍ ثُمَّ اعْتَبِرْ أَحْوَالَهُ
مُوجِبَةً لِلْحُكمِ مُسْتَقِلَّهْ
كَقَولِ أُفٍّ وَهْوَ لِلإِيْذَا مُنِعْ
حُكْماً بِهِ لَكِنَّهُ دَلِيلُ
شَرعاً عَلَى نَظِيرِهِ فَيُعْتَبَرْ
زَكاتُهُ كَبَالِغٍ أَيْ لِلنُّمُو
مَا بَينَ أَصْلَينِ اعْتِبَاراً وُجِدَا
مِن غَيرِهِ فِي وَصْفِهِ الَّذِي يُرَى
بِالْمَالِ لا بِالْحُرِّ فِي الأَوْصَافِ
وَهْوَ الَّذِي لَهَا كَذَاكَ يُجْلَبُ

ينقسم القياس من حيث الأنواع إلى ثلاثة :

 

1- قياس العلة : وهو ما كانت العلة فيه موجبة ، أي : وجودها يقتضي ويلزم منه ثبوت الحكم . مثاله : تحريم الزنا وثبوت الحد فيه ، فيقاس عليه اللواط ، لأن علة التحريم “الإيلاج في فرج محرم” ، ومثل : قوله ﭨ ﭽ ﮧ  ﮨ  ﮩ   ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﭼ الإسراء: ٢٣ فيحرم التضجر من الوالدين لأنه خلاف البر والإحسان ، فيقاس عليه كل ما كان فيه إيذاء لهما بجامع عدم البر والإحسان ، وهذا النوع يسمى : بقياس الأولى ، لأن تحريم الإيذاء بالشتم مثلا لهما أولى من تحريم مجرد التأفف .

 

ومثل تحريم أكل أموال اليتامى على وجه التعدي ، لأنه إتلاف لأموالهم ، وكذلك يحرم حرق هذا المال بجامع الإتلاف بالتعدي ، وهذا يسمى بالقياس المساوي ، لأن إتلافه بالأكل مثل إتلافه بغير ذلك كالحرق مثلاً .

 

2- قياس الدلالة : وهو أن يذكر لازم العلة من غير ذكرها هي فيجمع بين الأصل والفرع بهذا اللازم أو الأثر .

 

مثل : قياس مال الصبي على مال الكبير بجامع دفع حاجة الفقير بجزء من المال النامي ، ومثل : قياس النبيذ على الخمر في التحريم بجامع الرائحة وهي وصف لازم وأثرٌ للإسكار .

 

وبعض أهل العلم يرى أن هذا النوع من جنس النوع الأول فجعلوه نوعاً واحداً .

 

3- قياس الشبه : وهو وجود فرع يشبه أصلين ، فيعطى حكم من يشبهه أكثر . مثل : العبد المقتول ، هل تلزم بقتله الديه ، أم تقدر قيمته ، نقول : العبد فيه شبه من الإنسان الحر بجامع أنسانيته ، وفيه شبه من المال بجامع الملك ، فينظر هل يلحق بالأول أم بالثاني .

 

أقول : إذا نظرنا إلى تصرفاته العامة غلب شبهه بالمالية ، فعلى ذلك تجب فيه القيمة ولو زادت على الدية ، هذا مذهبنا ولذلك لا يقتل الحر بالعبد عندنا .

 

 

فصل

في شروط أركان القياس

 

( شرط الفرع )

 

 

وَالشَّرطُ فِي الْقِياسِ كَونُ الْفَرْعِ
بِأَنْ يَكُونَ جَامِعُ الأَمْرَينِ
  مُنَاسِباً لأَصْلِهِ فِي الْجَمعِ
مُنَاسِباً لِلْحُكمِ دُونَ مَينِ

هناك شروط لا بد أن تتوفر في أركان القياس حتى يكون صحيحاً ، وبدأ الناظم رحمه الله تعالى بذكر شرط الفرع ، وذلك أن تتوفر فيه العلة المناسبة بحيث يمكن الجمع بين الأصل والفرع في الحكم .

 

ثم ذكر شرط العلة أن تكون مناسبة دون مين ، أي : دون شك ، والمناسبة هي بأن تكون العلة وصفاً ظاهراً منضبطاً مقصوداً للشرع يترتب عليه إما جلب مصلحة ، أو دفع مفسدة .

 

( شرط الأصل )

 

وَكَونُ ذَاكَ الأَصلِ ثَابِتاً بِمَا   يُوافِقُ الْخَصْمَيْنِ فِي رَأْيَيْهِمَا

انتقل المصنف رحمه الله تعالى إلى ذكر شرط الأصل ، وشرطه أن يكون حكمه قد ثبت بدليل متفق عليه ، وأن يكون سابقاً للفرع .

 

مثال قياس الأرز – مثلاً – على الحنطة في جريان الربا فيه ، فنقول النهي عن بيع الأصل ببعضه متفاضلاً ثبت بدليل شرعي ، فيقاس عليه الأرز للمناسبة والشبه بينهما في الوصف الذي هو الطعم ، كما ان الأرز متأخر عن الحنطة ، فيصح الحكم عليه بحكم الأصل ، فيثبت جريان الربا فيه إنْ بِيْعَ بعضه ببعض متفاضلاً .

 

( شروط العلة )

وَشَرطُ كُلِّ عِلَّةٍ أَنْ تَطَّرِدْ
لَمْ يَنتَقِضْ لَفْظاً وَلا مَعنًى فَلاَ
  فِي كُلِّ معلولاتها التي تََّرِدْ
قِياسَ فِي ذَاتِ اِنتِقاضٍ مُسْجَلاَ

شروط العلة ومنها :

 

أولاً : الطرد : ومعناه أن تكون علة الأصل موجودة في كل فرع يراد الحاقه بحكم الأصل .

 

أمثلة : قلنا أن علة الربوية في القمح – مثلاً – هي الطعم ، وعندنا أصناف أخرى نريد الحكم عليها بحكم الحنطة فعندها لابد من أن تكون العلة – وهي الطعم – موجودة في هذه الفروع ، والفروع على سبيل المثال هي : الأرز ، العدس ، البرغل ، اللوبياء المجففة ، وغيرها ، فإذا نظرنا إلى كل فرع منها وجدنا العلة في كل واحد من هذه الأنواع ، فعندها نعطيها حكم الحنطة وهذا هو الطرد .

 

مهمة

 

الطرد يقابله العكس ، فيقولون : والحكم متعلق بالعلة طرداً وعكساً ، أي يثبت الحكم في الفرع مع وجود العلة وهو الطرد ، وينتفي مع انتفائها وهو العكس ، وهذا كله يسمى بالدوران ، وعليه قولهم : الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً ، أي طرداً وعكساً .

 

ثانياً : عدم النقض : وهو انتفاء العلة عما حقه أخذ حكم الأصل لوجه من المناسبة لكنه غير معتبر .

 

مثال : إيجاب الزكاة في النقدين على اعتبار كون العلة هي الثمينة ، فنقول : والجواهر فيها ما يقصد من الأثمان من دفع حاجة الفقير وهي لا زكاة فيها عندنا ، فعلى هذا يكون التعليل بالثمنية منتقضاً ، اي لا يصح التعليل به .

 

 

( شروط الحكم )

 

وَالْحُكمُ مِن شُرُوطِهِ أَنْ يَتْبَعَا
فَهْيَ الَّتِي لَهُ حَقِيقاً تُجْلَبُ
  عِلَّتَهُ نَفْياً وَإِثْبَاتاً مَعَا
وَهْوَ الَّذِي لَهَا كَذَاكَ يُجْلَبُ

معنى البيتين : أن العلة هي سبب وجود الحكم ، وذلك لاشتمالها على أمر مقصود للشارع في تشريعه الحكم ، وهي سببب حقيقي في وجود الحكم لأنه – كما سبق بيانه – أن الأفعال تشتمل على أوصاف ذاتية تسبب وجود الحكم أو عدمه .

 

مهمة

 

القياس حجة شرعية معتبرة ، وهذا مذهب عامة أهل العلم ، حتى من الأشاعرة الذين نفوا تعليل الشرع ، وخلافا للظاهرية الذين قدم منهم ابن حزم رحمه الله تعالى ومن تبعه القياس المنطقي على القياس الشرعي ، مع أن القياس الشرعي أصح مأخذاً . ومن الأدلة على ذلك قوله ﭨ ﭽ ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﭼ الحشر: ٢ وحديث النبي  لمعاذ عندما أرسله إلى اليمن ، فقال معاذ { أجتهد رأيي ولا آلوا } وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً ، إلا أن عمل الصحابة ومن بعدهم جرى عليه .

 

 

فصل

في الحظر والإباحة

 

 

لا حُكمَ قَبلَ بِعثِةِ الرَّسُولِ
وَالأَصلُ فِي الأَشيَاءِ قَبلَ الشَّرْعِ
بَلْ مَا أَحَلَّ الشَّرْعُ حَلَّلْنَاهُ
وَحَيثُ لَمْ نَجِدْ دَلِيلَ حِلِّ
مُستَصحِبِينَ الأَصلَ لا سِواهُ
أَي أَصلُهَا التَّحلِيلُ إِلاَّ مَا وَرَدْ
وَقِيلَ : إِنَّ الأَصلَ فِيمَا يَنفَعُ
وَحَدُّ الاستِصحابِ : أَخْذُ الْمُجْتَهِدْ
  بَلْ بَعْدَهَا بِمُقتَضَى الدَّلِيلِ
تَحرِيمُهَا لا بَعدَ حُكْمٍ شَرعِي
وَمَا نَهَانَا عَنهُ حَرَّمْنَاهُ
شَرْعاً تَمَسَّكْنَا بِحُكمِ الأَصلِ
وَقَالَ قَومٌ : ضِدَّ مَا قُلنَاهُ
تَحْرِيمُهَا فِي شَرعِنَا فَلا يُرَدْ
جَوَازُهُ وَمَا يَضُرُّ يُمْنَعُ
بِالأَصْلِ عَنْ دَلِيلِ حُكْمٍ قَد فُقِدْ

انقسم الناس في حكم الأشياء قبل ورو د الشرع ، أو حكم الأشياء التي سكت عنها الشرع  فلم يبين حكمها ، فكانو فريقين :

 

الأول : يرى أن الأشياء حكمها التحريم ، فيقولون : الأصل في الأشياء التحريم ، إلا ما حلله الشرع .

 

الثاني : على الضد وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة .

 

قلت : وتوسط أُناس ، فقالوا : الأصل في الأشياء النافعة الإباحة ، والأصل في الأشياء الضارة التحريم ، وهذا يشبه أن يكون تفسيراً وتوضيحاً للمذهب الثاني .

 

أدلة القائلين بأن الأصل في الأشياء الإباحة : قوله ﭨ ﭽ ﯬ   ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﭼ البقرة: ٢٩ وقوله ﭨ ﭽ ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ   ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ ﭼ الأعراف: ٣٢  وقول النبي  { كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت } رواه البخاري عن ابن عباس\ 7\182 ومعناه في نفس البخاري . وهذا الأصل يسميه العلماء الاستصحاب ، أو استصحاب الأصل ، ومعناه اعتبار حكم الأشياء حتى يأتي دليل ينقلها عن الأصل .

 

أمثلة : نقول الأصل في الأشياء الإباحة ، مثل : الفواكة ، العصير ،  الشراب ، لبس اللون البني ، وهكذا ، ولا يحرم شىء إلا بدليل مثل : الذهب على الرجال ، المطيب للنساء خارج البيت ، أكل الفلفل لمن يضره

 

ونقول : الأصل في الأعيان الطهارة ، مثل : الماء ، التراب ، الحديد الدواب ، ولا يقال بنجاسة عين إلا بدليل ينقلها عن الأصل ، مثل : البول من الكبير ، الخمر عند الأكثر ، الكلب عند الأكثر .

 

ونقول : الأصل في الأبضاع (الفروج) التحريم ، مثل : الأم ، زوجة الأخ بنت العم ، إلا ما دل الدليل على حلها خلافا لحكم الأصل ، وذلك بوقوع العقد الصحيح على أمثال : بنت العم ، بنت الخال ، أي امرأة غريبة .

 

 

باب ترتيب الأدلة

باب ترتيب الأدلة

 

وَقَدَّمُوا مِنَ الأَدِلَّةِ الْجَلِي
وَقَدَّمُوا مِنْهَا مُفِيدَ الْعِلمِِ
إِلاَّ مَعَ الْخُصُوِصِ وَالعُمُومِ
وَالنُّطقَ قَدِّم عَنْ قِياسِهِمْ تَفِ
وَإِنْ يَكُنْ فِي النُّطقِ مِنْ كِتابِ
فَالنُّطقُ حُجَّةٌ إِذَاً وَإِلاَّ
  عَلَى الْخَفِيِّ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ
عَلَى مُفِيدِ الظَّنِّ أَيْ لِلْحُكْمِ
فَلْيُؤتَ بِالتَّخْصِيصِ لا التَّقْدِيمِ
وَقَدَّمُوا جَلِيَّهُ عَلَى الْخَفِي
أَو سُنَّةِ تَغْيِيْرُ الاِسْتِصحَابِ
فَكُنْ بِالاِسْتِصْحَابِ مُسْتَدِلاَّ

 

ترتيب الأدلة باب وضعه العلماء لبيان كيف يتعامل الفقيه وغيره مع الأدلة ، التي من أحوالها ظهور التعارض أو تخصيص العام أو تقييد المطلق وهكذا ، ولما كانت هذه المباحث بحثت من قبل إلا مسألة التعارض والترجيح خصص لها هذا المبحث .

 

أقول : والتعارض لا يكون إلا في الظنيات ، أما القطعيات فإن ظهر شيء من ذلك فإنما يكون من باب الناسخ والمنسوخ ، ونحن عند التعارض نلجأ إلى الجمع بين الأدلة ، وقد يتعذر ذلك ، فعندها نلجأ إلى الترجيح ،  والترجيح الصحيح له شروط ، نجملها فيما يلي :

 

1-   أن يتعذر الجمع .

 

2-   أن يكون الدليلان ظنييين .

 

3-   ان يتساويا في الحجية .

 

4-   ثبوت التعارض .

 

5-   غلبة الظن بأن أحد الدليلين أقوى من الآخر في الترجيح .

 

إذا تعارض دليلان على المجتهد فقد يكون أحدهما جلياً والآخر خفياً فعندها يقدم الجلي على الخفي .

 

مثال : روت عائشة  عن النبي  { إذا التقى الختانان وجب الغسل } قالت : فعلته أنا ورسول الله  فاغتسلنا . رواه احمد \ 26778 والترمذي\ الطهارة \109

 

فهذا نص جلي واضح ، عارضه نص أخر وهو : عن أبي هريرة  عن النبي  قال { الماء من الماء } رواه مسلم\ الحيض \ 802 وابوداود وهذا نص خفي غير واضح .

 

فالحديث الأول ، فيه أن الغسل يجب بمجرد الجماع ، والحديث الثاني أنه لا يكون إلا مع الإنزال ، لكن قول عائشة  نص في المسألة ، وهي أعلم بشأن رسول الله ، وأما حديث أبي هريرة فهو غير نص ، وهو أمر خفي عنه ، فلذا يرجح حديث عائشة على حديث أبي هريرة .

 

مثال على تعارض الأقيسة : معلوم أن حكم الميتة عند الشافعية أنها نجسة ، فهل يقاس شعرها على سائر أعضائها ، فعند الشافعية أنه نجس مثلها لانه جزء من الميتة لا يفارقها في الحكم ، وقاس بعض الشافعية شعر الميتة على الحمل ، والبيض ، فهو بذلك يكون طاهراً .

 

مهمة

 

ترتيب الأدلة حال التعارض والترجيح يكون على النحو التالي :

 

1-   أن يقدم الإجماع لأنه يفيد القطع ، ولا يحتمل النسخ والتأويل .

 

2-   يقدم الكتاب والسنة المتواترة لإفادتها القطع .

 

3-   السنة الآحادية .

 

4-   الأقيسة .

 

 

باب في المفتي والمستفتي والتقليد

باب في المفتي والمستفتي والتقليد

 

( المفتي )

 

وَالشَّرطُ فِي الْمُفْتِي اِجْتِهادٌ وَهْوَ أَنْ
وَالْفِقْهِ فِي فُرُوِعهِ الشَّوَارِدِ
مَعْ مَا بِهِ مِنَ الْمَذَاهِبِ الَّتِي
وَالنَّحوِ وَالأُصُولِ مَعْ عِلمِ الأَدَبْ
قَدْراً بِهِ يَسْتَنبِطُ الْمَسَائِلاَ
مَعْ عِلمِهِ التَّفْسِيرَ فِي الآيَاتِ
وَمَوضِعَ الإِجْمَاعِ وَالْخِلافِ
  يَعْرِفَ مِنْ آيِ الْكِتابِ وَالسُّنَنْ
وَكُلِّ مَا لَهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ
تَقَرَّرَتْ وَمِنْ خِلافٍ مُثْبَتِ
وَالُّلغَةِ الَّتِي أَتَتْ مِنَ الْعَرَبْ
بِنَفسِهِ لِمَن يَكُونُ سَائِلاَ
وَفِي الْحَدِيثِ حَالَةَ الرُّوَاةِ
فَعِلْمُ هَذَا الْقَدرِ فِيهِ كَافِي

 

 

هذا الباب قبل الأخير ، ذكر فيه المصنف رحمه الله تعالى شروط المفتي والمستفتي وصفه التقليد والمقلد ، وجملة شروط المفتي التي إن لم تتوفر فيه فليس له حق الإفتاء .

 

والمقصود هنا : المجتهد المطلق ، ويلحق به مجتهد المذهب الذي تكون عنده مقدرة على الترجيح دون الاستنباط .

 

الشرط الأول : معرفته لجملة الأيات والأحاديث التي يبنى عليها الفقه ،  وأقل المطلوب معرفتها من المصحف ، ومعرفة مظانها من كتب الحديث ، إلا أن يكون فيها مصنفات فيكتفي بذلك .

 

الشرط الثاني : معرفة فروع الفقه ، وخير ذلك أن يكون ذا معرفة بفروع مذهب من المذاهب ، كمذهب الشافعي مثلا ، ويعرف من ذلك القواعد الفقهية التي تجمع شتات المسائل المتشابهة .

 

الشرط الثالث : معرفة مواطن الخلاف في فروع مذهبه مع المذاهب الأخرى شريطة أن يكون الخلاف معتبراً .

 

الشرط الرابع : معرفة ألآت العلم من النحو ، والأصول ، والأدب والبلاغة ، والتصريف ، واللسان ، وأقل ما يكفيه من ذلك رسالة صغيرة تجمع رؤوس وأصول هذه العلوم ، كي يتمكن من فهم النصوص ، وحملها على أصح الوجوه .

 

الشرط الخامس : معرفته لعلوم القرآن والتفسير .

 

الشرط السادس : معرفته طرق رواية الحديث مع الإطلاع على أحوال الرجال ، كي يتمكن من معرفة ما صح من الحديث وما ضعف منه ، حتى لا يقع في خطأ .

 

الشرط السابع : معرفة مواضع الإجماع ، حتى لا يفتي بضده شريطة أن يكون الإجماع معتبراً وثابتاً .

 

قلت : يضلف إلى كل هذا معرفة المنسوخ حتى لا يفتي به .

فمن لم تتوفر فيه كل هذه الشروط فليس من أهل الاجتهاد وإن ادعاه .

 

( المستفتي )

 

وَمِن شُرُوطِ السَّائِلِ الْمُستَفتِي
فَحَيثُ كَانَ مِثلَهُ مُجْتَهِداَ
  أَنْ لاَّ يَكُونَ عَالِماً كَالْمُفْتِي
فَلا يَجُوزُ كَونُهُ مُقَلِّدَا

 

شروط المستفتي : وهو من لا يمكنه استنباط الحكم ، وهو العامي .

 

الشرط الأول : أن لا يكون عالماً بالحكم ، لأن سؤال العالم إن كان بغير قصد التعليم للغير فهو لغو .

 

الشرط الثاني : أن يكون جاهلاً بالحكم فيقلد غيره .

 

 

 

مهمة

 

يحرم التقليد على العالم ، لأنه يمكنه الاجتهاد ، وقيل يجوز .

 

 

( التقليد )

 

تَقلِيدُنَا : قَبُولُ قَولِ الْقَائِلِ
وَقِيلَ : بَلْ قَبُولُنَا مَقَالَهْ
فِفِي قَبُولِ قَولِ طَهَ الْمُصْطَفَى
وَقِيلَ : لا لأَنَّ مَا قَدْ قَالَهُ
  مِن غَيرِ ذِكرِ حُجَّةٍ لِلْسَّائِلِ
مَعْ جَهْلِنَا مِنْ أَينَ ذاكَ قَالَهْ
بِالحُكمِ تَقْلِيدٌ لَهُ بِلا خَفَا
جَمِيعُهُ بِالْوَحْيِ قَدْ أَتى لَهُ

 

التقليد فيه تعريفان :

 

الأول : قبول المستفتي قول المفتي من غيرذكر دليل .

 

الثاني : قبول قول القائل من غير معرفة من أين قاله .

 

فعلى التعريف الأول يكون قبول قول النبي  تقليداً له لأن النبي  قد يجتهد في بعض الأمور ، ويأخذ من الوحي في البعض الآخر ، وهذا قول من يجوز للنبي  الاجتهاد . وعلى القول الثاني لا يكون تقليدا له ، وهذا قول من منع من اجتهاد النبي  لأنه لا يأخذ إلا بالوحي .

 

 

 

فصل في الاجتهاد

فصل في الاجتهاد

 

وَحَدُّهُ : أَنَّ يَبذُلَ الَّذِي اِجْتَهَدْ
وَلْيَنقسِمْ إِلَى : صَوابٍ وَخَطَا
  مَجْهُودَهُ فِي نَيلِ أَمرٍ قَدْ قَصَدْ
وَقِيلَ فِي الفُروعِ يُمنَعُ الْخَطَا

 

هذا هو الباب الأخير من أبواب هذه الرسالة ، وهو الاجتهاد ، وحقيقته بذل الوسع في إدراك الأحكام الشرعية من كامل الآلة .

 

وباب الاجتهاد في الفروع وليس في الأصول ، أي : في الفقهيات وليس في أصول العقائد ، لأن ذلك مدعاة إلى تصويب أرباب البدع ، وأعذار أهل الكفر من اليهود والنصارى ، وكذا أعذار المجوس ، الذين يقولون بالأصلين ، أي : أن الإله مكون من أصلين ، هما النور للخير ، والظلام للشر .

وَفِي أُصُولِ الدِّينِ ذَا الْوَجهُ اِمْتَنَعْ
مِنَ النَّصَارَِى حَيثُ كُفراً ثَلَّثُوا
أَوْ لا يَرَونَ رَبَّهُم بِالْعَيْنِ
  إِذْ فِيهِ تَصويبٌ لأَربَابِ الْبِدَعْ
وَالزَّاعِمُونَ أَنَّهُمْ لَم يُبعَثُوا
كَذَا الْمَجُوسُ فِي اِدِّعَا الأَصْلَينِ

في هذه الأبيات يبين المصنف رحمة الله عليه أن الاجتهاد في الأصول ممنوع خصوصاً إن نتج عنه خطأ ، ولا يقال في ذلك : كل مجتهد في الأصول مصيب ، لأنه ينبني عليه تصويب الضلال والكفار . قلت : وباب الاجتهاد في العقائد يكون في جزئياتها لا في كلياتها .

وَمَنْ أَصابَ فِي الفُرُوعِ يُعطَى
لِمَا رَوَوا عَنِ النَّبِيِّ الْهَادِي
  أَجْرَينِ وَاجْعَلْ نِصفَهُ مَن أَخْطَاْ
فِي ذَاكَ مِن تَقْسِيمِ الاِجْتِهادِ

هل كل مجتهد مصيب ؟ والمقصود الاجتهاد في الفروع .

 

 

الاجتهاد إن وقع من صاحبه فهو أحد اثنين :

 

1-   إما أن يصيب فيكون له أجران .

 

2-   إما أن يخطئ فيكون له أجر .

 

وفي هذا يقول النبي  { إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر} البخاري \ الاعتصام بالكتاب \ 7352 و مسلم \ الاقضية \ 4584

 

وقال آخرون : بل كل مجتهد فهو مصيب .

 

وَتَمَّ نَظمُ هَذِهِ المُقَدِّمَهْ
فِي عَامِ (طاءٍ) ثُمَّ (ظَاءٍ) ثُمَّ (فَا)
فَالْحَمدُ للهِ عَلَى إِتمَامِهِ
عَلَى النَّبِي وَآلِهِ وَصَحبِهِ
  أَبْياتُهَا فِي العَدِّ (دُرٌّ) مُحكَمَهْ
ثَانِي رَبِيعِ شَهرِ وَضعِ الْمُصطَفَى
ثُمَّ صَلاةُ اللهِ مَعْ سَلامِهِ
وَخِزبِهِ وَكُلِّ مُؤمِنٍ بِهِ

انتهى المصنف رحمه الله تعالى من وضع هذه الرسالة في الأصول ، في الثاني من ربيع الأول لعام تسعة وثمانين وتسعمائة ، حامداً الله تعالى ، مصلياً على رسوله وآله وصحبه وحزبه وكل مؤمن به .

 

وبهذا تم ختم الشرح ، ولله الفضل والمنة .

 

اللهم عفوك ورحمتك وسترك .

 

 

الفهرس

 

المتن ………………………………………………………..1

مقدمة …………………………………………………..14

مقدوة المؤلف …………………………………………..15

ميزات متن الورقات ………………………………………18

باب أصول الفقه …………………………………………19

تعريف الفرع ……………………………………………..20

تعريف الفقه ………………………………………………..20

الحكم الشرعي ……………………………………………..21

الحكم التكليفي ……………………………………………..22

الواجب ………………………………………………….22

تتمه …………………………………………………….22

المندوب…………………………………………………24

أسماء المندوب…………………………………………..24

تتمه…………………………………………………….24

المباح……………………………………………………25

المكروه………………………………………………….25

إطلاقات المكروه………………………………………….26

الصحيح والفاسد…………………………………………27

معنى ترتيب الأثر على الفعل………………………………27

الباطل والفاسد…………………………………………..27

الحكم الوضعي……………………………………………28

الجهل……………………………………………………29

العلم…………………………………………………….30

الظن…………………………………………………….32

أبواب أصول الفقه………………………………………..33

باب أقسام الكلام………………………………………….34

الحقيقة…………………………………………………..35

المجاز…………………………………………………..36

أنواع المجاز……………………………………………..37

باب الأمر ……………………………………………….39

مسائل الأمر……………………………………………..40

باب النهي……………………………………………….41

ومن لا يتناوله ومن المكلف………………………………43

باب العام…………………………………………………44

ألفاظ العموم……………………………………………..44

باب الخاص……………………………………………..47

أنواع التخصيص او أقسام التخصيص……………………..47

المخصص المتصل وأنواعه……………………………….48

التخصيص……………………………………………….50

تخصيص الكتاب بالكتاب………………………………….50

تخصيص الكتاب بالسنة…………………………………..50

تخصيص الكتاب بالإجماع………………………………..51

تخصيص السنة بالكتاب…………………………………..51

تخصيص السنة بالسنة……………………………………51

تخصيص الكتاب والسنة بالقياس………………………….51

باب المجمل والمبين……………………………………..52

فصل في الظاهر والمؤول………………………………….54

باب الأفعال………………………………………………55

الأفعال الخاصة بالرسول………………………………….55

الإقرار……………………………………………………….56

باب النسخ……………………………………………….56

وجوه النسخ……………………………………………..57

النسخ بالكتاب والسنة……………………………………58

باب التعارض…………………………………………….59

العمل في التعارض……………………………………….60

حكم تعارض العامين………………………………………60

حكم تعارض الخاصين…………………………………….61

حكم تعارض العم والخاص ولو من وجه…………………..61

باب الإجماع……………………………………………..62

هل يشترط في انعقاد العصر الثاني………………………..63

أقسام الإجماع…………………………………………….64

حكم قول الصحابي ومذهبه……………………………….64

باب الأخبار………………………………………………65

أقسام الخبر……………………………………………..65

المتواتر والآحاد………………………………………….65

تتمه…………………………………………………….66

المسند والمرسل………………………………………….66

حجية المرسل……………………………………………67

العنعنه…………………………………………………..67

ألفاظ الحديث…………………………………………….67

باب القياس………………………………………………67

أنواع القياس…………………………………………….68

فصل في شروط أركان القياس……………………………..71

شرط الفرع………………………………………………71

شرط الأصل………………………………………………71

شروط العلة………………………………………………72

شروط الحكم……………………………………………..73

فصل في الحظر الإباحة……………………………………73

باب ترتيب الأدلة…………………………………………75

باب في المفتي والمستفتي والتقليد…………………………77

المفتي……………………………………………………77

المستفتي…………………………………………………78

التقليد…………………………………………………..79

فصل في الاجتهاد…………………………………………80

الخاتمة………………………………………………….81

الفهرس………………………………………………….81

 

 

شاهد أيضاً

كتاب درج الوصول لورثة الرسول صلى الله عليه وسلم

تحميل الكتاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *