الرئيسية / الكتب / الحيض .. مسائل وأحكام

الحيض .. مسائل وأحكام

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ( [آل عمران:102].

)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1].

)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:71-72].

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذه رسالة جمعتها في أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة، جعلتها مسائل تقريباً للناس عموماً، وللنساء خصوصاً، لكثرة ما يقعن فيه من أخطاء بسبب عدم علمهن بهذه الأحكام، وهي أحكام جليلة عظيمة القدر، الأمر الذي دعاني لفعلي هذا، ذلك أن أحكام الدماء عند النساء تدخل في كثير من أبواب الفقه، لذلك كثرت أحكامها، الأمر الذي جعل هذا الباب من الفقه مجهولاً عند الكثيرين، وعسيراً على غيرهم.

هذا وقد طبعت هذه الرسالة على نفقة أحد المحسنين، إلا أن الطبعة كانت كثيرة الخطاء، وفيها نقص في العبارات أيضاً، لذلك أحببنا تجديد طباعتها وقد زدت مسألة جديدة تتعلق بكفارة القتل ليعم وصولها إلى أيدي الناس لاستبانة هدى الله تبارك وتعالى.

ومن قرأها فوجد فيها خطأ يمكن إصلاحه فليفعل، وإن كان خطأ في الرأي فليبين لنا ذلك كتابة، وله جزيل الأجر من الله تعالى، والمؤمن مرآة المؤمن، فإن كان ما بينه حقاً رجعنا إليه، والله الموفق.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه،،

وكتب

أبو حمزة سمير مراد

الأردن – القويسمة
تحميل الكتاب

المسألة الأولى

تعريف الحيض والنفاس والاستحاضة والفرق بينها

تعريف الحيض والنفاس والاستحاضة والفرق بينها

الحيض لغة: من سيلان الدم. قال في القاموس (مادة حيض): حاضت المرأة حيضاً ومَحيضاً ومحاضاً فهي حائض وحائضة من حوائض وحيَّض: سال دمها، المحيض اسم ومصدر، والحيضة: المر، وبالكسر: الاسم، والخرقة تستثفر بها([1]).

وفي (أنيس الفقهاء): عبارة عن خروج الدم، يقال: حاضت الشجرة إذا خرج منها الصمغ الأحمر([2]).

قال الإمام النووي رحمه الله: قال أهل اللغة: وأصل الحيض السَّيلان، يقال حاض الوادي: أي أساس، قال صاحب (الحاوي): للحيض ستة أسماء وردت اللغة بها، أشهرها:

الحيض،.

الثاني: الطمث، والمرأة طامث، قال الفرّاء: الطمث: الدم، ولذلك قيل: إذا افتض البكر: طمثها، أي أدماها، قال الله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} .

الثالث: العراك، والمرأة عارك والنساء عوارك.

الرابع: الضحك، والمرأة ضاحك، قال الشاعر:

وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الحرق يوم   اللقا

الخامس: الإكبار، والمرأة: مكبر، قال الشاعر:

جارية قد أعصرت أو قد دنا إعصارها

وفي الشرع: قال الجرجاني في “التعريفات”: هو عبارة عن الدم الذي ينفضه رحم بالغة سليمة عن الداء والصغر([3]).

وفي “بدائع الصنائع”([4]) للكاساني الحنفي، قال: أما الحيض فهو في عرف الشرع اسم لدم خارج من الرحم لا يعقب الولادة، مقدر بقدر معلوم في وقت معلوم. وفي “أنيس الفقهاء”: هو دم ينفضه رحم امرأة سالمة عن داء([5]).

الاستحاضة: وهي من يسيل دمها لا من الحيض بل من عرق العاذل([6]). وفي (أنيس الفقهاء): هو الدم الخارج من الفرج دون الرحم([7]).

وفي “المجموع”: دم يخرج في غير أوقاته([8]).

النفاس:

النفاس بالكسر: ولادة المرأة، فإن وضعت فهي نُفساء ونَفْساء، ويحرك([9]).

وفي “أنيس الفقهاء”: هو ما يخرج مع الولد وعقبه.

قلت: ويخرج قبله أيضاً.

قال في “المغرب”: النفاس مصدر نفست المرأة بضم النون وفتحها إذا ولدت فهي نفسا .. الخ.

قال: وفي “الصحاح”: النفاس بالفتح ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء([10]).

وقيل: إنه عبارة عن نزيف دموي وتساقط الجزء الخارجي من غشاء الرحم المخاطي([11]).

وسبب الحيض أن رحم المرأة ومبيضها وأثداءها؛ بل جهازها التناسلي بأكمله يمر بدورة شهرية كاملة حسب تغير الهرمونات في جسمها بزيادة هرمون ونقصان آخر، وإن للرحم غشاء يبطنه من الداخل، وتبدأ الدورة بعد انتهاء الطمث مباشرة، فنجد الغشاء المبطن للرحم بسيطاً ولا تزيد ثخانته عن نصف مليمتر، وأوعيته الدموية وغدده بسيطة كذلك، فإذا ابتدأت الدورة فإن الرحم يمر بثلاث مراحل، وملخصها: مرحلة النمو، ومرحلة الإفراز، ومرحلة الطمث. ويتجلط الدم في الرحم ثم عليه مواد مذيبة لهذه الجلطة وأليافها بواسطة خميرة (إنزيم) تدعى مذيب الليفيين، ويترك لذلك دم الحيض ولا يتجلط ولو بقي سنيناً طوالاً([12]).

وزاد بعضهم مدة كل مرحلة:

فمرحلة النمو أو التكاثر تبدأ من اليوم الخامس حتى الرابع عشر. ومرحلة الإفراز أو الطور من (15-21)([13]).

إن آلية حدوث الطمث غير معروفة تماماً، ولكن يعتقد إن شرينات الرحم تنقبض بشدة لعدة ساعات، فتحدث نقص تروية في المنطقة المناسبة فيحدث نخر وتلف في مخاط الرحم، ويضعف جدار الأوعية الدموية، وعندما ينتهي التشنج ويعود جريان الدم فإنه يخرج منها عبر جدار الأوعية المحكمة إلى داخل الرحم مع الغشاء المخاطي المنخور، يتخثر هذا الدم وتخرج الخثرات من عنق الرحم، وفي الرحم يتم تحلل الخثرات ولا يتخثر ثانية([14]).

مما سبق يتبين لنا أن هناك فروقاً بين الدماء الثلاثة: الحيض، والاستحاضة، والنفاس نجملها فيما يلي:

إن دم الحيض وكذلك النفاس محله الرحم، وأما الاستحاضة فمحلها الفرج. إن للحيض والنفاس مدة بداية ومدة نهاية، وأما الاستحاضة فليست كذلك. إن للحيض والنفاس صفات من حيث لون الدم والرائحة وغير ذلك، أما الاستحاضة فهي دم عادي.

إن الحيض والنفاس تتعلق بهما أحكام شرعية خاصة بخلاف الاستحاضة.

  • “القاموس” (ص826).
  • “أنيس الفقهاء” (ص63).
  • انظر: “البحر الرائق” (1/201- الحاشية).
  • “بدائع الصنائع” (1/39).
  • “أنيس الفقهاء” (63).
  • “القاموس” (ص826).
  • “أنيس الفقهاء” (ص64).
  • “المجموع” (2/343).
  • “القاموس” (ص745).
  • “نيس الفقهاء” ص64).
  • “الوجيز في علم وظائف الأعضاء” (ص256).
  • “خلق الإنسان بين الطب والقرآن” (ص91، 94).
  • “الوجيز في علم وظائف الأعضاء” (ص256).
  • “الوجيز في علم وظائف الأعضاء” (ص256).

 

المسألة الثانية

كيف كان الحيض وأنه مكتوب على بنات آدم

كيف كان الحيض وأنه مكتوب على بنات آدم

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي r لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا طمثت .. الحديث، وفيه: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم([1]).

2- عن ابن مسعود رضي الله عنه: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعاً، فكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد([2]).

فظاهر هذا الكلام أن الحيض أو ما كان في بني إسرائيل، وقد اعترض ابن حجر على ذلك بما ذكر أن الطبري([3]) روى عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وامرأته قائِمةٌ فَضَحِكت}، أي حاضت.

قال – رحمه الله -: والقصة أي قصة امرأة إبراهيم عليه السلام متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب، وروى الحاكم وابن المنذر([4]) بإسناد صحيح عن ابن عباس: إن ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أهبطت من الجنة. وفيه ذكر سبب الحيض وهو بسبب أن حواء أغوت آدم عليه السلام، فعاقبها الله بالحمل والميلاد والحيض، فالله أعلم([5]).

قلت: فالحيض إذن في النساء عموماً منذ حواء، وإنما قد تكون نساء بني إسرائيل ابتلين بزيادته عليهم لما كان من تصرفهن نحو الرجال، قال معناه ابن حجر في “الفتح”.

 

  • رواه البخاري في “صحيحه” رقم (305)، فتح – كتاب الحيض، ورواه في كتاب الحج رقم (1560) بأطول منه. ورواه مسلم في “صحيحه” رقم (1211)، مع شرح النووي، ورواه ابن المنذر في “الأوسط”، كتاب الحيض رقم (780).
  • رواه البخاري معلقاً في أول كتاب الحيض، وذكر ابن حجر في الفتح (1/477) أن عبدالرزاق رواه عن ابن مسعود بإسناد صحيح، قال: وعنده عن عائشة نحوه.
  • “تفسير الطبري” (12/73)، وهو فيه عن مجاهد.
  • “الأوسط” رقم (779).
    • “الوجيز في علم وظائف الأعضاء” (ص256).

المسألة الثالثة

الحيض مسألة عويصة

الحيض مسألة عويصة

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: اعلم أن باب الحيض من عويص الأبواب مما غلط فيه كثيرون من الكبار لدقة مسائله، واعتنى به المحققون وأفردوه بالتصنيف في كتب مستقلة. وأفرد أبو الفرج الدارمي من أئمة العراقيين مسألة المتحيرة في مجلد ضخم ليس فيه إلا مسألة المتحيرة، وجمع إمامالحرمين في “النهاية” في باب الحيض نحو نصف مجلد ثم قال: إن مسائل الحيض يكثر الاحتياج إليها لعموم وقوعها، وقد رأيت ما لا يحصى من المرات من يسأل من الرجال ومن النساء عن مسائل دقيقة وقعت فيه لا يهتدي إلى الجواب الصحيح منها إلا أفراد من الحذاق المعتنين بباب الحيض، ومعلوم أن الحيض من الأمور العامة المتكررة، ويترتب عليه ما لا يحصى من الأحكام، كالطهارة، والصلاة، والقراءة، والصوم، والاعتكاف، والحج، والبلوغ، والوطء، والطلاق، والخلع، والإيلاء، وكفارة القتل وغيرها، والعدة والاستبراء وغير ذلك من الأحكام، فيجب الاعتناء بما هذه حاله([1]).

  • “”المجموع شرح المهذب” (2/344-345)، وانظر أيضاً: “البحر الرائق” (1/199).

المسألة الرابعة

كون الحيض أذى

كون الحيض أذى

قال تعالى: (قل هو أذى) [البقرة:222].

قال الفيروزآباد في مادة (أذى): بالكسر أذىً، وتأذى، والاسم الأذية والأذاة: وهي المكروه اليسير([1]).

قال القرطبي في تفسيره([2]):

والأذى كناية عن القذر على الجملة، ويطلق على القول المكروه، ومنه قوله تعالى: {لا تُبطلوا صَدقاتِكُم بالمنِّ والأذى} [البقرة:264]، أي بما تسمعه من المكروه، ومنه قوله تعالى: {ودَع أذاهُم} [الأحزاب:48]، أي دع أذى المنافقين لا تجازهم إلا أن تؤمر فيهم. وفي الحديث: “أميطوا عنه الأذى“: يعني بالأذى الشَّعر الذي يكون على رأس الصبي حي يولد.

قال أبو بكر بن العربي([3]): فيه أربعة أقوال:

الأول: قذر، قاله قتادة والسدي.

الثاني: دم، قاله مجاهد.

الثالث: نجس.

الرابع: مكروه يتأذى بريحه وضرره أو نجاسته. قال: والصحيح هذا الرابع.

هذا جملة ما ذكره المفسرون وملخصه، ولا نشك في كون الحيض أو الجماع فيه أذى؛ بل من أكبر الأذى الذي يترتب عليه أذى الزوجة أولاً ثم يتعداها إلى أذى الزوج نفسه.

وهذا ما فصّله الدكتور البار في كتابع الرائع “خلق الإنسان” فيقول: يقذف الغشاء المبطن للرحم بأكمله أثناء الحيض، وبفحص دم الحيض تحت المجهر نجد بالإضافة إلى كرات الدم الحمراء والبيضاء قطعاً من الغشاء المبطن للرحم، ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك تماماً، كما يكون الجلد مسلوخاً، فهو معرّض بسهولة لعدوان البكتيريا الكاسح، ومن المعلوم طبياً أن الدم هو خير بيئة لتكاثر الميكروبات ونموها، وتقل مقاومة الرحم للميكروبات الغازية نتيجة لذلك، ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهماً على الرحم، مما يزيد الطين بلة.

إن مقاومة المهب مقاومة المهبل لغزو البكتيريا تكون في أدنى مستوياتها أثناء الحيض، إذ يقل إفراز المهبل الحامضي الذي يقتل الميكروبات، ويصبح الإفراز أقل حموضة إن لم يكن قلوي التفاعل، كما تقل المواد المطهرة الموجودة في المهبل أثناء الحيض إلى أدنى مستوى لها، ليس ذلك فحسب، ولكن جدار المهبل المكون من عدة طبقات من الخلايا يرق أثناء الحيض ويصبح جداره رقيقاً ومكوناً من طبقة رقيقة من الخلايا بدلاً من الطبقات العديدة التي نراها في أوقات الطهر، وخاصة في وسط الدورة الشهرية، حيث يستعد الجسم بأكمله للقاء الزوج.

لذلك فإن إدخال القضيب إلى الفرج والمهبل في أثناء الحيض ليس إلا إدخال للميكروبات في وقت لا تستطيع فيه أجهزة الدفاع أن تقاوم، كما أن وجود الدم من المهبل والرحم يساعد في نمو تلك الميكروبات وتكاثرها، والإفراز الحامضي للمهبل تقتلها أثناء الطهر، أما أثناء الحيض فأجهزة الدفاع مشلولة، والبيئة الصالحة لتكاثر الميكروبات متوفرة، ولا يقتصر الأذى على ما ذكرناه من نمو الميكروبات في الرحم والمهبل، مما يسبب التهاب الرحم والمهبل الذي كثيراً ما يزمن ويصعب علاجه، ولكن يتعداه إلى أشياء أخرى، نوجزها فيما يلي:

  1. أن تمتد الالتهابات إلى قناتي الرحم فتسدها أو تؤثر على شعيراتها الداخلية التي لها دور كبير في دفع البويضة من المبيض إلى الرحم، وذلك يؤدي إلى العقم أو إلى الحمل خارج الرحم، وهو أخطر أنواع الحمل على الإطلاق، ويكون الحمل عندئذ في قناة الرحم الضيقة ذاتها، وسرعان ما ينمو الجنين وينهش في جدار القناة الرقيق حتى تنفجر القناة الرحمية، فتنفجر الدماء أنهاراً إلى أقتاب البطن وإن لم تتدارك الأم في الحال بإجراء عملية جراحية سريعة فإنها لا شك تلاقي حتفها.
  2. يمتد الالتهاب إلى قناة مجرى البول فالمثانة فالحالبين فالكلى، وأمراض الجهاز البولي خطيرة ومزمنة.
  3. يصاحب الحيض آلام تختلف في شدتها من امرأة إلى أخرى، وأكثر النساء يصبن بآلام وأوجاع في أسفل الظهر وأسفل البطن، وبعض النساء تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات، ومنهن من يحتجن إلى زيارة الطبيب من أجل ذلك.
  4. تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض، وخاصة عند بدايته، وتكون المرأة عادة متقلبة المزاج، سريعة الاهتياج، قليلة الاحتمال، كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها أثناء الحيض، ولهذا نهى النبي r عن تطليق المرأة أثناء الحيض([4]).
  5. تصاب بعض النساء بالصداع النصفي (الشقيقة) قرب بداية الحيض، وتكون الآلام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء.
  6. تقل الرغبة الجنسية عند المرأة وخاصة عند بداية الطمث، بل إن كثيراً من النساء يكن عازفات تماماً عن الاتصال أثناء الحيض، ويملن إلى العزلة والسكينة، وهو مر فسيولوجي وطبيعي إذ إن فترة الحيض هي فترة نزيف دموي في قعر الرحم، وتكون الأجهزة التناسلية بأكملها في حالة شبه مرضية، فالجماع في هذه الآونة ليس طبيعياً، ولا يؤدي وظيفة، بل على العكس يؤدي إلى كثير من الأذى.
  7. رغم أن الحيض عملية فسيولوجية (طبيعية) بحتة، فإن استمرار فقدان الدم كل شهر يسبب نوعاً من فقر الدم لدى المرأة وخاصة إذا كان الحيض شديداً غزيراً في كميته.
  8. تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض بدرجة مئوية كاملة، وذلك أثناء العمليات الحيوية التي لا تتوقف في الكائن الحي، وتكون في أدنى مستوى لها أثناء الحيض، وتسمى هذه العمليات بالأيض أو الاستقلاب، ونتيجة لذلك يقل إنتاج الطاقة في الجسم كما تقل عملية التمثيل الغذائي.
  9. تزداد شراسة الميكروبات في دم الحيض وخاصة ميكروب السيلان.
  10. تصاب الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض، فتقل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها أثناء الحيض.
  11. نتيجة للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويبطئ النبض، وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل.
  12. الوطء في الحيض لا يمكن أن ينتج حملاً، ذلك لأن خروج البويضة لا يمكن أن يتم أثناء الحيض، بل يكون خروج البويضة قبل الحيض بأسبوعين كاملين تقريباً (قل تقل أو تزيد يوماً أو يومين فقط)، ففترة التلقيح والإخصاب بعيدة كل البعد عن الحيض، لذا فلا يمكن أن يؤدي الجماع في الحيض إلى الوظيفة المطلوبة منه، ولا يمكن انتظار الولد من وطء الحيض مطلقاً.
  13. لا يقتصر الأذى على الحائض في وطئها، وإنما ينتقل الأذى إلى الرجل الذي وطئها أيضاً، فإدخال القضيب إلى المهبل المليء بالدماء يؤدي على تكاثر الميكروبات والتهاب قناة مجرى البول لدى الرجل، وتنمو الميكروبات السبحية والعنقودية على وجه الخصوص في مثل هذه البيئة الدموية.
  14. وقد ظهر بحث قدمه البروفسور عبدالله باسلامة إلى المؤتمر الطبي السعودي السادس جاء فيه: إن الجماع أثناء الحيض قد يكون أحد أسباب سرطان عنق الرحم، ويحتاج المر إلى مزيد من الدراسة للتأكد من ذلك، وتنتقل الميكروبات من قناة مجرى البول إلى البروستاتا والمثانة، والتهاب البروستاتا سرعان ما يزمن لكثرة قنواتها الضيقة الملتفة والتي نادراً ما يصلها الدواء بكمية كافية تصل الميكروبات في تلافيفها، فإذا ما أزمن فتنتقل إلى الحالبين ومنه إلى الكلى، وقد ينتقل الميكروب من البروستاتا إلى الحويصلات المنوية، فالحبل المنوي فالبربخ فالخصيتين، كما أن الآلام المبرحة التي يعانيها المريض تفوق ما قد ينتج عن ذلك الالتهاب من عقم.

هذا موجز للأذى الذي يصيب كلاً من المرأة والرجل إذا خالف الأوامر الإلهية وقرار منع الوطء في الحيض([5]).

 

  • “القاموس المحيط” (ص1625).
  • “الجامع لأحكام القرآن” (3/57).
  • “”أحكام القرأن” (1/160)، وانظر: “الفتح” (1/399).
    • سيأتي بيان ذلك.
  • “خلق الإنسان” (101-104).

المسألة الخامسة

هل يحيض غير أنثى الإنسان؟

هل يحيض غير أنثى الإنسان؟

جاء في بعض الأحاديث غير الصحيحة: أن النبي r قدم له أرنب فأبى أن يأكله وقال: ((نبئت أنها تحيض))([1]).

وقد روى الإمام النساء رحمه الله تعالى حديثاً وفيه: ((فقال الرجل الذي جاء بها إني رأيتها تدمي))([2]). أي تحيض، كما قال السندي في الحاشية.

ولكن في الحقيقة إنها لا تحيض وإنما ينزل منها دم عند نزول البويضة إلى الرحم، وليس دم حيض ولكن من الحيوانات من لها دورة رحمية مثل القردة والغوريلا والأورانج والشمبانزي([3]).

قلت: وليس في هذا وإن فسره السندي بالحيض دلالة على كون الأرنب تحيض، إذ مجرد رؤيا الدم لا يعني ذلك، وليس هذا نصاً عن النبي r حتى يتبع، فيكون الصواب في ذلك أنها لا تحيض، والله أعلم.

  • انظر بيان ضعف الحديث في “المحلى” (7/432)، تحقيق أحمد شاكر رحمه الله.
  • “سنن النسائي” (7/196)، وانظر “الاقناع” للشربيني (1/82).
  • “خلق الإنسان” (ص84).

 

المسألة السادسة

أنواع الدم الخارج من النساء

أنواع الدم الخارج من النساء

من المعلوم لدى جل الناس أن الدم الخارج من المرأة على ثلاثة أنواع: فالأول: دم الحيض، والثاني: دم النفاس، والثالث: دم العرق (الاستحاضة أو النزيف).

وزاد النووي نقلاً عن غيره نوعاً رابعاً وهو الدم الفاسد، والفرق بينه وبين الاستحاضة أن الإستحاضة تعقب الحيض بخلاف هذا، فقد يكون من الصغيرة غير البالغة، فالله أعلم([1]).

قال ابن تيمية – رحمه الله تعالى –([2]): والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة، لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم، ودم الفساد عرق ينفجر، .. واصل هذا الدم باعتبار حمنه لا يخرج عن خمسة أشياء:

  • دم مقطوع بأنه حيض كالدم المعتاد الذي لا استحاضة معه.
  • دم يحتمل الأمرين، لكن الأظهر أنه حيض، وهو دم المعتادة والمميزة ونحوهما من المستحاضات الذي يحكم بأنه حيض.
  • دم يحتمل الأمرين والأظهر أنه فساد، وهو الدم الذي يحكم بأنه استحاضة من دماء هؤلاء.
  • دم مشكوك فيه لا يترجح فيه أحد الأمرين.

 

  • “المجموع” (2/346).
  • “الفتاوى” (19/238، 21/631).

المسألة السابعة

بيان سن الحيض بداية ونهاية

بيان سن الحيض بداية ونهاية

اختلف في بدايته ونهايته، فقيل في بدايته إنه تسع سنوات، وقيل غير ذلك، وقيل في آخره أقوال كثيرة منها: أقصى عادة امرأة في العالم قيل ستين سنة وقيل غير ذلك أيضاً.

والصحيح من اقوال العلماء ما قاله ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولا حد لسن تحيض فيه المرأة، بل لو قدر أنها بعد ستين سنة أو سبعين سنة زاد الدم المعروف من الرحم لكان حيضاً، واليأس المذكور في قوله تعالى: {واللائي يَئِسن مِن المَحيضِ}، ليس هو بلوغ سن، إذ لو كان بلوغ سن لبينه الله ورسوله، وإنما هو أن تيأس المرأة نفسها من أن تحيض، فانقطع دمها ويئست من أن يعود فقد يئست من المحيض([1]).

 

  • “”شرح الوجيز” (2/410- بحاشية المجموع)، “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (1414، 1633)، “البحر الرائق” (1/201)، “المهذب” (1/38)، “الجامع لأحكام القرآن” (18/108)، “مجموع الفتاوى” (19/240)، “المجموع” (2/373).

المسألة الثامنة

ألوان دم الحيض

ألوان دم الحيض

قال ابن نجيم([1]):

اعلم أن ألوان الدماء ستة: السوداد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والتربية، وهي في أيام الحيض إلى أن ترى البياض. وعند أبي يوسف: لا تكون الكدرة حيضاً إذا رأتها في أول أيام الحيض، وإذا رأتها في آخرها تكون حيضاً، وعنهما – أي أبا حنيفة ومحمداً – ما روي عن مولاة عائشة قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها بالدِّرجة([2]) التي فيها الكرسف([3]) فيه الصفرة من دم الحيض لتنظر إليه فتقول: لا تعجلنه حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر([4]).

وعن أم عطية قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً([5]).

وهذا يدل على أنهما في أيام الحيض حيض، لأنها قيدت بما بعد الطهر([6]).

وقال ابن حزم بعد كلام: .. فصح بما ذكرنا – أي من الأحاديث – أن الحيض إنما هو الدم الأسود وحده، وأن الحمرة والصفرة والكدرة عرق وليس حيضاً([7]).

قال النووي: قد ذكرنا أن الصحيح في أنهما – أي الكدرة والصفرة – في زمن الإمكان حيض([8]).

قال ابن المنذر: وممن قال إن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض: يحيى الأنصاري، وربيعة بن أبي عبدالرحمن، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحق.

قلت: وسبق أنه قول أبي حنيفة ومحمد.

قال: وكان عبدالرحمن بن مهدي يقول: الصفرة والكدرة إذا كانت واصلة بالحيض تعد من الحيض، لا تصلي حتى ترى الطهر الأبيض.

قال: فرّق بعضهم بين الصفرة والكدرة تراه المرأة ثم ترى دماً بعد ذلك متصلاً به صفرة أو كدرةن فقال: إذا رأت كدرة أو صفرة قبل أن ترى قبلها لم يعتد به، وإنما الدم الذي يعتد به ما جاء عن النبي r أنه قال: ((إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة))([9]).

والصفرة والكدرة في آخر الدم من الدم، لأن الدم إذا كان دماً سائلاً كان حكمه حكم الدم حتى ترى النقاء، والله أعلم. وهذا قول أبي ثور.

قال: وقد روينا عن غير واحد أنهم كانوا لا يعدون الكدرة والصفرة بعد الاغتسار وخروج أيام الحيض شيئاً([10]).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: الحديث وإن كان موقوفاً – أي أثر إرسال النساء الدرجة لعائشة رضي الله عنها- فله حكم الرفع .. وكنت أرى قديماً أن الحيض هو الدم الأسود فقط، لظاهر حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها وهو: ((إذا كان دم الحيض فإنه اسود يعرف))([11]).

قال: ثم بدا لي وأنا أبحث هذه التعليقات أن الحق ما ذكره سيد سابق أنه: الحمرة والصفرة والكدرة أيضاً قبل الطهر لهذا الحديث وشاهده ..الخ([12]).

يتلخص لنا مما سبق:

  • الدم الأسود دم حيض.
  • الحمرة والصفرة والكدرة أيضاً حيض إذا كانت قبل الطهر، أما بعده فلا على ما سيأتي، والله أعلم.

 

  • “البحر الرائق” (1/202).
  • الدِّرجة: بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع دُرج بالضم ثم السكون. قال ابن بطال: كذا يرويه أصحاب الحديث، وضبطه ابن عبد البر في “الموطأ” بالضم ثم السكون وقال: إنه تأنيث درج، والمراد به ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا. قاله ابن حجر في “الفتح” (1/420).
  • الكُرسف: بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنة هو القطن. “الفتح” (1/420).
    • قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في “الإرواء” (1/218): صحيح، رواه مالك في الموطأ (1/95، 97)، وعلقه البخاري في”صحيحه” _1/356-فتح)، وله طريق رواه الدارمي في “سننه” (1/214).
    • قال الشيخ الألباني في “الإرواء” (1/219): صحيح رواه أبو داود في “سننه” (307) والدارمي (1/215)، وغيرهم.
    • انظر: “المغني” (1/383).
    • “المحلى” (1/165).
    • “المجموع” (2/395).
  • رواه البخاري في “صحيحه” (1/86)، ومسلم (1/180)، وذكر غيرهم في “الإرواء” (1/203-204).
  • “الأوسط” (1/235).
  • رواه أبو داود في “سننه” (286)، والنسائي (1/45، 66)، وذكر غيرهم في “الإرواء” (1/223).
  • “تمام المنة” (136).

المسألة التاسعة والعاشرة

مدة الحيض والنفاس

مدة الحيض والنفاس

في “المبسوط” لمحمد بن الحسن الشيباني: وأقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام ولياليها لا ينقص من ذلك شيئاً، وأكثر الحيض عشرة أيام ولياليها لا يزيد على ذلك شيئاً([1]). اهـ.

وقد ورد في تحديد ذلك أثر اعتمده الشيباني رحمه الله تعالى وهو: أقل الحيض للجارية البكر والثيّب ثلاثة ايام وأكثر ما يكون عشرة أيام فإذا زاد فهي مستحاضة([2]).

ومذهب الشافعية أن أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً، وغالبه ست أو سبع على ما في “الإقناع”([3])، معتمدين في ذلك على حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها، وقول النبي r لها: ((تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام كما تحيض النساء))([4]).

وكذا مذهب الحنابلة أن أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً، وقد رُد ذلك إلى العُرف إذ لا دليل من السنة، والعرف وجود ذلك([5]).

قال الشوكاني: لم يأت في تقدير أقل الحيض وأكثره ما يصلح للتمسك به، بل جميع الوارد في ذلك إما موضوع أو ضعيف بمرّة([6]).

وذكر مثل هذا الكلام ابن المنذر وقال إنه مذهب فرقة([7])، دون أن يعينهم، وظاهر كلامه أنه يؤيد، والله أعلم.

قلت: عدم تحديد أقله وأكثره هو مذهب مالك، كما في “الفتاوى”([8]).

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله: ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام على الصحيح لقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}، فلم يجعل غاية المنع أياماً معلومة بل جعل غاية المنع هي الطهر، فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً وعدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه زالت أحكامه، ثم إن التحديد لا دليل عليه، مع أن الضرورة داعية إلى بيانه ..الخ([9])، اهـ.

وأما حد أول النفاس وآخره: فلا حد لأقله، وقيل في أكثره أقوال منها أربعون، وقيل خمسون، وقيل ستون.

ومن الأقوال في أقله إنه حسب أقرانها، وقيل أحد عشر يوماً، وقيل ثلاثة، والصحيح من ذلك ما سبق في الحيض من حيث أوله، حيث لم يأت دليل على ذلك وإنما هي أقوال فقط.

وأما أكثره فأصح الأقوال في ذلك قول من قال أربعين يوماً، وهو مذهب أحمد ومالك، مستدلين بحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: كانت المرأة من نساء النبي r تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي r بقضاء صلاة النفاس([10]).

 

  • “المبسوط” (1/408)، وانظر: “المحلى” (2/300).
  • خرجه الزيلعي في “نصب الراية” (1/191)، من طرق بين أن في طرقها مقالاً لا يصح الحديث لأجلها.
  • “الإقناع” (1/83).
  • قال الشيخ الألباني في “الإرواء” (1/202) رقم 188: حسن، رواه أبو داود.
  • “المغني” (1/352).
  • “السيل الجرار” (1/142).
  • “الأوسط” (2/228).
  • “مجموع الفتاوى” (21/623).
    • “فتاوى ابن عثيمين” (4/271).
    • حديث حسن رواه أبو داود والحاكم، قاله الألباني في “الإرواء” (1/222) رقم (201)، وانظر: “نيل الأوطار” (1/282).

المسألة الحادية عشرة

أحكام المبتدأة بالعادة

أحكام المبتدأة بالعادة

اختلف أهل العلم في حكم المبتدأة بالعادة كيف تعرف مدة حيضها، فمن قائل: تعرف بمرة واحدة، أي أول مرة تحيضها، ومن قائل: تعرف بثلاث مرات حتى يثبت لديها مدة الحيض، ومن قائل: ترجع في ذلك إلى عادة قريناتها من النساء.

والصحيح أن المرأة إذا كانت تستطيع أن تميّز لون دم الحيض وهو كما بينا أربعة ألوان عن غيرها، وهو أول ما ينزل يكون أسود لا غيره، ثم يطرأ عليه التغير، فإن كانت كذلك حددت مدة عادتها من أول الأمر إذ له بداية ونهاية، وأما إن كانت لا تميز ألوان دمها لتعرف كونه حيضاً أم استحاضة فإنها تصبر حتى تخبره عملياً، ولو كان بأكثر من مرة، فإذا تبين لها أمر حيضها جعلت لنفسها عادة كالمميزة تماماً، ويكون حد نهايتها انقطاع الدم، إذ الحيض له بداية ونهاية، والدليل على ذلك قول النبي r: ((إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي))([1]).

 

  • رواه البخاري ومسلم، وانظر تخريجه في “الإرواء” (1/203) رقم (189).

المسألة الثانية عشرة

حكم الناسية غير المميزة

حكم الناسية غير المميزة

قال الإمام ابن قدامة: الناسية ولها ثلاثة أحوال:

أحدها: ناسية لوقتها وعددها، وهذه يسميها الفقهاء المتحيرة.

والثانية: أن تنسى عددها وتذكر وقتها.

والثالثة: أن تذكر عددها وتنسى وقتها.

فالناسية لها هي التي ذكر الخرقي حكمها وأنها تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة يكو ذلك حيضها ثم تغتسل، وهي فيما بعد ذلك مستحاضة، تصوم وتصلي وتطوف .. إلى أن قال: ولنا ما روت حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت: كنت استحاض حيضة كبيرة شديدة، فأتيت النبي r أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله، إني استحاض حيضة كبيرة شديدة فما تأمرني فيها، قد منعتني الصيام والصلاة. فقال: ((إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله ثم اغتسلي فإذا رايت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي))([1]).

وهو بظاهره يثبت الحكم في حق الناسية لأن النبي r لم يستفصلها([2]) هل هي مبتدأة أو ناسية، ولو افترق الحال لاستفصل وسأل، واحتمال أن تكون ناسية أكثر، فإن حمنة امرأة كبيرة، ولأن لها حيضاً لا تعلم قدره فيرد إلى غالب عادات النساء كالمبتدأة. وقوله: (ستاً أو سبعاً) ردها إلى اجتهادها ورأيها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها أو بما يكون أشبه بكونه حيضاً.

أما الناسية لعددها دون وقتها، كالتي تعلم أن حيضها في العشر الأول من الشهر ولا تعلم عدده، فهي في قدر ما تجلسه كالمتحيرة تجلس ستاً أو سبعاً في أصح الروايتين، إلا أنها تجلس من العشر دون غيرها.

وأما الناسية لوقتها دون عددها وهذه تتنوع نوعين:

أحدهما: أن لا تعلم لها وقتاً أصلاً، مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام، فإنها تجلس خمسة أيام من كل شهر.

الثاني: أن تعلم لها وقتاً مثل أن تعلم أنها كانت تحيض أياماً معلومة من العشر الأول من كل شهر، فإنها تجلس عدد أيامها من ذلك الوقت دون غيره ..الخ كلامه([3])، اهـ.

قال النووي بعد ذكر أقسام النسيان وأن ناسية القدر والعدد هي المتحيرة: أما حكم المتحيرة ففيها ثلاثة طرق؛ أصحها وأشهرها والذي قطع الجمهور به أن فيه قولين: أصحهما عند الأصحاب أنها تؤمر بالاحتياط، الثاني: أنها كالمبتدأة، .. والطريق الثاني: القطع بأنها كالمبتدأة، .. والثالث: تؤمر بالاحتياط قطعاً([4]) اهـ.

قال الشوكاني: وأحكام المستحاضة مستوفاة في كتب الفروع، والأحاديث الصحيحة منها ما يقضي بأن الواجب عليها الرجوع إلى العمل بصفة الدم، كما في حديث فاطمة بنت حبيش([5])، ومنا ما يقضي باعتبار العادة. ويمكن الجمع بأن المراد بقوله: “أقبلت حيضتك”، الحيضة التي تتميز بصفة الدم، أو يكون المراد بقوله: “إذا أقبلت الحيضة” في حق المعتادة، والتمييز بصفة الدم في حق غيرها، وينبغي أن يعلم أن معرفة إقبال الحيضة قد يكون بمعرفة العادة، وقد يكون بمعرفة الأمرين.

وقد أطال المصنفون في الفقه الكلام في المستحاضة واضطربت أقوالهم اضطراباً يبعد فهمه على أذكياء الطلبة، فما ظنك بالنساء الموصوفات بالعي في البيان والنقص في الأديان، وبالغوا في التفسير حتى جاءوا بمسألة المتحيرة فتحيروا، والأحاديث الصحيحة قد قضت بعدم وجودها لأن حديث الباب ظاهر في معرفة إقبال الحيضة وإدبارها، وكذلك الحديث الآتي في الباب الذي بعد هذا، فإنه صرحيح في أن دم الحيض يعرف ويتميز عن دم الاستحاضة، فطاحت مسألة المتحيرة ولله الحمد([6]).

 

  • حديث حسن رواه أبو داود، قاله الشيخ الألباني في “الإرواء” رقم (188).
    • قلت: وترك الاستفصال ينزل منزل العموم.
    • “المغني” (1/370-374).
  • “”المجموع” (2/434).
  • وهو صحيح كما في “الإرواء” (1/123) رقم (204).
  • “”نيل الأوطار” (1/268).

المسألة الثالثة عشرة

حيض الحامل

حيض الحامل

اختلف أهل في ذلك، فذهب ابن المسيب وابن شهاب ومالك في المشهور عنه والشافعي في الجديد وغيرهم محتجين بقول عائشة المذكور([1]).

وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والثوري إلى أنها لا تحيض، وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالحيض، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض([2]).

قال الإمام النووي: إذا رأت الحامل دماً يصلح أن يكون حيضاً فقولان مشهوران، الجديد أنه حيض، واتفق الأصحاب على أن الصحيح أنه حيض([3]).

قلت: وصلاحه يظهر بأمرين: الأول: اللون، والثاني: الوقت، بل أزيد ثالثاً وهو المدة.

قال ابن قدامة: مذهب أبي عبدالله رحمه الله: أن الحامل لا تحيض، وما تراه من الدم فهو دم فساد، وهو قول جمهور التابعين([4]). وقال مالك والشافعي والليث: ما تراه من الدم حيض إذا أمكن، وروي ذلك عن الزهري وقتادة وإسحاق، لأنه دم صادف عادة فكان حيضاً لغير الحامل.

قال: ولنا قول النبي r: ((لا توطأ حامل حتى تضح، ولا حائل حتى تُستبرأ بحيضة))([5]). فجعل وجود الحيض علماً على براءة الرحم، فدل على أنه لا يجتمع معه، واحتج إمامنا بحديث سالم عن أبيه: أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي r فقال له: ((مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً))([6]). فجعل الحمل علماً على عدم الحيض كما جعل الطهر علماً عليه، ولأنه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالباً، فلم يكن ما تراه فيه حيضاً.

قال: وقول عائشة يحمل على الحبلى التي قاربت الوضع جمعاً بين قوليها([7])، فإن الحامل إذا رأت الدم قريباً من ولادتها فهو نفاس تدع له الصلاة ..الخ([8]) اهـ.

وقد رد الزرقاني هذا القول بقوله: وأجيب بأن دلالته على براءة الرحم على سبيل الغالب، وحيض الحامل قليل، والنادر لا يناقض فيه بالغالب([9]).

قال ابن حزم: وكل دم رأته الحامل ما لم تضع آخر ولد في بطنها فليس حيضاً ولا نفاساً ولا يمنع من شيء([10]).

ومن حجج من يقول بأنها لا تحيض عدا ما مضى، ما رواه البخاري عن النبي r قال: ((إن الله وكل بالرحم ملك يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة. فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه)).

والمخلقة في الحديث: المصورة خلقاً تاماً، وغير المخلّقة السقط قبل تمام خلقه([11]).

قال ابن حجر في “الفتح”: قال ابن بطال: غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في أبواب الحيض تقوية مذهب من يقول إن الحامل لا تحيض، وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور وابن المنذر وطائفة، وإليه ذهب الشافعي في القديم، وقال في الجديد إنها تحيض، وبه قال إسحق، وعن مالك روايتان.

قلت: وفي الاستدلال بالحديث المذكور على أنها لا تحيض فيه نظر، لأنه لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن لا يكون الدم الذي تراه المرأة التي يستمر حملها ليس بحيض، وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو من فضلة غذائه أو دم فاسد لعلة، فمحتاج إلى دليل، وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت، لأن هذا دم بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض، ومن ادعى خلافه فعليه البيان([12]) اهـ.

ورجح الشيخ ابن عثيمين أنها تحيض، وذكر أن ذلك مذهب ابن تيمية([13]).

وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله بأنها لا تحيض([14]).

قال الشيخ عمر الأشقر: يقول ابن رشد في سبب الاختلاف في كون المرأة الحامل تحيض أو لا تحيض أثناء حملها: “وسبب اختلافهم عسر الوقوف على ذلك بالتجربة واختلاط الأمرين، فإنه مرة يكون الدم الذي تراه الحامل دم حيض، وذلك إذا كانت قوة المرأة وافرة في الجنين صغيراً، وبذلك أمكن أن يكون حمل على ما حكاه بقراط وجالينوس وسائر الأطباء، ومرة يكون الذي تراه الحامل لضعف الجنين ومرضه التابع لضعفها ومرضها، وفي الأكثر يكون الدم دم علة ومرض، وهو في الأكثر دم علة” اهـ.

وقد أصبحنا اليوم نعلم يقيناً أن الدم الذي يصيب الحامل أثناء حيضها ليس بدم حيض وإنما هو دم استحاضة([15]).

وقد بينت فيما مضى كيف يحدث الحيض، فالحيض هدم لما يبنى داخل الرحم لاستقبال البويضة الملقحة، فإذا لم تأت هذه البويضة أو لم تعلق بالرحم، فإن البناء كله يهدم، وعلى ذلك فلا يمكن أن يجتمع الحيض والحمل، لأنهما نقيضان، فإذا وجد الحيض فلا حمل، وإذا وجد الحمل فلا حيض.

وقد دلت الدراسات العلمية أن الدم أثناء الحمل يعود إلى الأسباب التالية:

  1. نزيف ينذر بالإجهاض في الشهور الأولى للحمل وقبل الأسبوع الثامن والعشرين.
  2. الحمل خارج الرحم، ويكون عادة مصحوباً بآلام في البطن وهبوط في الضغط، وهي حالة في حاجة للتدخل الجراحي فوراً.
  3. الحمل العنقودي: وهو حمل غير طبيعي، ويكون عبارة عن كتل من الخلايا لها القدرة على الانتشار داخل الرحم.
  4. أسباب تعود إلى الجهاز التناسلي، ومن هذه الأسباب:

أ- وجود زوائد لحمية في الرحم.

ب- حصول التهاب في عنق الرحم أو المهبل.

ج- وجود دوالي في عنق الرحم أو المهبل.

د- وجود مشيمة متقدمة.

وتقرر هذه الدراسات استحالة حدوث نزيف في الرحم أثناء فترة الحمل، حتى في حالة وجود الرحم ذي القرنين، لأن الرحم يكون في حالة الحمل واقعاً تحت تأثير الهرمونات التي تفرزها المشيمة لاستمرار الحمل، ولا يمكن أن يحدث نزيف إلا إذا حدث إجهاض([16]).

قلت: مما سبق ومما كنا قد كتبناه، أن الصحيح عدم حيض الحامل وإن كان يمكن أن يكون هناك دم له صفة الحيض فهو من أندر النادر، والنادر لا حكم له، والله أعلم بالصواب.

 

  • قلت: وهو أنها قالت في المرأة الحامل ترى الدم: أنها تدع الصلاة. وضعفه ظاهر لانقطاعه.
  • “شرح الزرقاني على الموطأ” (1/118-119).
  • “المجموع” (2/384).
  • انظر: “الأوسط” لابن المنذر (2/238).
  • قال الشيخ الألباني في “الإرواء” (1/200) رقم (187): صحيح، رواه أبو داود والدارمي وغيرهم.
  • رواه البخاري ومسلم وغيرهما، انظر “الإرواء” (1/124) رقم (1059).
    • [7] قلت: جاء عن عائشة أن الحامل لا تحيض، خلافاً لقولها الأول، والأول كما عرفت ضعيف، والثاني عنها صحيح. انظر: “الإرواء” (1/202).
    • [8] “”المغني” (1/405).
  • “”شرح الزرقاني على الموطأ” (1/119).
  • “المحلى” (1/190).
  • انظر: تفسير الطبري (17/117)، وقد خطّأ هذا القول الشنقيطي في “أضواء البيان” (5/22-23)، في تفسيره لسورة الحج آية (5) بعد أن ذكر أقوال العلماء في ذلك.
  • “فتح الباري” (1/319).
  • انظر: “فتاوى ابن عثيمين” (4/304).
  • “الإرواء” (2/201).
  • قلت: القطع بهذه الصورة صعب، كيف وقد قال الدكتور محمد علي البار: وإذا استعنا بالمعلومات الطبية فإننا نجد الجنين لا يملأ تجويف الرحم إلا بعد الشهر الثالث من الحمل، وعليه فإن سقوط شيء من غشاء الرحم (وهو الذي يسقط عادة في الحيض) يجعل هذا الدم شبيهاً جداً بدم الحيض، ورغم ندرة حصول هذا الدم، إلا أنه يمكن أن يعتبر على هذه الصفة حيضاً، وذلك في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، أما بعد ذلك فإنه يكون نتيجة إصابة في المشيمة ويتحول دم سقط، سواء كان السقط منذراً أو كاملاً فإن كان كاملاً فلا مشاحة في أنه يسمى دم نفاس. اهـ من “خلق الانسان” (ص99).
  • “الحيض والنفاس والحمل بين الفقه والطب” (32-35).

المسألة الرابعة عشرة والخامسة عشرة

الحيض في غير الوقت

الحيض في غير الوقت

كالتقدم أو التأخر أو الزيادة أو النقصان

فهاتان مسألتان:

الأولى: أن تكون المرأة تحيض في أول الشهر فتحيض في أخره أو العكس.

الثانية: أن يكون حيضها ستة أيام فيمتد إلى سبعة أو العكس.

ذكر ابن قدامة رحمه الله تعالى الخلاف بين أهل العلم في ذلك ثم قال مرجحاً مذهب الشافعي:

“وقال الشافعي: كله حيض ما لم تتجاوز أكثر الحيض، وهذا أقوى عندي، لأن عائشة رضي الله عنها كانت يبعث إليها النساء بالدرجة فيه الصفرة والكدرة فتقول: لا تعجلن بالغسل حتى ينقطع الدم وتذهب الصفرة. ولا يبقى شيء يخرج من المحل، بحيث إذا دخلت فيها قطنة خرجت بيضاء ولو لم تعد الزيادة حيضاً للزمها الغسل عند انقضاء العادة، وإن كان الدم جارياً، لأن الشارع علق على الحيض أحكاماً ولم يحده، فعلم أنه رد الناس إلى عرفهم، والفرق بين النساء أن المرأة متى رأت دماً يصلح أن يكون حيضاً اعتقدته حيضاً، ولو كان عرفهن اعتبار العادة على الوجه المذكور لنقل ولم يجز التواطؤ على كتمانه مع دعاء الحاجة إليه، ولذلك لما كان بعض أزواج النبي r معه في الخميلة فجاءها الدم فانسلت من الخيمة فقال لها النبي r : “مالك أنَفست” قالت: نعم، فأمرها أن تأتزر”([1]). ولم يسألها النبي r هل وافق العادة أو جاء قبلها، ولا هي ذكرت ذلك ولا سألت عنه، وإنما استدلت على الحيضة بخروج الدم، فأمرها النبي r ..الخ([2])، اهـ.

قلت: وهذا هو الحق لا غيره، إذ لا عبرة سواء تقدم الدم أم تأخر، وسواء زادت المدة أم نقصت إذ العبرة بوجود الأمر المحكوم عليه وهو دم الحيض، فمتى وجد كان حيضاً، ومتى انقطع كان طهراً، وهذا في ظاهره يؤيد ما كنا قد رجحناه من كون الحامل لا تحيض، وبهذا القول الذي ذكره ابن قدامة عن الشافعي ورجحه قاله ابن عثيمين وذكر أنه اختيار ابن تيمية([3]).

 

  • قال ابن حجر في “تلخيص الحبير” (1/167 رقم 230): رواه مالك والبيهقي وإسناده صحيح.
  • “المغني مع الشرح الكبير” (1/397-398).
  • “فتاوى ابن عثميمن” (4/305).

المسألة السادسة عشرة والسابعة عشرة

الظهر أثناء الحيض والتلفيق في الحيض

الظهر أثناء الحيض والتلفيق في الحيض

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “النوع الرابع: تقطع في الحيض بحيث ترى يوماً دماً ويوماً نقاءً ونحو ذلك، فهذان حالان:

الحال الأول: أن يكون هذا مع الأنثى دائماً كل وقتها فهذا دم استحاضة يثبت لمن تراه حكم المستحاضة.

الحال الثاني: ألا يكون مستمراً مع الأنثى بل يأتيها بعض الوقت ويكون لها وقت طهر صحيح، فقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذا النقاء هل يكون طهراً أو ينسحب عليه أنه حيض.

فمذهب الشافعي في أصح قوليه أنه ينسحب عليه أحكام الحيض فيكون حيضاً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحب “الفائق”، ومذهب أبي حنيفة، وذلك لأن القصة البيضاء لا ترى فيه، ولأنه لو جعل طهراً لكان ما قبله حيضة وما بعده حيضة ولا قائل به وإلا لانقضت العدة بالقرء بخمسة أيام، ولأنه لو جعل طهراً لحصل به حرج ومشقة بالاغتسال وغيره كل يومين والحرج منتف في هذه الشريعة والحمد لله.

والمشهور من مذهب الحنابلة أن الدم حيض، والنقاء طهر، إلا أن يتجاوز مجموعهما أكثر الحيض فيكون الدم المتجاوز استحاضة. وقال في “المغني”: يتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس، أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم وهو الصحيح إن شاء الله، لأن الدم يجري مرة وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ}، قال: فعلى هذا لا يكون انقطاعه في آخر عادتها أو ترى القصة البيضاء”([1]).

قلت: ومما علمنا من كون الحيض له بداية ونهاية، وله صفات معروفة ولآخره علامة مميزة تدل على انتهائه، فإن القول الصحيح من ذلك يكون ما قاله الشافعي واختاره شيخ الإسلام، فينسحب الحيض على زمن نزول الدم كما ينسحب على عدم نزوله على حد سواء، ومعنى ذلك أن فترة انقطاع دم الحيض تكون حيضاً ولو خلت من نزول الدم، هذا هو الصحيح.

وأما التلفيق: فهو ضم زمن انقطاع الدم وهو طهر عند من يقول به، إلى زمن نزول الدم فيكون الجميع منطبقاً عليه اسم الحيضة، ولا يعتدون بالطهر ولو كان طهراً صحيحاً فوجه الفرق بين الأمرين أن من قال بقول السحب اعتبر زمن انقطاع الدم حيضاً وليس طهراً إلا أنه أجرى عليه حكم الحيض، والله أعلم([2]).

 

  • “فتاوى ابن عثميمن” (4/306).
  • انظر للزيادة “المجموع” للنووي (2/205)، و”التمهيد” لابن عبد البر (2/110).

المسألة الثامنة عشرة

الحيض أكثر من مرة في الشهر

الحيض أكثر من مرة في الشهر

بناءً على ما بيَّنا في المسألتين السابقتين، وقد يحصل تقدم في الحيض فتكون المرأة تحيض أكثر من مرة في الشهر تبين لنا أن الدم إذا انطبقت عليه صفات الحيض المعروفة وختم بعلامة الطهر المعروفة كان ذلك حيضاً وإلا فهو استحاضة، والله أعلم.

وبنفس هذا الضابط يظهر لنا حكم الزيادة في أيام الدورة عند النساء إذا ما كانت إحداهن ممن تتناول حبوب منع الحمل أو تركيب اللولب، ولو قيل هي حالة شبه مرضية لا حكم للزائد فيها لعل ذلك أن يكون صواباً، والاحتياط أن تعتبر حيضاً، والله أعلم.

المسألة التاسعة عشرة

الدم قبل الولادة

الدم قبل الولادة

قال ابن حزم: وكل دم رأته الحامل ما لم تضع آخر ولد في بطنها فليس حيضاً ولا نفاساً ..الخ([1]).

وقال ابن المنذر: “واختلفوا في المرأة ترى الدم وهي تمخض، فقالت طائفة: هو حيض لا تصلي، روي هذا القول عن النخعي.

وقال الحسن: إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة.

وقال مالك في الماء الأبيض الذي يخرج من فرج المرأة حين يضربها الطلق حضرة الولاة تتوضأ وتصلي حتى ترى دم النفاس، وجعل ذلك بمنزلة البول.

وقال إسحق بن راهويه: إذا ظهر الدم تركت الصلاة، وإن كان قبل الولادة بيوم أو يومين، وكان عطاء يقول: تصنع ما تصنع المستحاضة.

قال أبو بكر: لا تدع الصلاة حتى تلد، فيكون حكمها حينئذ حكم النفساء”([2]).

ومذهب الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي أن الدم قبل الولادة ليس دم نفاس وإنما هو دم فساد([3])، وهو رأي الأطباء في زماننا كذلك.

وأما مذهب أحمد فهو أنه دم نفاس، ويكون قبل الولادة بيوم أو يومين أو ثلاثة.

وفصل شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إن كان معه طلق – ولو كان ثلاثة أيام – فهو دم نفاس، وإن لم يكن معه طلق فهو دم فساد لا تتعلق به أحكام النفاس، ورجح ذلك الشيخ ابن عثيمين، والله أعلم([4]).

 

  • “المحلى” (2/190).
  • “الأوسط” (2/242).
  • انظر “المجموع” (2/321)، و”المبسوط مع الحاشية” لمحمد بن الحسن الشيباني (1/435).
  • انظر “فتاوى ابن عثيمين” (4/327)، ورسالة (52 سؤالاً عن أحكام الحيض” له كذلك (ص19).

المسألة العشرون

معاودة النفساء الدم في المدة

معاودة النفساء الدم في المدة

قال ابن المنذر:

“اختلف أهل العلم في النفساء تطهر وتغتسل وتصلي ثم يعاودها الدم قبل أقصى أيام النفاس.

فقالت طائفة: إذا طهرت صلت، وإذا رأت الدم أمسكت ما بينها وبين شهرين، روينا هذا القول عن الشعبي وعطاء.

قال أبو بكر: هذا يشبه مذهب الشافعي، وقال أبو عبيد كذلك إلا أنه قال: ما بينها وبين الأربعين، لن ذلك كان أقصى النفاس عنده.

قال أبو بكر: هذا يشبه مذهب الشافعي، وقال أبو عبيد كذلك غلا أنه قال: ما بينها وبين الأربعين، لأن ذلك كان أقصى النفاس عنده.

وكان مالك يقول: متى رأت الطهر بعد الولادة وإن قرب فإنها تغتسل وتصلي، فإن رأت بعد ذلك بيوم أو يومين أو ثلاثة أو نحو ذلك دماً هو قريب من دم النفاس، كان مضافاً إلى دم النفاس وألغت ما بين ذلك من الأيام مما لم تر فيه دماً وإن تباعد ما بين الدمين، كان الدم المستقبل حيضاً، وإن كانت رأت الدم قبل دم النفاس كانت نفساء، فإن تمادى بها أقصى ما تقول النساء إنه نفاس وأهل المعرفة بذلك كانت نفساء، وإن زادت على ذلك كان مستحاضة.

وكان أبو ثور يقول: وإذا رأت النفساء الطهر والنقاء فهو طهر، وإن عاودها بعد أيام فذلك دم فساد ..الخ”([1]).

قلت: إذا انقطع دم النفاس وظهرت علامة الطهر فالدم الخارج بعد ذلك وإن لم تنقض المدة أحد دمين:

الأول: أن يكون دم حيض، إذا وافق العادة وكان بالأوصاف المعروفة.

الثاني: أن يكون دم استحاضة، والله أعلم.

 

  • “الأوسط” (2/254). وانظر “المجموع” )2/528).

المسألة الحادية والعشرون

بم يثبت النفاس

بم يثبت النفاس

قال الشيخ ابن عثيمين: ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فلس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق، فيكون حكمها حكم المستحاضة، واقل مدة تبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً([1]).

 

  • “فتاوى ابن عثميمن” (4/328).

المسألة الثانية والعشرون والثالثة والعشرون

كون الحيض له ملابس خاص وهل تصلي المرأة في ثوم حاضت فيه؟

كون الحيض له ملابس خاص وهل تصلي المرأة في ثوم حاضت فيه؟

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “بينما أنا مع النبي r مضطدعة في خميلة حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: “انفست؟” فقلت: نعم([1]).

قلت: ووجه الدلالة ظاهر إذ قالت: أخذت ثياب حيضتي، فهذا فيه دلالة على جواز أن يكون للحيض ثياب خاصة به، والله أعلم.

وأما المسألة الثانية وهي هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟

روى البخاري في “صحيحه”: قالت عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها([2]).

قال الحافظ ابن حجر: قيل: مطابقة الترجمة لحديث الباب أن من لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه فمن المعلوم أنها تصلي فيهولكن بعد تطهير. وفي الجمع بينه وبين حديث أم سلمة الماضي الدال على أنه كان لها ثوب مختص بالحيض؛ أن حديث عائشة محمول على ما كان أول المر، وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال ..الخ([3]).

 

  • رواه البخاري في “صحيحه” (1/503، رقم 298 – فتح).
  • رواه البخاري في “صحيحه” (1/491، رقم 312 – فتح).
  • “فتح الباري” (1/491-492).

المسألة الرابعة والعشرون والخامسة والعشرون

النوم مع الحائض في ثياب حيضها وأن يمس ثوب المصلي الحائض

النوم مع الحائض في ثياب حيضها وأن يمس ثوب المصلي الحائض

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بينما أنا مع النبي r مضطجعة في خميلة حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: “أنفست؟” فقلت: نعم، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة([1]).

قلت: ووجه الدلالة أن النبي r دعا أم سلمة وهي حائض وقد لبست ثياب الحيض إلى الخميلة، ولا بد في ذلك من حصول النوم والمضاجعة وغير ذلك، فدل ذلك على جواز الأمر، والله أعلم.

وأما أن يمس ثوب المصلح الحائض وكونه لا بأس به، ففيه ما رواه البخاري عن ميمونة رضي الله عنها وفيه: أنها كانت تكون حائضاً لا تصلي وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله r وهو يصلي على خمرته إذا سجد أصابني بعض ثوبه([2]).

والمراد من كل ما ذكرنا بيان بطلان قول اليهود من أن الحائض تُعتزل، وسيأتي في باب مباشرة الحائض مزيد لذلك إن شاء الله تعالى.

  • رواه البخاري في “صحيحه” (1/503، رقم 298 – فتح).
  • رواه البخاري في “صحيحه” (1/430، رقم 333 – فتح).

المسألة السادسة والعشرون

تطهير الثوب من الحيض

تطهير الثوب من الحيض

عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها أنها قالت: سألت امرأة رسول الله r فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله r: “إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتَقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصلي فيه([1]).

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: “قوله: “فلتقرصه” أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه. وقوله: “لتنضحه”: أي تغسله، قاله الخطابي، وقال القرطبي: المراد به الرش، لأن غسل الدم استعير من قوله تقرصه بالماء، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب([2]).

قال الخطابي: في الحديث دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعاً، وهو قول الجمهور، أي يتعين الماء لإزالة النجاسة. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر، ومن حجتهم حديث عائشة: “ما لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فقصعته بظفرها”. ولأبي داود: “بلته بريقها”، ووجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزاد النجاسة، وأجيب باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك”([3])اهـ.

 

  • رواه الإمام مالك في “الموطأ – بشرح الزرقاني” (1/119-120)، ورواه البخاري في “صحيحه” رقم (227)، وغيرهما.
  • قلت: فعلى هذا فالضمير في قوله “تنضحه” يعود على الثوب بخلاف “تحته” فإنه يعود على الدم، ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئاً، لأنه إن كان طاهراً فلا حاجة إليه وإن كان متنجساً لم يطهر بذلك، فالأحسن ما قاله الخطابي.
  • “فتح الباري” (1/395-396). وزاد ابن حجر تأكيد هذا في كتاب الحيض من “الفتح” (1/492)، ومثله في “شرح الزرقاني للموطأ” (1/121).

المسألة السابعة والعشرون

ما يحرم على الحائض

ما يحرم على الحائض

– تحريم وطئها:

قال الله تعالى: )وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ( [البقرة:222]، فلا يحل للرجل أن يأتي أهله في موضع الدم أو في مدته، أي وقت الحيض بنص الآية الكريمة.

وعن النبي r: “من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد([1]).

وقال عليه الصلاة والسلام تعقيباً على قول اليهود كما جاء عن أنس، قال: “إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله r عن ذلك فأنزل الله تعالى ذكره: )وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ(، فقال رسول الله r: “جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح“. فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل لا يدع شيئاً أمرنا إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي r فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض، فتمعر وجه رسول الله r حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله r فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما”([2]).

قال الشوكاني في كلامه على حديث: “اصنعوا كل شيء إلا النكاح”: يدل على حكمين: تحريم النكاح وجواز ما سواه؛ أما الأول فبإجماع المسلمين وبنص القرآن العزيز والسنة الصريحة، ومستحله كافر، وغير المستحل إن كان ناسياً أو جاهلاً لوجود الحيض، أو جاهلاً لتحريمه أو مكرهاً، فلا إثم عليه ولا كفارة، وإن وطئها عامداً عالماً بالحيض والتحريم مختاراً فقد ارتكب معصية كبيرة نص على كبرها الشافعي ويجب عليه التوبة ..الخ([3]).

وقال ابن العربي: “المسألة العاشرة: اختلف العلماء في مورد العزل ومتعلقه على أربعة أقوال:

الأول: جميع بدنها، فلا يباشره بشيء من بدنه، قاله ابن عباس وعائشة في قول، وعبيدة السلماني.

الثاني: اجتناب ما بين السرة والركبة.

الثالث: الفرج، قالته حفصة وعكرمة وقتادة والشعبي والثوري.

الرابع: الدبر، قاله مجاهد، وروي عن عائشة معناه”([4])اهـ.

قلت: وصحح رحمه الله الثاني وهو العزل عما بين السرة والركبة وسيأتي بيانه.

2- كفارة من أتى حائضاً:

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: “ومن غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب انجليزي تقريباً أو ربعها، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي r في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: “يتصدق بدينار أو نصف دينار“. أخرجه أصحاب السنن، وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء وجعله من مذهبه، فقال أبو داود في المسائل: سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض؟ قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه “قلت: يعني هذا”، قلت، وتذهب إليه؟ قال: نعم، إنما هو كفارة. قلت، فدينار أو نصف دينار، قال: كيف شاء. قلت: ولعل التخيير بين الدينار ونصف الدينار يعود إلى حال المتصدق من اليسار أو الضيق كما صرحت بذلك بعض روايات الحديث وإن كان سنده ضعيفاً، ومثله في الضعف الرواية التي تفرق بين إتيانها في الدم وإتيانها بعد الطهر ولم تغتسل”([5])اهـ.

قال الشوكاني: والحديث يدل على وجوب الكفارة على من وطئ امرأته وهي حائض وإلى ذلك ذهب ابن عباس والحسن البصري …، وأحمد في الرواية الثانية والشافعي في قوله القديم. وقال عطاء ومالك وأبو حنيفة وهو الأصح عن الشافعي واحمد في إحدى الروايتين وجماهير من السلف؛ إنهلا كفارة عليه بل الواجب الاستغفار والتوبة([6]).

قلت: والصحيح أنه تجب الكفارة لصحة الحديث، ويكفر بدينار أو نصف دينار على قدر حاله من الغنى والفقر، وقد يستغرب بعض الناس قولنا يخرج ديناراً أو نصف دينار على حسب غناه وفقره، ولكن إذا ما عرف وزن دينار الذهب وكمي يساوي من الدنانير الورقية ذهبت غرابته، فدينار الذهب يساوي (4.250) جراماً.

يقول الدكتور محمود الخالدي: “لقد كادت أبحاث المعاصرين تتفق على أن وزن الدينار الذهب هو (4.250) جراماً، بناء على أن وزن دينار عبد الملك بن مروان كان كذلك لأنه لم يرو خلاف في وزن الدينار في جاهلية ولا إسلام، والدينار الذي ضربه عبد الملك بن مروان بطرازه البيزنطي سنة 76هـ، والذي ضربه بطرازه الإسلامي الخاص لا يختلفان في الوزن عما كان يرد الحجاز من الدنانير البيزنطية قبل الإسلام أو بعده وهذا مجمع عليه.

قلت: وقد رجح الدكتور الخالدي في ختام بحثه كون وزن الدينار هو (4.250) قال: جهود مضنية قمت بها في عمليات وزن دقيقة لحبات الخروب والشعير والقمح في سنوات ممحلة، فالدينار الذي وجد بين الآثار الباقية من النقود البيزنطية في عهد النبوة تبين أن وزنه (4.450) جراماً”([7])اهـ.

فعلى التقديرين نبين كم تكون قيمة كفارة من أتى حائضاً ونقدره على وزن الذهب في الأردن فيكون:

وزن الدينار × سعر الجرام من الذهب = قيمة الدينار.

4.25 × 760قرشاً = 3230 قرشاً.

قيمة نصف الدينار = 3230 ÷ 2 = 1615 قرشاً أي (16.15) ديناراً.

وأما على حساب كونه (4.45) فيساوي:

4.45 × 760 = 3382 قرشاً. أي (33.82) ديناراً.

ونصف الدينار = 3382 ÷ 2 = 1691 قرشاً، أي (16.91) ديناراً.

فلو أتى فقير أهله في الحيض للزمه أن يكفر عن فعله على أقل حال بـ (16.15) ديناراً، وهذا مبلغ يساوي عمله لمدة (4) أيام على أقل حال، فيكون بذلك قد كلف أمراً شاقاً، لو قيل له كفّر عن فعلتك بدينار كامل، والحمد لله الذي جعل في دينه سعة، والله أعلم بالصواب.

3- تحريم الصلاة عليها، ولا تصح منها إن فعلتها:

قال ابن المنذر: “أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم على إسقاط فرض الصلاة عن الحائض أيام حيضها، وإذا سقط فرض الصلاة عنها فغير جائز أن يلزمها قضائ ما لم يجب عليها أيام الحيض من الصلاة بعد طهرها، وثبت عن النبي r خبر دال على ذلك، عن أبي سعيد الخدري: “أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم([8])، قال أبو بكر: فأخبر أن لا صلاة عليها ..الخ([9]) اهـ.

قال النووي: قال أبو جعفر بن جرير في كتابه “اختلاف الفقهاء”: أجمعوا على أن عليها اجتناب كل الصلوات فرضها ونفلها([10]).

قلت: والأدلة على ذلك من السنة ما رواه البخاري ومسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة“، وكذلك روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قولها: “كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة”. ففيه دليل على أنهن كن لا يصلين، فثبت من ذلك حرمة الصلاة عليهن مطلقاً.

4- هل تقضي الحائض شيئاً من الصلاة بعد طهرها:

قال ابن حزم: “وإن حاضت امرأة في أول وقت الصلاة أو في آخر الوقت ولم تكن صلت تلك الصلاة سقطت عنها ولا إعادة عليها فيها، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي وأصحابنا، وبه قال محمد بن سيرين وحماد بن أبي سليمان، وقال النخعي والشعبي وقتاده وإسحاق: عليها القضاء، وقال الشافعي: إن أمكنها أن تصليها فعليها القضاء.

قال ابن حزم: برهان قولنا هو أن الله تعالى جعل للصلاة وقتاً محدوداً أوله وآخره، وصح أن رسول الله r صلّى الصلاة في أول وقتها وفي آخر وقتها([11])، فصح أن المؤخر لها إلى آخر وقتها ليس عاصياً؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يفعل المعصية، فإذن ليست عاصية فلم تتعين الصلاة عليها بعد ولها تأخيرها، فإذا لم تتعين عليها حتى حاضت فقد سقطت عنها، ولو كانت الصلاة تجب بأول الوقت لكان من صلاها بعد مضي مقدار تأديتها من أول وقتها قاضياً لا مصلياً وفاسقاً بتأخيرها عن وقتها، وهذا باطل لا اختلاف فيه من أحد”([12])اهـ.

قلت: وما قاله ابن حزم هو الصحيح إن شاء الله تعالى.

5- الحكمة من أن الحائض لا تقضي الصلاة:

من المعلوم أن المرأة يلازمها الحيض كما قد يلازمها النفاس أيضاً، وهي تحيض على أقل معدل يومين في كل شهر، فيلزمها في هذين اليومين عشر صلوات قد تركتهن، فلو أوجبنا القضاء على المرأة والحالة هذه لشق الأمر عليها، والمعلوم أن المشقة تجلب التيسير، والشريعة جاءت باليسر ولم تأت بالتشديد ما أمكن ذلك، فحتى لا تقع المرأة في ضيق ولا حرج، رفع الله تعالى قضاء الصلاة عنها بعد طهرها، والله أعلم.

6- هل يقوم شيء مقام الصلاة أثناء فترة الحيض؟

ليس على المرأة وضوء ولا ذكر ولا تسبيح في أوقات الصلاة كبديل عنها، إذ لا تكليف إلا بشرع، وهو مذهب الشافعي والجمهور من أهل العلم، وذهب البعض إلى مشروعية ذلك وهو مذكور عن الحسن البصري ولا دليل معه، فلا يجوز شيء من ذلك البتة، ومن فعلته على وجه العبادة فقد أثمت، والله تعالى أعلم([13]).

7- حكم مس المصحف وقراءته غيباً:

أما قراءة الحائض القرآن عن ظهر قلب؛ فالصحيح أنه لا مانع من ذلك، إذ لم يصح في المسألة دليل يمنع، وقد كان الصحابة يجنبون ونساؤهم تحيض وهم محتاجون لتلاوة القرآن، فما علمنا أن النبي r يوماً نهى أحداً عن تلاوته، وقد كان النبي r يذكر الله على كل أحيانه، إلا أنه يوماً مر به رجل فسلم عليه وهو يقضي حاجته فما رد عليه حتى انتهى، ثم أتى حائطاً فضرب يديه به ورد عليه السلام وقال: “إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة”([14]).

وهذه الكراهة للتنزيه لا للتحريم، والله أعلم.

وأما مس المصحف للحائض وكذا الجنب فقد اختلف فيه أهل العلم؛ فالجمهور على المنع وغيرهم على الجواز، وحجة الجمهور قوله تعالى: )لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ(، وحديث ابن حزم وفيه: “لا يمس القرآن إلا طاهر”([15]).

وقد تبين ضعف الحديث ولا تكليف إلا بشرع، أي بدليل واستصحاب البراءة الأصلية، يظهر لنا – والله أعلم – أن مس المصحف جائز سواء بحائل أم بغير حائل، وسواء كان على طهر أو على غيره من جنابة أو حيض متوضئاً وغير متوضئ، وهو قول أنس وابن جبير ومجاهد والضاك وأبو العالية([16])، وهو مذهب ابن حزم([17]).

وممن قال بجواز مس المصحف للجنب والحائض مع تصحيحه للحديث الشيخ ناصر الدين الألباني([18])، وكذل الشيخ محمد شقرة حفظه الله تعالى([19]).

8- القراءة في حجر الحائض: عن عائشة رضي الله عنها: “أن النبي r كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن”([20]).

قلت: قد يذهب البعض إلى أن وضع الرأس في حجر الحائض وقراءة القرآن فيه لا يجوز، لأنه في هذه الحالة يكون رأسه مجاوراً لمحل النجاسة، وقراءة القرآن في مثل هذه المواضع غير جائز، والحديث دليل ظاهر على جواز ذلك([21]).

9- تحريم الصوم عليها ووجوب قضائه، وإن صامت لم يصح وأثمت: وهو إجماع من المسلمين، وهذا ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها في “الصحيحين” وغيرهما: “قد كان يصيبنا ذلك مع رسول الله r فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة”([22]). فالدلالة ظاهرة على تركهن الصلاة والصيام.

وفي حديث أبي سعيد الخدري: “.. قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: “أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟” قلن: بلى، قال: “فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟” قلن: بلى، قال: “فذلك من نقصان دينها([23]).

قال ابن حجر: فيه إشعار بأن منع الحائض من الصوم والصلاة كان ثابتاً بحكم الشرع قبل ذلك المجلس.

وأما قضاء الصوم دون الصلاة فلأنه لا مشقة في ذلك غالباً، وإنما هي أيام قليلة في كل عام وهذا هو السر في وجوب قضاء الصوم، وعليه أهل العلم.

قال الترمذي: وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة([24]).

10- ترك الصوم للحائض لا يدرك معناه وهو تعبدي محض:

قال الإمام النووي: قال إمام الحرمين: وكون الصوم لا يصح منها لا يدرك معناه، فإن الطهارة ليست مشروطة فيها([25]).

أي أن الطهارة ليست شرطاً في صحة الصيام، فلو أن رجلاً طلع عليه الفجر وهو جنب، بل لو أجنب من احتلام في نهار رمضان لم يفسد صومه فلما لم تكن الطهارة شرطاً في صحة الصيام كان إفطار الحائض فيه أمراً تعبدياً محضاً غير مدرك بالعقل([26]). ومن هنا يظل الوجوب منسحباً عليها وهي حائض ولكن تؤخر القضاء للعذر، فيكون الوقت موسعاً من هذه الحيثية، أم أنها سقط عنها الوجوب كما يسقط وجوب الصلاة أي الحيض ثم تؤمر بالقضاء بعد ذلك، هذا هو الظاهر والله أعلم([27]).

11- منعها من الطواف بالبيت:

قال ابن نجيم([28]): ويمنع الحيض الطواف بالبيت، وكذا الجنابة لما في “الصحيحين” أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت بسَرف: “اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي([29]).

قال ابن حجر رحمه الله في الكلام على هذا الحديث: والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد، وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته.. الخ([30]).

وكذلك على الراجح لا بد في الطواف من الوضوء لكونه صلاة، وهو مذهب الجمهور لقوله عليه الصلاة والسلام: “الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله أحل في المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير”([31]).

قلت: لكن من وجد مشقة في تجديد الوضوء على ما نراه الآن فلا حرج عليه إن لم يتوضأ، فيكون الوضو في الطواف مندوباً لا واجباً، وهو مذهب الحنابلة.

12- سقوط طواف الوداع عنها:

قال الشيخ ابن عثيمين: فإذا أكملت الأنثى مناسك الحج والعمرة ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها؛ فإنها تخرج بلا وداع لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض”([32]).

وقال الشيخ محمد إبراهيم شقرة حفظه الله تعالى: إذا حاضت المرأة أو نفست بعد تمام حجها، وأرادت الخروج من مكة، فإن طواف الوداع يسقط عنها على خلاف طواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج، فلا بد من انتظار الطهر لتطوف بعده([33]).

فائدة: في حكم المرأة إن حاضت أو نفست وأرادت أن تطوف طواف الإفاضة: من المعلوم أن طواف الإفاضة ركن يبطل الحج بفوته، ومعلوم كذلك تحريم طواف الحائض والنفساء بالبيت، فهل إن اضطرت المرأة للطواف أبيح لها ذلك أم لا؟

الجواب على هذا السؤال هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في “إعلام الموقعين” ما ملخصه: “إن النبي r منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر، …، فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان، ولم يفرق بين حال القدرة والعجز، ولا بين زمن إمكان الاحتباس لها حتى تطهر وتطوف، وبين الزمن الذي لا يمكن فيه ذلك، وتمسك بظاهر النص ورأى منافاة الحيض للطواف، كمنافاته للصلاة والصيام إذ نهى الحائض عن الجميع سواء، ومنافاة الحيض لعبادة الطواف كمنافاته لعبادة الصلاة. قال: فأما في هذه الأزمان التي يتعذر إقامة الركب لأجل الحيض فلا تخلو من ثمانية أقسام ..، الثامن: أن يقال: بل تفعل ما تقدر عليه من مناسك الحج، ويسقط عنها ما تعجز عنه من الشروط والواجبات، كما يسقط عنها طواف الوداع بالنص، وكما يسقط فرض القيام والقراءة والركوع والسجود إذا عجز عنه المصلي، ..، ونظائر ذلك من الواجبات والشروط التي تسقط بالعجز عنها إما إلى بدل أو مطلقاً، قال: فهذه ثمانية أقسام لا نزيد عليها، ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا القسم الثامن، ..، قال: فإذا بطلت هذه التقديرات تعين التقدير الثامن وهو أن يقال: تطوف بالبيت والحالة هذه، ..، وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة، بل يوافقها كما تقدم، إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز، ولا واجب في الشريعة مع عجز، ولا حرام مع ضرورة ..الخ([34]).

قلت: فعلى هذا إذا حاضت المرأة أو نفست، وامتنع الركب من انتظارها حتى تطهر وتطوف؛ فلها أن تطوف طواف الإفاضة مع الحيض أو النفاس، ولا شيء عليها، لأن الله لا يكلف نفساً غلا وسعها، وهذا وسعها وهي قد اتقت الله بفعلها هذا ولم تعصه، والله تعالى أعلم.

13- المكث في المسجد:

ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن الحائض والجنب يحرم عليهما المكوث في المسجد، وذهب أحمد والمُزني وهو ظاهر قول البخاري إلى جواز المكث في المسجد، والصحيح الجواز لعدم ما ينهض دليلاً على تحريم ذلك وعملاً بالبراءة الأصلية.

ومن الأدلة على ذلك ما رواه البخاري من قول النبي r لعائشة: “افعلي كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت”([35]).

فهذا عام يشمل الذكر ودخول الحرم والمكث فيه، إلا أنها تجتنب الصلاة، والطواف صلاة.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: “ناوليني الخمرة من المسجد“، فقالت: إني حائض! فقال: “إن حيضتك ليست بيدك” رواه مسلم.

ووجه الدلالة منه أن النبي r قال لها: “إن حيضتك ليست بيددك”، وعلى ذلك فحيضتها ليست في رجها، وحيضتها ليست في صدقها، بل ليست في جسدها كله إلا ذلك الموضع، فإن أمن المسجد من التلويث فحيضتها ليست في جسدها، وإن لم يؤمن فالمنع يكون عندها بسبب التلويث فحسب، فلا مانع من دخول الحائض، وكذا الجنب المسجد، والله أعلم([36]).

14- الطلاق والخلع:

قال الشيخ سيد سابق رحمه الله تعالى في بيان الطلاق البدعي: .. أو يطلقها في حيض أو نفاس، وأجمع العلماء على أن الطلاق البدعي حرام([37]).

وقال الشيخ ابن عثيمين: “يحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها لقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ(، أي في حال يستقبلن به عدة معلومة حين الطلاق، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع، لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة، حيث أن الحيضة التي طلقت فيها لا تحتسب من العدة، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة، حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع فتعتد بالحمل أو لم تحمل فتعتد بالحيض، فلما لم يحصل من اليقين فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة، ولما ثبت في الصحيحين” وغيرهما من حديث ابن عمر: “أنه طلق امرأته وهي حائض، فأخبر عمر بذلك النبي r فتغيَّظ رسول الله r وقال: “مره فَليراجعها، ثم ليمسكنها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس“. فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم وعليه أن يتوب إلى الله تعالى وأن يرد المرأة إلى عصمته ليطلقها طلاقاً شرعياً موافقاً لأمر الله ورسوله، فيتركها بعد ردها حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم تحيض مرة أخرى، ثم إذا طهرت، فإن شاء أبقاها، وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها.

ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل:

الأولى: إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها أو يمسكها، فلا بأس ن يطلقها وهي حائض، لأنه لا عدة عليها حينئذ، فلا يكون طلاقها مخالفاً لقوله تعالى 🙂فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ([الطلاق:1].

الثانية: إذا كان في حال الحمل، وسبق بيان ذلك([38]).

الثالثة: إذا كان الطلاق على عوض فلا بأس أن يطلقها وهي حائض، مثل أن يكون بين الزوجين نزاع وسوء عشرة، فيأخذ الزوج عوضاً ليطلقها، فيجوز ولو كانت حائضاً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: “أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءت إلى النبي r فقالت: يا رسول الله، إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال النبي r: “أتردين عليه حديقته؟“. قالت: نعم، فقال رسول الله r: “اقبل الحديقة وطلقها تطليقة” رواه البخاري. ولم يسأل النبي r هل كانت حائضاً أو طاهراً، ولأن هذا الطلاق افتداء من المرأة عن نفسها، فجاز عند الحاجة إليه على أي حال كان.

قال في “المغني” معلالاً جواز الخلع: لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه، وذلك أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما، ولذلك لم يسأل النبي r المختلعة عن حالها”([39])، انتهى بحروفه.

قلت: تبين لنا من هذا الكلام أمران:

أما الأول: فهو تحريم إيقاع الطلاق حال الحيض، فمن أراد أن يطلق فليطلق في طهر لم يجامع فيه، ذلك لتعلم العدة.

وأما الثاني: فهو جواز الخلع لو حال الحيض من باب ارتكاب أخف الضررين، والله أعلم.

15- هل يقع طلاق الحائض:

ذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع، واستدلوا بالأدلة التالية:

1- إن الطلاق البدعي مندرج تحت الآيات العامة.

2- تصريح ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض وأمر     الرسول r بمراجعتها بأنها حسبت تلك الطلقة.

وذهب بعض العلماء إلى أن الطلاق البدعي لا يقع، ومنعوا اندراجه تحت العمومات، لأنه ليس من الطلاق الذي أذن الله به، بل هو من الطلاق الذي أمر الله بخلافه فقال: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ(، وقال عليه الصلاة والسلام لعمر: “مره فليراجعها”، وصح أن غضب عندما بلغه ذلك، وهو لا يغضب مما أحله الله.

وأما قول ابن عمر إنها حسبت فلم يبين من الحاسب لها، بل أخرج عنه أحمد وأبو داود والنسائي: “أنه طلق امرأته وهي حائض فردها عليه الصلاة والسلام ولم يرها شيئاً”، وإسناد هذه الرواية صحيح، ولم يأت من تكلم عليها بطائل، وهي مصرحة بأن الذي لم يرها شيئاً هو رسول الله r، فلا يعارضها قول ابن عمر رضي الله عنهما، لأن الحجة في روايته لا في رأيه، بلفظ “مره فليراجعها” ويعتد بتطليقة، فهي لو صحت لكانت حجة ظاهرة، ولكنها لم تصح كما جزم به ابن القيم في “الهدي”([40]).

قلت: وما ذهب إليه الشيخ السيد سابق مرجوح بكونالدليل الذي نقل عن ابن القيم ضعفه صحيح([41])، صححه الألباني رحمه الله.

وذكر الشيخ روايات كثيرة تفيد اعتداد النبي r بالتطليقة، وقال بعد ذلك: وكل هذه الروايات مما لم يقف عليها ابن القيم رحمه الله تعالى، وظني أنه لو وقف عليها لتبدد الشك الذي أبداه في رواية ابن وهب، ولصار إلى القول بما دل عليه الحديث في الاعتداد بطلاق الحائض، والله تعالى هو الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.

قلت: وهو الصحيح أن طلاق الحائض يقع عملاً بالآثار التي ذكرها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.

16- اعتبار الطلاق بالحيض:

قال الشيخ ابن عثيمين: فإذا طلق الرجل زوجته بعد أن مسها أو خلا بها، وجب عليها أن تعتد بثلاث حيض كاملة إن كانت من ذوات الحيض ولم تكن حاملاً لقوله تعالى: )وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ(، أي ثلاث حيضات ..الخ كلامه([42]).

قلت: الصحيح في القرء أنه الطهر، فيكون انتهاء الأقراء هو أن تحيض المرأة بعدها، أي أنه الانتقال من الطهر إلى الحيض، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى([43]).

17- الحكم ببراءة الرحم:

قال الشيخ ابن عثيمين: أي بخلوه من الحمل، وهذا يحتاج إليه كما احتيج إلى الحكم ببراءة الرحم وله مسائل منها: إذا مات شخص عن امرأة يرثه حملها وهي ذات زوج، فإن زوجها لا يطؤها حتى تحيض أو يتبين حملها، فإن تبين حملها حكمنا بإرثه لحكمنا بوجوده حيث موت مورثه، وإن حاضت حكمنا بعدم إرثه لحكمنا ببراءة الرحم بالحيض([44]).

 

  • أخرجه أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي فرواه في العِشرة. انظر: “آداب الزفاف” للألباني (ص105).
  • مسلم وأبو عوانة، انظر: “آداب الزفاف” (ص122).
  • “نيل الأوطار” (1/276).

“أحكام القرآن” (1/162)، وانظر: “جامع البيان للطبري” (2/382).

  • “آداب الزفاف” (ص122-123).
  • “نيل الأوطار” (1/279).
  • “زكاة النقود الورقية المعاصرة” للدكتور محمود الخالدي.
  • رواه البخاري في “صحيحه – فتح” (1/405 رقم 304). وانظر مسلم (4/28).
  • “الأوسط” (2/202).
  • “المجموع” (2/351).
  • قلت: الحديث في “الصحيح” من إمامة جبريل عليه السلام بالرسول r وقوله له: “ما بين هذين وقت”.
  • “المحلى” (2/175).
  • انظر: “المجموع” للنووي (2/333).
  • الحديث صحيح، انظر “الفتح” (1/486)، و”السلسلة الصحيحة” رقم (406، 834).
  • رواه عدة: كأبي داود في مراسيله، والحاكم في “مستدركه”، واختلفت أقوال العلماء فيه صحة وضعفاً، والظاهر فيه والله أعلم أنه حديث ضعيف، إذ لا تخلو طرقه من علة قادحة، وقد يكون في بعض طرقه علتان. وممن ضعف إسناده النووي في “المجموع” (2/66). وانظر تخريجه في “إرواء الغليل” للألباني رحمه الله (1/158) رقم (122)، وفي “نصب الراية” للزيلعي (1/169)، وفي “التلخيص الحبير” لابن حجر العسقلاني (1/175) رقم (131).
  • انظر “الأوسط” لابن المنذر (2/101) مسألة رقم (629).
  • “المحلى” (1/88) مسالة رقم (116).
    • انظر: “الإرواء” (1/158) رقم (122)، و”تمام المنة” (107و116).
    • له في ذلك رسالة لطيفة بعنوان: “لا يمسه إلا المطهرون”، فلتنظر.
    • رواه البخاري في”صحيحه” رقم (297).
    • انظر: “فتح الباري” (1/479).
    • انظر: “صحيح البخاري- فتح” (1/421) رقم (321).
  • رواه البخاري في “صحيحه” (1/483- فتح) رقم 304).
  • “سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي” (1/407).
  • انظر: “المجموع” للنووي (2/354).
  • انظر: “بدائع الصنائع” (1/144).
  • لمزيد من التفصيل انظر “الفروق” للقرافي (2/62)، و”البحر الرائق” (1/204).
  • “البحر الرائق” (1/297).
  • لفظ الحديث في “الصحيح” هو: “افعلي ما يفعل الحاج”. انظر حديث رقم (1650) من “صحيح البخاري”، كتاب الحج.
    • “فتح الباري” (3/590).
    • رواه الحاكم وغيره، انظر: “صحيح الجامع” (رقم3849).
    • الحديث متفق عليه، وانظر “فتاوى ابن عثيمين” (4/313).
  • “إرشاد الساري” (القسم الثاني-الحج) (ص42).
    • “إعلام الموقعين” (3/25-39)، وقد ذكرها بتفصيل شيخ الإسلام في “الفتاوى” (26/219-244).

انظر ” صحيح البخاري – فتح” (1/307 رقم 305).

  • “إعلام الموقعين” (3/25-39)، وقد ذكرها بتفصيل شيخ الإسلام في “الفتاوى” (26/219-244).
    • “فقه السنة” (2/226).

قلت: هذا عند من يقول تحيض الحامل فقط.

  • “فتاوى ابن عثيمين” (4/314-316).

“فقه السنة” (2/226).

“إرواء الغليل” (7/124) رقم (2959).

  • “فتاوى ابن عثيمين” (4/316).
  • انظر: “تفسير القرطبي” (3/75).
  • “فتاوى ابن عثيمين” (4/318).

المسألة الثامنة والعشرون

ما يباح للحائض

ما يباح للحائض

– مباشرة الحائض:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسول الله r أن يباشرها أمرها أن تتزر في حيضتها ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبي r يملك إربه([1]).

قال ابن حجر: المراد أنه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك كان يباشر فوق الإزار تشريعاً لغيره ممن ليس بمعصوم،…، وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن..، وهو اختيار صبيح من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية، واختاره ابن المنذر، وقال النووي: هو الأرجح دليلاً…، وقال ابن دقيق العيد: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد([2]).

قلت: وهو مذهب ابن حزم قال: وللرجل أن يتلذذ من امرأته وهي حائض بكل شيء حاشا الإيلاج([3]).

2- النوم مع الحائض في ثيابها ومضاجعتها وشهود الحائض المصلى في العيد، وقد مضى الكلام فيه([4]).

3- مؤاكلة الحائض:

عن أنس رضي الله عنه: “إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله r عن ذلك فأنزل الله تعالى ذكره: )وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ(، فقال رسول الله r: “جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح([5]).

4- الوضوء والشرب من سؤرها:

قال ابن المنذر رحمه الله: اختلف أهل العلم في الوضوء بسؤر الحائض والجنب، فرخصت فيه فرقة وكرهه آخرون. قال أبو بكر: وبالأخبار الثابتة عن رسول الله r الدالة على طهارة سؤر الحائض نقول، عن عائشة قالت: كنت أشرب في إناء وأنا حائض، فيأخذه النبي r فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وكنت آخذ العَرق فأنتهش منه فيأخذ مني ثم يضع فاه على موضع فيّ فينتهش منه([6]).

5- ترجيل الحائض رأس زوجها:

عن عائشة قالت: كنت أرجل رأس رسول الله r وأنا حائض([7]).

6- القيام على خدمة الرجل في بيته:

ومن الحديث السابق نستطيع الحكم بأن الحائض تقوم على خدمة زوجها وأبنائها في بيته، فكون الحيض موجوداً لا يمنع من ذلك، لأن الحكم فقط للمحل، أي بالنجاسة ولا يتعدى الحكم إلى أي موضع من مواضع جسدها، بل ولا يتعدى إلى عرَقها وريقها، فيبقى حكم جسدها على الأصل وهو الطهارة، وإذا ذلك كذلك جاز لها القيام على خدمة زوجها، والله أعلم.

أقول: وباقي الأحكام تظهر بأدنى تأمل فيما يحرم على الحائض ومنها، فبالمقارنة يظهر الجائز، والله أعلم.

  • رواه البخاري في “صحيحه” (رقم 302).
  • “فتح الباري” (1/482).
  • “المحلى” (2/176) رقم (260)، وانظر فيه كتاب النكاح من “بذل المجهود”.
  • “بذل المجهود” (2/473).
  • رواه مسلم رقم (302)، وابن المنذر في “الأوسط” رقم (786) وغيرهما.
  • “الأوسط” (1/269) مسألة رقم 75.
  • “رواه البخاري في “صحيحه” (1/401- فتح) رقم (295).

المسألة التاسعة والعشرون

الاستحاضة

الاستحاضة

الاستحاضة: نزول الدم من الفرج في غير وقت الحيض، وهي ركضة من ركضات الشيطان.

والاستحاضة لا تمنع من شيء من العبادات مطلقاً كما يمنع الحيض والنفاس، إلا أن لها أحكامـاً خاصة بها نجملها فيما يلي:

1- السنن في الاستحاضة:

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:

وفي الباب عن النبي r ثلاث سنن: سنة في المعتادة أنها ترجع إلى عادتها، وسنة في المميزة أنها تعمل على التمييز، وسنة في المتحيرة التي ليست لها عادة ولا تمييز بأنها تحيض غالب عادات النساء([1]).

قلت: سبق فيما مضى بعض بيان لذلك، وبينا هناك أن مسالة المتحيرة ساقطة غير صحيحة، أما السنن فهي:

  • عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قالت فاطمة بن أبي حبيش لرسول الله r: يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله r: “إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم([2]).
  • عن عائشة رضي الله عنها أنها قلت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله r فقالت: إني أستحاض. فقال: “إنما ذلك عرق فاغتسلي وصلي”. فكانت تغتسل عند كل صلاة([3]).
  • عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي r فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة، قال: “لا، إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم([4]).

2- وجوب الوضوع عليها لكل صلاة:

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت منه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صـلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضـوء أكثر من فريضة واحدة، لظاهر قوله: “ثم توضئي لكل صلاة”([5]).

قلت: وظاهر الحديث أنها تتوضأ للصلاة بعد دخول وقتها إذا كانت مفروضة، وإذا كانت نافلة كالضحى مثلاً توضأت حينها، وتصلي المرأة بنفس وضوء المفروضة النوافل الراتبة لها، والله أعلم.

3- تعصيب مكان الدم ولا يضر نزوله ولو في الصلاة:

فعلى المرأة أن تعصب فرجها لئلا يظل الدم ينزل فيلوث المان أو الثياب، فإن عصبت أمكنت العصابة، ثم بعد ذلك لا يضر نزول الدم ولو كان في الصلاة، فهو لا يبطلها لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة: “وأنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم“، قالت: هو أكثر من ذلك: قال: “فاتخذي ثوباً“. قالت: هو أكثر من ذلك، قال: “فتلجمي([6]).

4- اعتكاف المستحاضة: عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي r اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم([7]).

5- جماع المستحاضة:

قال الشيخ ابن عثيمين: اختلف العلماء في جوازه إذا لم يخف العنت بتركه، والصواب جوازه مطلقاً، لن نساء كثيرات يبلغن العشر أو أكثر استحضن في عهد النبي r ولم يمنع الله ولا رسوله من جماعهن، بل في قوله تعالى: )فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ(، دليل على أنه لا يجب اعتزالهن فيما سواه، ولأن الصلاة تجوز منها فالجماع أهون، وقياس جماعها على جماع الحائض غير صحيح لأنهما لا يستويان عند القائلين بالتحريم، والقياس لا يصح مع الفارق([8]).

6- جمع المستحاضة بين الصلاتين:

روى الترمذي من حديث حمنة بنت جحش في الاستحاضة وفيه: “فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر جميعاً ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاة فافعلي..([9]).

ورواه غيره كذلك وفي آخره قوله عليه الصلاة والسلام: “وهذا أعجب الأمرين إليّ“.

قال السهارنفوري: وهما الطهر والاستحاضة، قال ابن الملك: والظاهر أن الإشارة إلى المر الأخير، وهو الجمع بين الصلاتين ..، لأن فيه رفقاً بها([10]).

7- حال من تشبه المستحاضة:

وذلك بأن تجري المرأة عملية جراحية في الرحم فتكون واحدة من اثنتين، فإذا كانت العملية نزع الرحم أو سده وإغلاقه بحيث لا تعود تحيض، فهذه لا تثبت لها أحكام الاستحاضة ولكن تحتاط من الدم الذي ينزل خشية التلوث فقط. وإن كانت العملية لم تمنع من نزول دم الحيض فيما بعد، فهذه تثبت لها أحكام الاستحاضة، والله أعلم([11]).

 

  • “القواعد النورانية” (ص38).
    • رواه البخاري في “صحيحه” (1/487 رقم 306 – فتح).
    • “رواه مسلم في “صحيحه” (4/20 رقم 334 – بشرح النووي).
    • رواه الترمذي (1/395 رقم 128 – تحفة).
      • “فتح الباري” (1/488).
      • رواه الترمذي (1/395 رقم 128 – تحفة).
      • رواه البخاري في “صحيحه” (1/489 رقم 309 – فتح).
        • “فتاوى ابن عثيمين” (4/325).
        • “سنن الترمذي” (1/395 رقم 128 – تحفة).
      • “بذل المجهود” (2/335)، وانظر: “مجموعة الرسائل والمسائل” (1/278) وفيها أنه جمع حقيقي.
      • انظر: “فتاوى ابن عثيمين” (4/324).

الموفية ثلاثون

أحكام عامة في الحيض

أحكام عامة في الحيض

1- حكم استعمال المرأة ما يمنع حيضها:

قال الشيخ ابن عثيمين: استعمال المرأة ما يمنع حيضها جائز بشرطين:

الأول: ألا يخشى الضرر عليها فإن خشي الضرر عليها من ذلك فلا يجوز لقوله تعالى: )وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ(، وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.

الثاني: أن يكون ذلك بإذن الزوج إن كان له تعلق به، مثل أن تكون معتدة منه على وجه تجب عليه نفقتها، فتستعمل ما يمنع الحيض لتطول المدة وتزداد عليه نفقتها، فلا يجوز لها أن تستعمل ما يمنع الحيض حينئذ إلا بإذنه، وكذلك إن ثبت أن منع الحيض يمنع الحمل فلا بد من إذن الزوج، وحيث ثبت الجواز فالأولى عدم استعماله إلا لحاجة، لأن ترك الطبيعة على ما هي عليه أقرب إلى اعتدال الصحة والسلامة.

2- استعمال ما يجلب الحيض: قال: جائز بشرطين أيضاً:

الأول: ألا تتحيل به على إسقاط واجب مثل أن تستعمله قرب رمضان من أجل أن تفطر أو لتسقط به الصلاة ونحو ذلك.

الثاني: أن يكون ذلك بإذن الزوج، لأن حصول الحيض يمنعه من كمال الاستمتاع، فلا يجوز استعمال ما يمنع حقه إلا برضاه، وإن كانت مطلقة فإن فيه تعجيل إسقاط حق الزوج من الرجعة إن كان له رجعة.

3- استعمال ما يمنع الحمل:

قال: وأما استعمال ما يمنع الحمل:

الأول: أن يمنعه منعاً مستمراً، فهذا لا يجوز لأنه يقطع الحمل فيقل النسل، وهو خلاف مقصود الشارع من تكثير الأمة الإسلامية ولأنه لا يؤمن أن يموت أولادها الموجودون فتبقى أرملة لا أولاد لها.

الثاني: أن يمنعه منعاً مؤقتاً مثل أن تكون المرأة كثيرة الحمل، والحمل يرهقها فتحب أن تنظم حملها كل سنتين مرة أو نحو ذلك، فهذا جائز بشرط أن يأذن به زوجها، وألا يكون به ضرر عليها. دليله أن الصحابة كانوا يعزلون عن نسائهم في عهد النبي r من أجل ألا تحمل نساؤهم فلم ينهوا عن ذلك، والعزل أن يجامع زوجته وينزع عند الإنزال فينزل خارج الفرج.

قلت: أما المنع النهائي للحمل فجائز في حالة الضرورة، وذلك بأن يترتب على الحمل ما يؤدي إلى موتها، أو أن يكون بها مرض ملجئ إلى إزالة الرحم، وأما العزل الجائز فيه صور منها:

  • العزل، وقد ذكره الشيخ.
  • استعمال حبوب منع الحمل، وهو جائز إلا أنه يلحق ضرراً أحياناً بالمرأة.
  • استعمال ما يسمى باللولب، وهو كذلك جائز، لأنه يحصل به سد عنق الرحم فلا تصل الحيوانات المنوية إلى الداخل، إلا أنه أحياناً يضر بالمرأة بسبب إحداث نزيف عند بعض النساء بسببه، كما أنه يؤدي إلى اضطراب الدورة الرحمية، ولكن لا يلجأ إليه إلا لحاجة شديدة لما يحصل بسببه من كشف لعورة المرأة.
  • استعمال غشاء مطاطي يستعمله الرجل، وهو كذلك جائز، إلا أنه مضر بالمرأة وبالرجل.

فأي طريقة استعملها الرجل لمنع الحمل المؤقت فجائز لا حرج فيه، وإن كان الأولى عدم ذلك لأن الله عز وجل قدر كل نسمة هي كائنة إلى أن تقوم الساعة قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، والله أعلم، ما لم تدع الضرورة.

4- استعمال ما يسقط الحمل:

قال: وأما استعمال ما يسقط الحمل فهو على نوعين:

الأول: أن يقصد من إسقاطه إتلافه فهذا إن كان بعد نفخ الروح فيه فهو حرام لا ريب لأنه قتل نفس محرمة بغير حق، وقتل النفس المحرمة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وإن كان قبل نفخ الروح فيه فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، ومنهم من قال: يجوز ما لم يكن علقة، أي ما لم يمض عليه أربعون يوماً، ومنهم من قال: يجوز ما لم يتبين فيه خلق إنسان.

والأحوط المنع من إسقاطه إلا لحاجة، كأن تكون الأم مريضة لا تتحمل الحمل أو نحو ذلك فيجوز إسقاطه عندئذ إلا إن مضى عليه زمن يمكن أن يتبين فيه خلق إنسان فيمنع، والله أعلم.

قلت: وأما الإسقاط لسبب كون الجنين قد ظهر فيه تشوّه خلقي أو غير ذلك فيقوم الطبيب بإسقاطه لهذه العلة فقط، فهذا لا يجوز، وأما إن كان لتسممه وخشية أن ينتقل التسمم إلى المرأة فيموت كلاهما، فهذا جائز، والله أعلم.

قال: الثاني: ألا يقصد من إسقاطه إتلافه، بأن تكون محاولة إسقاطه عند انتهاء مدة الحمل وقرب الوضع، فهذا جائز بشرط ألا يكون في ذلك ضرر على الأم ولا على الولد، وألا يحتاج الأمر إلى عملية فإن احتاج إلى عملية فله حالات أربع:

  • الأولى: أن تكون الم حية والحمل حياً، فلا تجوز العملية إلا للضرورة بأن تتعسر ولادتها فتحتاج إلى عملية، وذلك لأن الجسم أمانة عند العبد فلا يتصرف فيه بما يخشى منه إلا لمصلحة كبرى، ولأنه ربما يظن ألا ضرر في العملية فيحصل الضرر.
  • الثانية: أن تكون الأم ميتة والحمل ميتاً فلا يجوز إجراء العملية لإخراجه لعدم الفائدة.
  • الثالثة: أن تكون الأم حية والحمل ميتاً، فيجوز إجراء العملية لإخراجه إلا أنه يخشى الضرر على الأم، لأن الظاهر والله أعلم أن الحمل إذا مات لا يكاد يخرج بدون العملية، فاستمراره في بطنها يمنع الحمل المستقبل ويشق عليها، وربما تبقى أيّماً إذا كانت معتدة من زوج سابق.
  • الرابعة: أن تكون الأم ميتة والحمل حياً، فإن كان لا ترجى حياته لم تجز إجراء العملية، وإن كان ترجى حياته، فإن كان قد خرج بعضه شق بطن الأم لإخراج باقيه، وإن لم يخرج منه، ..، يشق البطن إن لم يكن إخراجه بدونه.

قال: تنبيه: في الحالات التي يجوز فيها إسقاط الحمل فيما سبق، لا بد من إذن من له الحق في ذلك كالزوج([1]).

5- طهر الحائض وعلامته:

ويكون طهر الحائض بانقطاع الدم وخروج القصة البيضاء منها التي تدل على انتهاء الدم، والقصة البيضاء: ماء أبيض يخرجه الفرج على الصحيح، ودليل ذلك قول عائشة رضي الله عنها: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء”، فإن لم يظهر هذا الماء أو كانت المرأة تجهل هذا الأمر فيكفي عندها خروج الخرقة نقية لا دم فيها.

6- متى يجوز إتيانها إذا طهرت:

قال الشيخ الألباني رحمه الله: فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها، جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط، أو تتوضأ، أو تغتسل، أي ذلك فعلت جاز إتيانها لقوله تعالى: )فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ(.

قال: وهو مذهب ابن حزم([2])، ورواه عن عطاء وقتادة، قالا في الحائض إذا رأت الطهر: فإنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها، وهو مذهب الأوزاعي أيضاً كما في “بداية المجتهد”([3]).

قال ابن حزم: وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها، وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا، وما ذكره عطاء رواه ابن أبي شيبة في “المصنف”([4]).

وروى ابن المنذر عن مجاهد وعطاء قالا: إذا رأت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل، ذكره الشوكاني([5]).

وقال الحافظ ابن كثير: وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تيمم إن تعذر عليها بشرطه، إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول فيما إذا انقطع دمها لكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده، إنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل([6]).

أقول: فهذا الاتفاق المذكور غير صحيح بعد أن ثلاثة من كبار علماء التابعين: مجاهد، وقتادة، وعطاء قالوا بجواز إتيانها ولو لم تغتسل، فكيف يصح اتفاق وهؤلاء على خلافه.

ثم إن ما حكاه ابن كثير عن أبي حنيفة قد حكاه غيره أيضاً متعقبين له رادين عليه، فقد وصفه ابن حزم بأنه: لا قول أسقط منه، لأنه تحم بالباطل بلا دليل أصلاً، ول نعلم أحداً قاله قبل أبي حنيفة ولا بعده إلا من قلده.

وقال القرطبي: وهذا تحكم لا وجه له([7]).

ولهذا قال السيد رشيد رضا: وهو تفصيل غريب، ووجه ذلك أن الله تبارك وتعالى اشترط لحل إتيانهن أن يتطهرن وهو استعمال الماء، وهو أمر زائد على طهرهن من الحيض كما سبق، فلا يجوز إلغاء هذا الشرط أو تخصيصه بما إذا انقطع الحيض قبل العشرة، وإنما هو رأي لأبي حنيفة رحمه الله بدا له، لا يجوز لنا الأخذ به لمخالفته إطلاق الآية، وهو رحمه الله قد صح عنه: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه، فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غداً، فكيف لنا الأخذ بقوله وقد علمنا مخالفته للدليل.

إلى أن قال الشيخ: وبالجملة، فليس في الدليل ما يحصر معنى قوله: (فإذا تطهرن) بالغسل فقط، فالآية مطلقة تشمل المعاني الثلاث السابقة([8])، فبأيها أخذت الطاهر حلت لزوجه، انتهى كلام الشيخ الألباني([9]).

قلت: ومما لعله يرجح هذا الرأي أن بدن المرأة حلال للزوج أثناء حيضها ولا يحرم سوى ذلك المحل، والكلام كله منصب عليه، فكيف يصير الأمر بعد انقطاع الدم بعدم جواز الجماع إلا بالغسل، علماً أنه أي المحل قد طهر، وهو محل الحكم، فالتطهر يكون فيما يطهر راجعاً إليه دون غيره، فلو قال قائل: التطهر هنا غسل الموضع فقط لما كان كلامه بعيداً فيما يظهر، والله أعلم.

7- حكم إسقاط المرأة:

يقول الدكتور محمد علي البار: “يعرف الإجهاض أو السقط في الطب بأنه خروج محتويات الحمل قبل (28) أسبوعاً، تحسب من آخر حيضة حاضتها المرأة، وأغلب حالات الإجهاض تقع في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل عندما يقذف الرحيم محتوياته بما في ذلك الجنين وأغشيته، ويكون في أغلب حالاته محاطاً بالدم، أما الإجهاض بعد الشهر الرابع فيشبه الولادة غذ تنفجر الأغشية أولاً وينزل منها الحمل ثم تتبعه المشيمة”([10])اهـ.

قلت: بناء على هذا الكلام وعلى ما تقدم في كيفية حصول الحيض، يتبين لنا أن الإسقاط سواء كان قبل نفخ الروح أم بعدها إذ كان معه دم وهو الغالب تنطبق عليه أوصاف دم النفاس، ثبت للمرأة حكم النفساء حتى تطهر على الرأي الصحيح، لأنها كانت حاملاً باتفاق، فلما حصل خلل ما سقط الحمل فبسقوطه يتهتك الجدار الذي بني داخل الرحم وبتهتكه ينزل الدم الفاسد، فأشبه هذا الحال حال النفساء، فثبت لها حكمها، وأما إذا سقط الجنين وسقط معه الجـدار دون الدم، فيبدو أنه لا تثبت لها أحكام النفساء لعدم وجود السبب، والله أعلم.

8- كيفية اغتسال الحائض:

عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي r عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: “خذي فِرصة([11]) من مسك فتطهري بها“. قالت: كيف: قال: “سبحان الله! تطهري بها“.فاجتبذتها إليّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم([12]).

وعن أم عطية رضي الله عنها حديث وفيه: “وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار([13])([14]).

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r قال لها عندما حاضت في الحج يوم عرفة: “دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي([15]).

ومن هذه الأحاديث يتبين لنا أن غسل الحائض هو غسل كغسل الجنابة تماماً، إلا أنه يختلف عنه ببعض الأمور:

  • استعمال الطيب للمحمل عند الغسل.
  • وجوب نقض الحائض والنفساء شعرها بخلاف الجنب، والله أعلم.

9- إذا قتلت المرأة خطأً وأرادت أن تكفر عن فعلها بصيام شهرين متتابعين بعد أن لم تجد رقبة تعتقها، فهل الحيض والنفاس يعتبران مما يقطع المتابعة، أم أن عليها أن تعيد من جديد؟ أم ليس عليها ذلك؟

قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره: والحيض لا يمنع التتابع من غير خلاف، وأنها إذا طهرت ولم تؤخر، وصلت باقي صيامها بما سلف منه لا شيء عليها غير ذلك، إلا أن تكون طاهراً قبل الفجر، فتترك صياك ذلك اليوم عالمة بطهرها، فإن فعلت استأنفت عند جماعة من العلماء([16])، اهـ.

10- الصلاة على النفساء:

وهي آخر مسائل الباب، وجعلنا آخر مسألة نكتة، فالمرأة تولد لا حيض ولا نفاس، ثم تحيض، فإذا تزوجت نفست، وقد تموت وهي تضع، ونهاية كل حيّ الموت، فناسب ذلك ذكرها آخر المسائل.

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن امرأة ماتت في بطن، فصلى عليها النبي r فوقف عند وسطها([17]).

هذا خلاصة ما أردنا كتابته، ولا أقول إنا قد حصرنا مسائل الحيض والنفاس والاستحاضة، فهي لا شك أكثر من ذلك، إلا أن هذا ما وفقنا الله إليه، نسأله المزيد من توفيقه، سائلين الله عز وجل السداد والإصابة والنفع بما كتب، وأن يجعله لنا يوم القيامة في ميزان حسناتنا آمين،، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال أبو حمزة (سمير مراد):

فرغت من كتابة هذه الرسالة يوم الثلاثاء لإحدى وعشرين خلت من جمادى الاخرة لسنة ألف وأربعمائة وست عشرة هجرية، وفق الرابع عشر من تشرين الثاني لسنة ألف وتسعمائة وخمس وتسعين ميلادية، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

  • انتهى بطوله من “فتاوى الشيخابن عثيمين رحمه الله” (4/331-335).
  • “المحلى” (10/81).
  • “بداية المجتهد” (1/44).
    • “المصنف” (1/66).
    • “نيل الأوطار” (1/202).
    • “تفسير ابن كثير” (1/260).
  • “الجامع لأحكام القرآن” (3/79).
  • قلت: أي الاغتسار، الوضو، غسل الفرج.
  • “آداب الزفاف” (ص125).
  • “خلق الإنسان” (ص43).
    • بكسر الفاء وإهمال الصاد: قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليها صوف.
    • رواه البخاري في “صحيحه” (1/494 رقم 314- فتح).
      • قال صاحب “المحكم”: الظفر: ضرب أي نوع من العطر أسود مغلف من أصله على شكل ظفر الإنسان يوضع في البخور، والجمع أظفار، انظر: “فتح الباري” (1/492).
      • “صحيح البخاري” (1/492 رقم 313 – فتح).
      • “صحيح البخاري” (1/497 رقم 317 – فتح).
        • “الجامع لأحكام القرآن” (5/211).
        • رواه البخاري في “صحيحه” (1/511 رقم 332 – فتح).

شاهد أيضاً

حكم الصور (الفوتوغرافية) وتعليقها على الجدران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *