الرئيسية / المقالات / “لا ترجعوا بعدي كفاراً”

“لا ترجعوا بعدي كفاراً”

بــسم الله الــرحمن الــرحيــم

“لا ترجعوا بعدي كفاراً”

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيّد المرسلين, وبعد:

فما من كيان اجتماعي أو سياسي, إلا وله حالات يمر بها, فمرة يعلو, ومرة يُخفق, ومرة يكون إخفاقه داخلياً, ومرة خارجياً, وقد يكون الأمران معاً, والموفقون من أسرعوا الانتباه والرجعة.

هذا والمجتمع المسلم –لكونه نسيجاً بشرياً متعدد الاجتهادات- يمر بمثل هذه الظروف, وما ذاك –في نظري- إلا بسبب الأحكام التي يستقيها من النصوص, والمؤكد أن الاجتهادات, تقع تحت تأثيرات متعددة, من سياسية أو اقتصادية أو دينية أو غير ذلك, وأسوأ تأثير بلا شك هو: الهوى.

والانقلابات والتقلبات التي تعصف بالمجتمع, تظل محتملة مهما كانت: أخلاقية, سياسية, اقتصادية… الخ, كلها تُحتمل ما لم تمس جانب أصول وثوابت العقيدة والدين, وما لم تمس الدماء البريئة, فأنها حينها تكون جناية كبيرة, تعصف بمقدّرات الأمة, وتلغي طموحها, وتؤرجح آمالها.

قال تعالى:“ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً” , كما ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم), رواه الترمذي في سننة 2/56, وفي الصحيحين قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أكبرُ الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس).

قلت: هذا وإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-, كان حريصاً على الأمة أيّما حرص, ودوماً كان ينذرها ويحذرها من مغبّات كثيرة, حتى لا تقع في الهاوية, فحذرها من الخارج “يوشك أن تتداعى عليكم الأمم…”, ومن الداخل “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض”, نعم؛ إنها الفتن والأهواء التي تسري في العروق, كما يسري الدم, فيعقب ضعفاً يردي الأمة, ولست بصدد تفصيل المقصود من قوله عليه الصلاة والسلام: “كفاراً” بقدر ما أنا بصدد التحذير من القتل والاقتتال, الذي –في نظري- سببه الكلام المتضمن أحكاماً, تستوجب في نظر صاحبها القتل والاقتتال, رغم كونه وارد ثقافة لا تصح نسبتها للشرع, ما ينبغي إنشاء مصحة ثقافية تنقي المجتمع من تبعات الواردات.

ولنتأمل معاً كلمات الحديث الشريف:

1-    “لا ترجعوا…” أي: لا تعودوا إلى أفعال الجاهلية, التي كان يمارسها الكفار سابقاً, قيل نعمة الإسلام.

2-    “بعدي” أي: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمان للأمة من ذلك, قلت: واتباع سنته وهديه وترك الهوى, أمان من بعده.

3-    “كفاراً” منصوب على نزع الخافض, فيتكون المقصود كالكفار, فلا يلزم من ذلك ثبوت الحكم على المسلم بمجرد مزاولة الكبيرة خلافاً للخوارج.

4-    “يضرب بعضكم رقاب بعض” أي: يقتل بعضكم بعضاً.

قلت: وهذه النبوءة قد وقعت عياذاً بالله تعالى, بل ولا تزال تقع, فأن الهوى الناتج عن الاعتساف في الأحكام, مع الغل الصرف, لا يشفيه عند هؤلاء إلا إزهاق الأرواح, وسفك الدماء, ولو أنهم أطاعوا عقول من سبقهم, من أهل الفقه والحكمة, لزال كل هذا.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (يضرب) فيه إشارة إلى استباحة هذا الدم, لأن الضرب دليل ذلك, إذ لفظ الضرب مُشعر بالاستباحة.

وهذا أسوأ أمر يحصل, إذ استباحة الدم لمجرد حكم تعسفي, لا يصدر عن روية ولا مسكة عقل, مُرْدٍ للأمة مهاوي الهلاك, وخاتم على قفاها: لا تفلح –مادامت كذلك- أبداً.

قلت: وقوله: (رقاب بعض), نعم أراد القتل, لكن يمكن أن يؤخذ منه معنى خفي, ألا وهو الذل والهوان, فأن طأطأة الرأس والرقبة, هو الذل بعينه, فكأن استمرار القتل في الأمة, يُشمت بها الأعداء, مما يُكسبها الذل والهوان والصَغار عياذاً بالله تعالى.

والناظر في أحوال المسلمين اليوم, يجد تطبيق هذا النص عياناً, فالأحكام أهون من أن يُكلِّف فيها الواحد نفسه بأكثر من قول: كافر, مُرتد, منافق, خائن…الخ, ثم يرتبون على ذلك الحكم: القتل, ضرب الرقاب وحزّها بالسكين, فصدّقَت مقولة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حين حذر الأمة من كثرة الهرج, قالوا: وما الهرج يا رسول الله, قال: القتل, لا يدري القاتل فيمَ قَتَل, ولا المقتول فيمَ قُتَل, !!!

والحملة يقودها طغام الناس وصغارهم, حدثاء الأسنان, سفهاء الأحلام, يسبق فعلُهم قولَهم, وقولُهم عقولَهم, لا يرقبون في مؤمنٍ ولا معاهدٍ إلّاً ولا ذمة.

وهذا يحتاج إلى انتباه شديد, حتى لا يتأثر شبابنا وأولادنا وبناتنا بأمثال هؤلاء, إذ عندها يَصعُب الخرق على الراقع .

والله أعلم

د. سميـــــــر مراد

الثلاثاء14/4/1436 هـ

3/2/2015 م

شاهد أيضاً

حكم الصور (الفوتوغرافية) وتعليقها على الجدران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *