الرئيسية / المقالات / أوضاع الأردن الاقتصادية (الأزمة والحل)

أوضاع الأردن الاقتصادية (الأزمة والحل)

بسم الله الرحمن الرحيم

أوضاع الأردن الاقتصادية
(الأزمة والحل)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد:
فأن الله عزوجل قدر على الخلق مقادير لا بد من جريانها عليهم، شاؤوا أم أبَوْ، إذ لا راد لقضاء الله تعالى، لكن واجب العبد تجاه ذلك التسليم والعمل على رفع أسباب ذلك، بأسباب الرفاهية والرخاء، إذ سنة التدافع حاصلة في كل شيء -أعني التدافع الكوني العام- الثابتة في قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، فلدفع الفساد، وجب اتخاذ تدابير خاصة بالمرحلة التي نعاني منها ونعيشها الآن، ولا أريد الإطالة في المقالة، وهي مشاركة من إنسان يظن في نفسه الحرص على وطنه ملكاً وحكومة وشعباً، فأقول والله الموفق:
من الأسباب الظاهرة:
1. كثرة المعاصي، الماحية للبركة، الجالبة للقحط، يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أي: كفر النعمة، وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، وعلاج ذلك بالتقوى، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).
2. ضعف التوكل: وذلك بالركون إلى الموارد الظاهرة كلياً، وترك الاعتماد على الله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام: “لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً” ، وقال الله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، وقال عليه الصلاة والسلام: “إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنّ نَفْساً لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها، فاتّقُوا الله وأجْمِلُوا في الطَّلبِ، ولا يَحْمِلنَّ أحَدَكُمُ اسْتِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ الله” وجاء عن ابن عباس، أنه سأله رجل، فقال: {أرأيت لو أن رجلاً حبس في غرفة، فكيف يأتيه رزقه، قال: كما يأتيه الموت}، ولذا اتفق أهل العلم على أن ثلاث قضايا متساوية في الحكم والوجود: الموت، الذرية، الرزق، وضعف التوكل يولد الحرص الزائد المؤدي إلى عدم التكافل.
3. العجز: والأمة العاجزة، هي الأمة التي لا تنتج، ولا تحب الإنتاج، والعجز يحصل بالصفات الذاتية، أو بالإيحاء، فينتج عن ذلك تعطيل تفعيل المصالح، والله تعالى جعل أسباب الكسب ميسورة مضمونة، قال تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) وقال: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا)، وذكر عن مريم قوله: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا).
لكن صار الناس إلى العجز والكسل والقعود عن الكسب، أو فرضت عليهم أثقال أقعدتهم عن الإنتاج والاستثمار، أو زهدتهم فيه، ما يجب علينا وضع برامج للخروج من هذا المأزق.
4. إهدار الموارد وإهمالها: والموارد نوعان: طبيعية، وبشرية.
والإهدار والإهمال واقع في الأثنين معاً.
فعندنا الثروة الزراعية من: حبوب، خضراوات، فواكه، ….الخ.
والحيوانية: خيل، أغنام، أبقار، جمال ، أسماك، طيور، ……الخ.
الأراضي: الزراعية، والحرجية سواء أكانت للحبوب أم للأشجار أم غير ذلك.
الصناعية: الأسمنت، الفوسفات، البوتاسيوم، الصلب والمعادن ….. الأدوية، الطب، الهندسة، …… الخ.
الجيولوجية: السدود، الآبار، الأنهار، العيون، البترول الطبيعي والزيتي، الآثار والكنوز، ….. الخ.
الطاقة: البشرية، الشمسية، النووية السلمية، …… الخ.
التجارات العامة: السيارات، الأثاث، الملابس، الأغذية، الأدوية، …. الخ.
وكل ما ذكر حصل فيه إهدار وإهمال، وذلك من حيث وضع اليد، أو من حيث القدرة على الإنتاج والتسويق.
5. التنفذ: لا شك أن من المشاريع الكبيرة التي لا يصلح فيها إلا وضع يد الدولة، والتي لها الحق الوحيد في ذلك، كثروة الآثار والسدود والبترول، ونحو ذلك، ومنها ما الأمر فيه متاح لعامة الشعب، كل حسب نشاطه وتوفيق الله تعالى له، لكن ولظروف معينة وقع خطأ ما، بقصد أو بدون قصد، حيث صارت مقاليد بعض الأمور المجتمعية، إلى فئات محدودة، تمتلك السوق وتحتكره، دون رقيب أو مراعاة مسئولية، ما أدى في النهاية إلى تكدس الأموال في أيدٍ لا تريد منافساً في المجتمع، الأمر الذي خلق الفوضى المالية، والكساد بل والضياع، وكم حاولت الحكومات المتعاقبة علاج ذلك الأمر، لكن للأسف بغير علاج الداء، وإنما علاج البلاء الذي حل بسبب الداء، وهذا ضرب من الهوى والعبثية، لأن العلاج يجب أن يجتث المرض من أساسه، لا أن نسعى لتضخيم المرض، سواء تضخيم أموال الأغنياء المحتكرين، -فأنه مرض بحد ذاته- أم تضخيم البلاء الحاصل بسبب ذلك، وهو زيادة -لا أقول فقر الناس- وإنما عجز الدولة، فقد بلغ الأمر مبلغه، والحقيقة أن الظاهرة تزداد وتستفحل يوماً بعد يوم زيادة في السوء عياذاً بالله تعالى.
6. فشل الرقابة: فكوادر الحكومة المسئولة عن مكافحة الفساد، فشلت حقاً في مكافحة الفساد الحقيقي، وسعت إلى مكافحة الفساد غير المؤثر -وهي تشكر على تلك المكافحة ولا تشكر على إهمال المكافحة للفساد الأكبر- ولذلك فأن قانون رفع الأسعار على الشعب، بدعوى أن الشعب غير فقير، نقول: لماذا يحاسب المواطن، وليس هو السبب في حصول المديونية وازديادها: ولماذا يراد له عدم الغنى، بل الفقر والفقر المدقع، مع أنه ليس هو السبب في وقوع الأزمة قط، …… الخ وحدث ولا حرج.
ولذا يجب على ديوان المحاسبة ومؤسسات مكافحة الفساد المالي، النشاط في عملها وتطبيق الشروط التي وضعتها هي، بمحاسبة ومعاقبة المخطيء، ومحاربة المرتشين، دون تشهير أو تزوير، أما أن يكون المواطن، هو الذي يدفع الثمن وحده، فليس ذلك من العدل في شيء، وهذا مؤذن بعذاب من الله تعالى، قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ ….).
7. زيادة الضرائب: نعم؛ للدولة الميل على التاجر لسد عجزها إن لزم الأمر، لكن التسديد والمقاربة مطلوب، فأن كان هناك وسائل تدفع أحسن من الضرائب، صير إليها، وقد ذكرت سابقاً، أنه من الممكن وضع امتيازات للأغنياء -وهم كثيرون- لمدة 10-15 سنة، يُعْفَوْن فيها من الضرائب مقابل أخذ مبالغ محددة تساهم في سد العجز وترميمه، وتفتح لهم التجارات الداخلية والخارجية، وكذلك تشجيع الصناعات والاستثمار الوطني، ليحل محل الاستيراد الجشع من التجار الجشعين، والضرائب المفروضة أدت إلى هجرة عدد غير قليل من كبار التجار من الوطن إلى خارجه، وأغلقت محال ومعارض تجارية كبيرة كثيرة جراء ذلك، وليس من العلاج استقدام تجار من خارج الوطن، وفرض مبالغ عليهم يدخلونها مقابل الجنسية، هذا من الخطأ النظر إليه وحده، لأن النظر إلى الربح دون مراعاة رأس المال، خسارة للربح ولرأس المال.
فالأصل -مع استقدام التجار- أن نحافظ على تجارنا داخل بلدنا، فالتاجر المواطن -كيفما كان- أحرص على الشعب والوطن من التاجر المستقدم، لانتمائه لوطنه، وكذلك؛ بقاء المال الوطني داخل الوطن، أنفع وأبرك من تصديره إلى ذوي التاجر المستقدم ووطنه، وهذا معلوم لدى الاقتصاديين.
8.  تزوير التقارير التي ترفع لسدة الحكم: فأن من التقارير لسدة الحكم والجهات المختصة، منها ما فيه غير الواقع وغير الحقيقية، وللأسف التزوير كثير، ألا فليتق الله أناس سيعرضون على الله لا تخفى منهم خافية، ومن ذلك التزوير في بيان جودة عمل البرلمان مع سقوطه وترديه ما يدعوا إلى نبذه وتوقيفه لمدة خمسة أعوام على الأقل، وكذلك بعض المؤسسات الحكومية غير الفاعلة، لا بد من ترشيدها أو إلغائها كذلك، وإقامة هيئة خاصة مكانه.
9. غياب الشفافية: ومن الأمور القاتلة، غياب الوضوح والشفافية، في الإجابة على ما يرد على المواطنين من تشويش، فينبغي بل يجب على الحكومة، إما اللقاء ببث مباشر عبر القنوات، أو بنشرات، توضح وتبين ما يزيل الغبش عن المواطن، وما يلزم القيام بسياسات معينة، حتى لا تقع الشقة والفرقة، فعلينا جميعاً أن نحرص على ما يديم اجتماعنا.
ملاحظة أخيرة:
نكتب هذا من أجل التناصح والتشاور، لا للتثوير واستغلال الفرص لغرض سيء، فأن الثورة أشر مما نحن فيه، لأنها تهلك الحرث والنسل، وقد تكون سبباً لتسلط المتربصين بالوطن، على ثرواته ومقدراته، فليتنبه.
خاتمة:
هذا ما أردت خطه، نصحاً للأردن الحبيب، ولست متزلفاً لمنصب أو مال، لكن حقاً للوطن والمواطن، حتى لا يقع واحد منهما، وعندها ستولولون، ولكن: ولات ساعة مندم.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)

د. سمير مراد

من يوم الثلاثاء
4/6/1439-20/2/2018

شاهد أيضاً

حكم الصور (الفوتوغرافية) وتعليقها على الجدران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *